رؤى

وداعاً سماح إدريس.. عدو التطبيع ونصير الحق العربي

في حوار جمعه ذات مرة مع طلبة إحدى الجامعات في بلده لبنان٫ تلقى الراحل سماح إدريس سوالاً من احد الطلبة حول أي بلد يود أن يعيش فيه فأكد أنه لا يود أن يعيش في أي بلد سوى موطنه لبنان ولكن ان كان عليه أن يختار فإنه يختار فلسطين وبرر هذا الاختيار بكون فلسطين فيها شعب يقارع الاحتلال ويسعى من أجل نيل الحرية.

بهذه الكلمات لخص الكاتب اللبناني سماح إدريس موقفه الذي ظل ثابتا ومحافظاً عليه كالقابض على الجمر على مدار ثلاثين عاماً وأكثر اثرى فيها الساحه الثقافيه اللبنانيه بكتاباته والساحة السياسية بمواقفه.

فرغم دراسته في جامعات امريكيه سواء الجامعه الامريكيه في بيروت التي نال منها درجة البكالوريوس في الاقتصاد والماجستير في مجال الأدب العربي او جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك الأمريكية التي نال منها درجة الدكتوراه في مجال دراسات “الشرق الأوسط” عام ١٩٩١ إلا أنه ظل متمسكاً بهويته العربية وبانتماوه إلى تيار اليسار الاشتراكي اللبناني المؤيد للحق العربي لاسيما الفلسطيني.

وبحلول عام ١٩٩٢ تولى سماح مسؤولية تحرير مجلة الآداب البيروتية الورقيّة التي أسسها والده الروائي والكاتب والمفكر سهيل إدريس وحولها الى منبر مدافع عن القضايا العربية وفي القلب منها القضية الفلسطينية٫ حيث حفلت صفحات المجله بمقالات ودراسات قيمة عن تلك القضية ناهيك عن حوارات مع رموز الحركة الفدائية لا سيما المنتمين الى الجبهه الشعبيه لتحرير فلسطين التي كان إدريس تربطه بها علاقه وثيقه.

وتكاملت مواقف ادريس السياسيه مع مواقفه التي كانت تعسكها المجله حيث كان عضواً موسساً في حملة مقاطعة داعمي الدولة الصهيونية في لبنان والتي تأسست في أوج الانتفاضه الفلسطينيه الثانيه عام ٢٠٠٢ وعبرت عن موقف رافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني أو أن يطأ مؤيدوه وداعموه أرض لبنان.

كان ادريس يعرف كيف يختار معاركه من خلال تلك الحملة وكان من أبرز المعارك التي خاضها معركة رفض عرض فيلم “وندر وومان” او المرأة الخارقة في لبنان نظراً لكونه بطلته غال غادوت ممثلة صهيونية وجندية سابقة في جيش الاحتلال واحدى مؤيدي حروب الكيان الصهيوني على كل من لبنان وقطاع غزة وهي المعركة التي تكللت بنجاح الحملة في منع عرض الفيلم في دور السينما في لبنان وهو ما تكرر مع فيلم آخر هو “ذا بوست” والذي شن ادريس حمله على مخرجه الأمريكي ستيفن سبيلبرج المؤيد لسياسات الدولة الصهيونية بما ذلك حربها على لبنان عام ٢٠٠٦ وتمكنت الحملة من منع عرض هذا الفيلم ايضاً.

ومن اللافت أن إدريس لم يقع في فخ الثنائية التي وقع فيها الكثير من “النشطاء”٫ فايمانه بدور الحملات السلمية مثل حملة المقاطعة لم يدفعه لرفض الكفاح المسلح كما فعل البعض بل كان مويداً للمقاومة المسلحة في كل من لبنان وفلسطين والتي اعتبرها حقاً مشروعاً.

كما ان انتماء إدريس اليساري لم يحل دون تأييده للمقاومة ذات الواجهة الإسلامية٫ بل كان يطل بصفة مستمرة عبر شاشة قناة المنار٫ لسان حال “حزب الله” اللبناني.

لكن عطا ادريس لم يقف عند حدود الحملات السياسية٫ إذ يذكر سكان مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان زياراته المتكررة لهم ولمدارس الأطفال هناك وحرصه الشديد على قضاء الوقت مع أطفال اللاجئين وقراءة قصص مخصصة لهم وهو النشاط الذي كان يعتبره إدريس تكريساً لقيم الهوية والانتماء في ذهن هؤلاء الصغار ولم يخف استمتاعه الشخصي به.

أما على صعيد الإنتاج الفكري والأدبي٫ فقد أضاف إدريس إلى المكتبة العربية العديد من المؤلفات والروايات وعشراتُ الدراسات والمقالات والكتب المترجمة٫ حيث تصدى على سبيل المثال لا الحصر لترجمة كتاب “صناعة الهولوكوست” للكاتب والأكاديمي الأمريكي نورمان فينكلستاين من الانجليزيه الى العربيه وهو الكاتب الذي هاجم فيه صاحبه استغلال الدعاية الصهيونية المحرقة النازية واستخدامها لمنح نوع من الشرعية لجرائم الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.

 كما قدم دراسة قيمة عن الأدب أبان التجربة الناصرية في مصر بعنوان “المثقف والسلطة” وصاغ عدداً من الأعمال الأدبية من بينها قصص موجهة للأطفال.

وفي الخامس والعشرين من نوفمبر عام ٢٠٢١ وبعد صراع طويل مع المرض الخبيث لم يقل ضراوة عن صراعه مع التطبيع٫ نال خلاله دعماً حاشداً من فلسطين تمثل في عشرات الرسائل من بينها رسالة بعث بها إليه من محبسه الامين العام للجبهه الشعبيه لتحرير فلسطين احمد سعدات٫ أسلم ادريس الروح ليبكيه من أخلص دوماً لهم ولقضيتهم من اطفال المخيمات إلى المناضلين في داخل الأرض المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock