فن

رحيل يسري الجندي صاحب قهوة المواردي وحارس التراث الشعبي

حتي وإن رحل الجسد؛ فإن للأفكار أجنحة، ستظل تحلق بها لتروي للأجيال القادمة سيرة ومسيرة كاتب وسيناريست من طراز فريد.. أصر حتى النهاية على أن يسبح ضد التيار، وأن يقدم أعمالا فنية خالدة، حملت رسالته في ربط الناس بجذورهم والتصالح مع التراث الشعبي، في الوقت الذى نادت فيه أصوات أخرى بالقطيعة معه.. إنه الكاتب والسيناريست الكبير يسري الجندي الذى رحل اليوم عن عمر ناهز الثمانين عاما.

كان الجندي معتزا بقوميته العربية؛ فقدم عددا كبيرا من الأعمال التي تصوِّر انتصار العرب في الكثير من المعارك، التي خاضوها متحدين ضد التتار وغيرهم ومن بين هذه الأعمال التي لا تُنسى “الطارق” و”سقوط الخلافة” و”خيبر”.. وكان  العمل الأخير سببا في تعرُّضه لهجوم واسع، من جمعية مكافحة التمييز اليهودية.

تميّز الجندي باستلهام التراث الشعبي في عدد كبير من كتاباته المسرحية.. بدأت رحلته مع التأليف المسرحي في أواخر الستينات، بكتابة مسرحية “ما حدث لليهودي التائه مع المسيح المنتظر” والتي حققت نجاحا كبيرا، عند عرضها على خشبة المسرح، رغم توقف عرضها أكثر من مرة.. بعدها خرجت إلى النور الكثير من أعماله المسرحية التي ما تزال محفورة في ذاكرة الأجيال، ومن بينها: “رابعة العدوية” و”المحاكمة” و”على الزيبق” و”واقدساه” و”الساحرة” وصدرت مسرحيته الأخيرة “الإسكافي ملكا” عام 2002.

من أهم أعماله التي عُرضت على خشبة المسرح مسرحية “بغل البلدية” عام 1969، و”حكاوي الزمان” 1974، و”المحاكمة” عام 1976، و”عنتر زمانه” أيضا في 1976، و”عنترة” 1977.

وعندما انتقل يسري الجندي من المسرح إلى السينما؛ ظل متمسكا بفكرته الكبرى، والتي تقوم على استلهام التراث، واستدعاء أفكاره في مختلف الأفلام التي قام بكتابة السيناريو الخاص بها، ومن أبرزها “سعد اليتيم” و”المغنواتي” و”أيام الرعب” و”نحب عيشة الحرية” و”ناصر”.

حافظ الجندي على النهج ذاته؛ عندما امتد إبداعه إلى شاشة التلفزيون المصري، حيث قدم مجموعة كبيرة من الأعمال الدرامية المستمدة من التراث، في بعض الأحيان، والتاريخية في أوقات أخرى.. المفارقة أن رسالته ذاتها كانت حاضرة وبقوة حتي عندما قدم بعض الأعمال التي تصنّف ضمن دائرة الفانتازيا.. ومن أبرز مسلسلاته “عبد الله النديم” و “نهاية العالم ليست غداً” و “أهلاً جدي العزيز” و”علي الزيبق” و”مملوك في الحارة” و”المدينة” و”الحصار” و”علي بابا” و”قهوة المواردي” و”السيرة الهلالية” و”جمهورية زفتى” و”التوءم” و”سامحوني ماكانش قصدي” و “جحا المصري” و” من أطلق الرصاص على هند علام”.

ورغم طول الفترة التي قضاها في محراب الإبداع، فإن الجندي ظل وفيا لقلمه ومنتصرا لمبادئه، منذ وضع قدمه على بداية الطريق، حتي رحل اليوم عن عالمنا وهو ما يكشف عن حجم الخسارة الفادحة التي تعرضنا لها جميعا، بعد رحيل رجل كان يرى في الفن سلاحا للمقاومة، وبناءً للأمم؛ وليس وسيلة للتكسب المادي وإثارة الغرائز كما هو حال الكثيرين اليوم.

حصل الجندي على عدد كبير من التكريمات، خلال مسيرة حياته الإبداعية الحافلة، ففي عام 1981 حصل على جائزة الدولة التشجيعية في المسرح، كما مُنح جائزة الدولة للتفوق في مجال الفنون في عام 2005.

بطاقة تعريف

ولد يسرى الجندي في مدينة دمياط في 5 فبراير عام 1942، وعمل في وزارة الثقافة منذ عام 1970 وأصبح مديراً للفرقة المركزية للثقافة الجماهيرية  في عام 1976، كما عمل مستشاراً ثقافياً لرئيس جهاز الثقافة الجماهيرية عام 1982، ويرجع إليه الفضل في القفزة الكبيرة، التي شهدها هذا القطاع الهام خلال تلك الفترة بعد أن قام بتطويره بشكل غير مسبوق، وظل يعمل كمستشار لرئيس الهيئة للشئون الفنية والثقافية حتى أحيل للمعاش في 5 فبراير 2002، كما كان عضو لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، ولجنة الدراما العليا باتحاد الإذاعة والتليفزيون لعدة سنوات.

رحل الجندي ابن الحارة المصرية؛ لكنه ترك بصمة واضحة داخل كل بيت، بواسطة أعماله الفنية الخالدة في وجدان ملايين المصريين.. ولن يفلح الزمن أبدا مهما طال في أن يغيِّب شخصا مثله كان معجونا بتراب هذا الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock