ثقافة

رضوى عاشور.. دروس في التحرر الوطني واستخلاص عبر نكبات التاريخ

“هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة؛ ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا “.

واحدة من مقولات كثيرة للروائية الكبيرة “رضوى عاشور” التي ظلت متشبثة بالأمل، صامدةً في وجه الكثير من الأعاصير التي عصفت بحياتها، حتى أسلمت الروح لبارئها في 30 نوفمبر عام 2014،

رحلت “رضوى عاشور” تاركة خلفها أعمال خالدة؛ وضعت اسمها في مكان بارز بين قامات الأدب العربي المعاصر، الذين سخَّروا أقلامهم للدفاع عن هذه الأمة في مواجهة قوى استعمارية غاصبة، سعت بكل السبل لاقتلاعها من جذورها واستعمار أرضها والعبث بتراثها الفكري.

ربطت الروائية الراحلة التي عرفت بشجاعتها، حياتها بالقضية الفلسطينية منذ تزوجت من الشاعر الفلسطيني “مريد البرغوثي” وأنجبت منه ابنها الوحيد “تميم”.

مريد البرغوثي ورضوى عاشور
مريد البرغوثي ورضوى عاشور

كانت “رضوى” صوتا للتحرر الوطني في ما أبدعته من أعمال روائية وفي كثير من المواقف، وقد عانت من الشتات الفلسطيني، عندما مُنع زوجها من الإقامة في مصر خلال عهد السادات ما أدى إلى تفرق شمل أسرتها الصغيرة.

تصف “رضوى عاشور” في روايتها الرائعة “الطنطورية” الصادرة عام 2010، النكبات المتتالية التي مُنِيَ بها الشعب الفلسطيني بعد الاحتلال الصهيوني لأرضه من خلال قصة حياة أمرأه فلسطينية تتسول حق الحياة عبر اللجوء لأكثر من دولة، وتقدم في جميع مراحل حياتها شهادة عيان على كيف اغتالت العصابات الصهيونية مستقبل شعب بأكمله، وحرمته من حقوقه، وجعلت الكثير من أبنائه يقضون بقية أعمارهم في المنافي، بينما يتجرعون مرارة البعد عن الوطن، والشوق الجارف للعودة إليه.

تقول “رضوى عاشور”: “الانتظار ملازم للحياة، لا بديل لها تنتظر في محطة القطار, وتركب في الوقت نفسه قطارات تحملك شرقًا وغربًا وإلى الشمال والجنوب، تُخلِّف أطفالا وتكبِّرهم، تتعلم وتنقل إلى الوظيفة، تعشق أو تدفن موتاك، تعيد بناء بيتِ تهدَّم على رأسك أو تعمِّر بيتًا جديدًا، تأخذك ألف تفصيلة وأنت –وهذا هو العجيب واقف على المحطة تنتظر.. ماذا تنتظر؟”.

حتى في مرضها كانت “رضوى عاشور” لسان حال للثورات وحركات التحرر، ماضيةً في الطريق الذى اختارته لنفسها منذ البداية؛ رافعة شعار أنَّ الأدب إبداع مقاوم بالأساس، في مواجهة قوى تسعى جاهدة لاغتيال أبسط حقوق الإنسان في أن يحلم بغد أفضل.

حوى كتاب “أثقل من رضوى” جزءا مهما من السيرة الذاتية لـ “رضوى عاشور” إذ تحدثت فيه عن مرضها ورحلة العلاج القاسية التي ضاعفت معاناتها مع مرض السرطان، ولكنَّها لم تغفل أيضا تسليط الضوء على ثورة يناير عام 2011 وميدان التحرير وما شهده من وقائع خلال أحداث الثورة.

وفي رواية “فرج” الصادرة عام 2008، تُجسِّد “ندى عبد القادر” جزءا رئيسا من المعاناة التي عاشتها الحركة الطلابية في مصر عبر التاريخ؛ فالبطلة وعبر ثلاثة أجيال ترى السجون، شاخصة أمام عينيها، حيث تتبدد أجمل سنوات العمر بسجن أبيها وهى طفلة صغيرة كما وجدت شقيقها الأصغر نفسها في العتمة ذاتها وذاقت نفس الكأس المر.

تمقت رضوى عشور كل أشكال الزيف وهو ما تعلنه صراحة عبر صفحات الرواية حيث تقول “ليس المهم أن يكون الإنسان مركسيًا أو بوذيًا أو مسلمًا أو مسيحيًا.. المهم أن يكون ماركسيًا شريفًا أو مسلمًا شريفًا أو مسيحيًا حقًا”.

وحين تُذْكَر “رضوى عاشور” تُذْكَر الرواية التاريخية؛ فهي واحدة من روادها، برائعتها “ثلاثية سقوط غرناطة” وهى ثلاث روايات هي: “غرناطة” و”مريمة” و”الرحيل”. تتناول “رضوى” فيها جزءا مأساويا من تاريخ العرب والمسلمين، من خلال الأحداث التي جرت في “غرناطة” بعد سقوط أخر الممالك الإسلامية في الأندلس.

ولـ “رضوى عاشور”  كتب وروايات كثيرة أخرى من بينها “حجر دافئ و”خديجة وسوسن” و”أطياف” و”رأيت النخل” و”تقارير السيدة راء” و”قطعة من أوروبا” و”سراج” و”الصرخة”.

ولقلم “رضوى عاشور” نكهة خاصة نتذوقها عبر الإبحار بين صفحات أعمالها الروائية المتنوعة، حيث تنتصر للإنسان رغم ضعفه وتجسد معاناته وانكساراته في عالم استعماري، لا يعرف سوى لغة القوى، لكنَّها في الوقت نفسه، تُبْقِى الضوء في نهاية النفق، وتنتصر للحلم الذى لا يجب أن يموت.. مهما تتابعت المحن، وهى تشد على أيدى من ضلوا الطريق، وسط أضواء خادعة؛ معلنة أنَّ الاعتصام بالذات والجذور يقي المرء من السقوط والزلل، وأنَّ أرضا وحلما وهوية يجب أن تظل حية في الوجدان، فهي أبدا لا تقدر بثمن، مؤمنة أنَّ “لكل المقهورين أجنحة” وهو بالمناسبة عنوان واحد من أشهر كتبها ويتضمن فصلا كاملا عن فلسطين وأبرز المذابح التي تعرَّض لها شعبها على يد جيش الاحتلال الصهيوني.. متحدثة عن مستنقع التطبيع القذر الذى سقط فيه البعض.

رحلت رضوى عاشور بعد صراع مع السرطان، لتبقى أعمالها الأدبية على تنوعها شاهدا على سيرة ومسيرة روائية، كرَّست قلمها لتجسيد مآسي أمتها عبر التاريخ من الأندلس إلى فلسطين، كاشفة عن آمال وآلام الإنسان العربي الحالم دوما بيوم يرسو فيه قاربه على شاطئ أمان.

هوامش

  • ولدت “رضوى عاشور” بالقاهرة في 26 مايو عام 1946، وكانت والدتها السيدة “مي عزَّام” شاعرة وفنانة معروفة، ما أثَّر كثيرا في تكوينها الفكري والأدبي، وكان سببا مباشرا في النضوج المبكر لموهبتها السردية.
  • في عام 1975 حصلت على الدكتورة من أمريكا عن رسالتها عن الأدب الإفريقي الأمريكي، وعملت مدرسا للأدب الإنجليزي في جامعة عين شمس، وتولت رئاسة القسم في الفترة من عام 1990 حتى عام 1993.
  • حصدت رضوى عاشور عددا كبيرا من الجوائز خلال مسيرة حياتها أبرزها جائزة “سلطان العويس” للرواية والقصة، كما فازت بجائزة “بسكارا بروزو” الإيطالية عن روايتها “أطياف” وحصلت على جائزة “قسطنطين كفافيس” الدولية للأدب من اليونان عام 2003.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock