مختارات

الجذور التاريخية للصراع في ليبيا

بقلم: وائل إدريس، نقلًا عن موقع ميسلون

لا يمكن أن نفهم طبيعة الصراع في ليبيا ودوافع الأطراف المتقاتلة فيه بدون فهم لبنية المجتمع الليبي وتناقضاتها ونمط معاشه الاقتصادي، وهذا من الصعب فهمه دون الحفر داخل منظومة القبائل وتجارب صراعاتها التاريخية.

القبيلة هي وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية، اعتمدت في تاريخها الحديث قبل اكتشاف النفط على الزراعة والتجارة أو عبر حماية القوافل التجارية التي كانت ليبيا خطا تجاريا لها بين تشاد ودارفور والنيجر ومناطق شرق مصر، وتبادل الفائض الزراعي بين بعضها حسب طبيعة التربة وتنوع الزراعة بين مناطقها، كانت تنفجر الصراعات بين القبائل في بعضها بتأثيرات مناخية كأوقات الجفاف وانقطاع الأمطار أو بين السلطة في طرابلس والقبائل بعد انقطاع القرصنة في البحر المتوسط وازدياد الضرائب والحاجة لمشاركة اقتصاد القبائل باستقطاع نصيب من ريعها أو السيطرة على تجارتها كما حدث عندما أسقط والي طرابلس يوسف القرمانلي دولة أولاد إمحمد الفاسي في فزان.

دولة أولاد إمحمد الفاسي

نجد إن عهد أولاد إمحمد الفاسي في القرن السابع عشر تحديدا كانت كلها فترة حروب مع الدولة المركزية في طرابلس فمتى ضعف مركز الدولة، أوقف سلاطين أولاد إمحمد دفع الخراج، فحدثت بينهم حروب في عهد المنتصر بن ناصر الذيقُتل وكذلك في حكم أخيه الطاهر، وفي حكم ابن أخيهم محمد بن جهيم الجد إلى حكم محمد بن جهيم الحفيد ثم حكم الناصر، ولم يلتزموا بدفع الخراج حتى جاء حكم القرمانلي على ولاية طرابلس الذي كان أكثر قوة وحزمًا واعتمدوا على قبائل المحاميد الشديدة في بسط نفوذهم.

من الجدير بالذكر انه عندما أراد محمد الساقزلي والي طرابلس السيطرة على فزان في عهد الطاهر بعد أن قتلوا النائب التركي هناك، ارتأى أن يجلب أحمد بن هويدي الخرماني، والخرمان هم من سكان وادي الآجال لجأوا إلى طرابلس بعد أن زاد الطاهر من الضرائب والخراج وطغى وتجبر عليهم، وكانت تلك المناطق التي حكمها أولاد امحمد تحت حكمهم لذلك كانوا حانقين على أولاد إمحمد ووجد الساقزلي ضالته فيهم، إذ هذا الاحتياج يضمن له دفع الخراج بشكل مستمر.

دخول النفط

مع مجئ النفط لم تتغير طبيعة التناقضات القرابية في المجتمع، إذ اعتمادهم على النفط وتقاسم حصص مكاسبه داخل الدولة، أعاد إنتاج العصبية القبلية في ليبيا وأسهم في توطيد العلاقات القبلية ولكون القبائل بتعددها، فهي بالتالي احتاجت إلى تحالفات وصفوف، سواءً تحالفات أنشأت تجمعات قبلية أكبر داخل مناطقها وأصبحت تحالفات ثابتة ودائمة بسبب تواجدها الجغرافي في منطقة واحدة، كتحالف قبائل ورفلة في بني وليد، أو ترهونة أو مصراتة على سبيل المثال رغم اختلاف أصولها، أو صفوف لمجموعة قبائل تتغير مع سياق الصراع ووحدة المصالح القبلية فيه، ففي الماضي العثماني والإيطالي كانت هناك أحْلاف أولاد بوسيف والمشاشية والجبالية في مقابل صف الزنتان والرجبان والمحاميد في الجبل الغربي والقبلة، والصف الفوقي لأولاد سليمان وورفلة والقذاذفة في مقابل صف البحر المكون من مدن الساحل الطرابلسي كطرابلس والزاوية ومعهم مصراتة وزليتن والخمس ومسلاتة وضمت في مراحل أخرى قبائل الرّياح والمقارحة والفرجان.

القبيلة والحركة السنوسية

قبائل برقة تنحصر بين بطنين رئيسين، قبائل السعادي الذين ينحدرون من قبائل بني سليم، وهاجروا زمن الدولة الفاطمية مع بني هلال إلى شمال أفريقيا ــ كأولاد علي والجوازي والعواقير والبراعصة والعبيدات والدِّرَسة والحاسة والمغاربة ــ ، وقبائل المرابطين وهم القبائل العربية ذات الوجود الأقدم تاريخيا في ليبيا كالمنفة – قبيلة عمر المختار- والمسامير والعوامة والفواخر والزوية إلخ ….

علاقة المرابطين بالسعادي قديمًا تخللها تشابك معقد، من خلال سيطرة السعادي على معظم المراعي وآبار المياه، ومع ذلك كانت المِلْكية الجماعية للأراضي هي السائدة، إذ كان السعادي يأذنون للمرابطين باستخدام المراعي والآبار، مقابل ذلك كان المرابطون يقدمون لهم الحبوب كهدايا أو ريع، بالإضافة إلى تحمل تكاليف الدية في حوادث القتل داخل قبائل السعادي، ولكون المرابطين من المحاربين أيضا فهذا دفع قبائل السعادي للاستعانة بهم في معارك القبائل التي تأتي من الخارج، ومن خلال ذلك انخرط جزء من المرابطين داخل هيكلة قبائل السعادي، في كل قبيلة سعادية على حدة كان بينها أفخاذ من المرابطين، والملكية الجماعية لفترات طويلة ساهمت في تقليص التناقضات القبلية بينهم ، لكن في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر تأثرت برقة بتغير ديموغرافي نتيجة هجرات قبائل المنطقة الغربية – القبائل الطرابلسية – ، وكذلك مع الحروب التي خاضتها قبائل طرابلس تحت سلطة والي طرابلس – ليبيا سابقا – يوسف القرمانلي في جزء منها للصراعات القبلية على المراعي التي بدأت تظهر مع ازدياد عدد السكان في تلك القبائل ، بالإضافة لعامل نقص المياه في الآبار نتيجة لطبيعة التربة التي تحتفظ بمستوى أقل من المياه مقارنة بالتربة في المنطقة الغربية، وفي جزء آخر صراعات السلطة داخل أسرة القرمانلي ابتداء من حرب الجوازي والفوايد ضد قبائل السعادي الأخرى مجتمعة من عواقير ومغاربة وبراعصة 1811 – 1812 م المدعومة من باشا طرابلس وحرب تحالف الجوازي وأولاد علي ضد العبيدات 1817 م وقد ساند يوسف القرمانلي العبيدات فيها، أدت هذه الحروب إلى هجرة قبائل الجوازي وأولاد علي والفوايد إلى مصر والصحراء الغربية، ولم يبقَ منهم إلا أعداد قليلة خصوصا من قبائل الجوازي الذين زادت أعدادهم في الشرق الليبي اليوم، فيما أصبحتا بنغازي ودرنة موطنا للقبائل الطرابلسية.

مع بدء مرحلة الملكية في ليبيا واعتراف الأمم المتحدة بليبيا كدولة التي أنشأت ليبيا بشكلها الحالي، سيطر من خلالها الملك إدريس السنوسي على مقاليد الحكم وثبّت حكمه محليا بدعم من قبائل برقة معقل الحركة السنوسية التي أسسها جده، محمد بن علي السنوسي المعروف بالسنوسي الكبير، والتي خاضت تحت أحمد الشريف السنوسي وعمر المختار المنفي معارك الجهاد ضد الاستعمار الإيطالي في برقة، كما وانبثق عنها تأسيس جيش السنوسية عندما كان إدريس السنوسي في الإسكندرية تحت قيادة الإنجليز الذين دخلوا معهم ليبيا بعد هزيمة دول المحور الإيطالي والألماني في الحرب العالمية الثانية، لذلك اعتمد عليهم الملك لاحقا في تشكيل ما تعرف بقوة دفاع برقة.

لم يكن حكم القصر بمعزل عن دور القبائل في برقة، فسيطرة السنوسية لم يكن نتيجة لتأثيرهم الديني فحسب على حياة القبائل؛ ولكن أيضا لأن العائلة الحاكمة لا جذور قبلية لها في الداخل، فهي تمنح التوازن المطلوب بين قبائل برقة بحيث لا تسيطر إحدى القبائل على البقية إذا ما انهالت على الريع الداخل إلى خزائن سلطانها، فهو يسع القبائل بوجود العائلة ومن هنا نستطيع أن نفهم أن حكم السنوسية كان حكما مشتركا لقبائل برقة من سعادي ومرابطين، وعندما خرجت السلطة من تحتها بقيت هذه القبائل ناقمة على سلطة العقيد القذافي الذي اعتبرته امتداد لحكم القبائل الطرابلسية.

أحداث 14/13 يناير 1964

يمكننا أن نفهم مدى الدور الذي لعبته قبائل برقة في القصر من خلال أحداث 14/13 يناير/كانون الثاني 1964 التاريخية الشهيرة في ليبيا، ودائما ما يتم مناقشتها من خلال سردية سياسية متعلقة بالمد القومي الناصري وقمع السلطة بدون النظر إلى دور القبائل والقرابات الاجتماعية عليها.

في يوم 13 و 14 يناير خرجت مظاهرات من طلبة جامعة بنغازي تنديدا بعدم ذهاب الملك لحضور القمة العربية المنعقدة في القاهرة بخصوص تحويل مجرى نهرالأردن وإرسال ولي العهد نيابة عنه، ما لبثت أن شملت المظاهرات طلبة المدارس الثانوية وجزء من أهالي بنغازي، بعد أن تم التعرض بالضرب والقمع للمتظاهرين داخل الحرم الجامعي من قبل القوة المتحركة – كانت تُسّمى بقوة دفاع برقة قبل تأسيس النظام الاتحاد عام 1963 تحت قيادة محمود بوقويطين صهر عائلة الشلحي – التي كان لديها معسكران في قرنادة وبنينة وكان تسليحها أكبر من تسليح الجيش الليبي والقوة الضاربة للملك، وكان يرأسها السنوسي الفزاني آنذاك، حيث تم الاعتداء على الطلبة بالرصاص وأصيب بعضهم وقتل ثلاثة طلبة في هذه الأحداث، تم تشكيل لجنة تحقيقات وزارية بأمر من رئيس الوزراء المكلف منصور بن قدارة وسلمت تقريرها لرئيس الوزراء محي الدين فكيني، والذي أثبت تورط مدير الأمن العام محمود بوقويطين البرعصي – آمر القوة المتحركة السابق – بإعطاء أوامر إطلاق الرصاص على الطلبة ومعه العقيد السنوسي الفزاني آمر القوة المتحركة وعبد الونيس العبار العقوري حكمدار بنغازي وأحمد حسين الدرسي رئيس مركز البركة، فطالبت النيابة بتوقيفهم باستثناء بوقويطين، الذي طلب فكيني من الملك إقالته فرفض الملك إقالة بوقويطين البرعصي وقبل استقالة محي الدين فكيني.

وثائق المخابرات الأمريكية المفرج عنها عام 2015 بخصوص أحداث يناير/ كانون الثاني 1964 ذكرت أن الملك هو من أسقط رئيس الوزراء.

كذلك تقرير من مكتب تابع للسفارة البريطانية في بنغازي بتاريخ 22 يناير/ كانون الثاني 1964 قال إن مما لاشك فيه أن أهالي المدينة فقدوا الثقة في الشخصيات البرقاوية في قوات الأمن والتي كانت تعرف بـ قوات دفاع برقة.

الذي حدث لاحقا أن وكيل النيابة عبد الغني كامل تعرض للتهديدات العلنية وٱرغم على السفر بل وتمت محاولة اغتياله داخل بنايته ليترك القضية، ورغم القبض على الجاني إلا أنه ٱطلق سراحه لاحقا بينما المتهم الرئيسي في قتل الطلبة فقد أخرجته قبيلته الدرسة بقوة السلاح بعد أن هجمت على المحكمة ، ليذهب إلى منطقته، ونتيجة للغضب الشعبيّ الذي كان يمثل ذوي الأصول الغرباوية في برقة وبالأخص هنا مصراتة، فقد تم تشكيل لجنة بقيادة الشيخ عبد الحميد العبار العقوري واتفقت اللجنة مع قبيلة المتهم على ألّا يرجع المتهم إلى السجن أبدا وأن يبقى في ضيافة العبار إلى انتهاء المحكمة، وبعد محاولة اغتيال وكيل النيابة وإصابته بالرصاص طالب القضاة العرب بنقل المحكمة إلى طرابلس لتأمينهم مع النيابة والشهود الذين كانوا بلا حماية بين قبائل برقة التي تريد اطلاق سراح ابنها لكن الفريق أبوقويطين البرعصي رفض طلبهم وبقيت المحكمة في بنغازي وجُلب لهم قضاة بقيادة منير البرعصي الذي أصدر حكمه ببراءة المتهم الرئيسي أحمد حسين الدرسي والسنوسي الفزاني.

لو تأملنا أسماء الطلبة الخمسة والثمانين الضحايا بمن فيهم القتلى الذين ذُكرت أسمائهم سنجد أن غالبيتهم كانت من أبناء القبائل الطرابلسية في برقة كالقزيري والضراط والمنقوش وبن سعود وبالروين وبن حريز والبيجو والغويل والورفلي والتاجوري والبوري والنيهوم والشركسي والغرياني والجهمي والقمودي وبوشعالة وبوقرين والفقي والبقية. بينما كانت تُشكل قوات دفاع برقة من أبناء القبائل البرقاوية أو كما تُعرف في برقة بالبوادي.

هذه الحادثة ترسم بوضوح ارتباط القصر بالقبائل البرقاوية وتناقضها المحلي مع القبائل الطرابلسية في بنغازي ودرنة وبالأخص ذوي الأصول المصراتية لأنهم كانوا يشكلون نصف سكان مدينة بنغازي على الأقل وتقاسموا المناصب لاحقا في عهد القذافي مع العواقير وبقية قبائل برقة إلا أنهم كانوا الأكثر وزنا في التجارة، وقد وصل التصادم بعد انفجار التناقضات الاجتماعية عقب “ثورة” فبراير 2011 والفراغ وتصارع الميليشيات القرابية حدا يصعب فيه قبول الاثنين ببعضهما ومن هنا وجد حفتر مبتغاه في الحاضنة الاجتماعية التي ستقاتل معه في مشروعه السياسي.

حرب الكرامة والمطار صيف 2014

تعتبر سنة 2014 هي البداية الفعلية في شقاق أطراف فبراير ودخولها في صراع حاسم على ريع الدولة لكن هذا وإن كان منطقيا وحتميا في النهاية إلا أنه احتاج لتلك القشة التي قصمت ظهر تحالفهم، وأزعم أني أدركت وقوعها القريب لا محالة قبل أشهر من اندلاعها، ولكن قبل ذلك دعنا نستعرض اهم القوى الاجتماعية التي سيطرت بعد الإطاحة بالنظام السابق.

مصراتة

“إنَّ الرسائل عندما تأتي من مصراتة يكون لها وقع آخر”

وزير الداخلية الليبي فوزي عبد العال الذي ينتمي لقبائل مصراتة مهددًا دعاة الفيدرالية في المنطقة الشرقية

تعتبر مصراتة أهم القوى الاجتماعية التي امتلكت حظوة كبيرة داخل الدولة الجديدة، فمصراتة تعتبر قوة عددية هائلة فضلا عن انتشارها الديموغرافي بين طرابلس وبرقة وتحتكم لقوة موحدة داخلها سيطرت على أهم معسكرات التسليح في سرت والجفرة وتاجوراء وطرابلس عام 2011، ولها موالون في ذات المناطق التي كانت تحت قيادة رمضان السويحلي فترة الجهاد ضد الاستعمار الإيطالي بين عامي 1915 – 1919، من حدود طرابلس إلى مصراتة عبر خط الساحل وجنوبا إلى مسلاتة، ولها أيضًا موالون في الشرق/برقة من أبناء عمومتهم الذين كانت قياداتهم من الجماعات الإسلامية، وأضف عليهم حلفاء طرابلس والجبل الغربي – مع استثناء الزنتان وحلفائها القدامى كالرجبان وبعض القبائل التي كانت موالية للقذافي وتم إقصائها كالمشاشية -، بالإضافة لأولاد سليمان في الجنوب الليبي الذين سيطروا على سبها عاصمة فزان.

ونالت مصراتة لوزنها العسكري في أول حكومة في الدولة الجديدة، وزارة الداخلية “مصطفى عبد العال” ورئاسة الأركان “مصطفى المنقوش”، ومسؤول الدفاع في المؤتمر الوطني”البرلمان الليبي”عبد الرحمن السويحلي.

الزنتان

“تحصلنا على المطار فقط وهو حصة قبيلة الزنتان وهو والله خير من ألف وزارة”

مختار الأخضر “الزنتاني”، آمر ميليشيا مطار طرابلس الدولي التي كانت تسيطر عليه قبيلة الزنتان في حديث له مطلع عام 2014.

من المعروف أن الزنتان أولى القبائل الليبية في الغرب الليبي التي تحركت ضد نظام العقيد القذافي ولذلك كان من المنطقي أن تكون قبيلة المشاشية في ضفة القذافي بفعل الضغائن والحروب القبلية القديمة، خاض المشاشية مع حلفائهم أولاد بوسيف عدة حروب ضد الزنتان والرجبان في عام 1780، وعام 1910-1911، وهي المعركة التي تركت أثرا في نفوس أولاد بوسيف والمشاشية من الدولة العثمانية لدعمها الزنتان، وقد يتساءل أحدهم لماذا لم تكن قبائل الجبالية – ما يُعرف بالأمازيغ – في الصف المناهض للزنتان خصوصا أنهم كانوا لفترة من حلفاء أولاد بوسيف وخاضوا معارك الجبل ضد الزنتان والرجبان فيما يعُرف بفتنة الجبل، والحقيقة أن الجبالية تقاطعت مصالحهم مع الزنتان باعتبارات إثنية ضد مشروع نظام القذافي الذي اعتبرته عروبيًا، مع كونهم كانوا متأخرين عن الزنتان في خروجهم على النظام السابق.

سيطرت الزنتان عندما دخلت طرابلس على مناطق جنوب طرابلس ومن ضمنها مطار طرابلس الدولي ومعسكرات النقلية واليرموك.

هذا التواجد العسكري منح للزنتان وزارة الدفاع بإمرة أسامة الجويلي الذي اشتُهر بقيادته لبرنارد هنري ليفي أثناء حرب 2011.

قبائل الشرق

“أي جيش ! نحن من وضعنا حفتر الغرباوي وقتلناهم كلهم، خدها بصراحة حتى لا ينقلب الرأي العام، العرب التي تقود في المرحلة بوادي كلهم فيهم عوامة، وبراعصة ، وبراغثة ، وعواقير، لأن وصل فيهم السكين، ونحن اشتغلنا في الثورة، لا أن تذهب رئاسة الأركان للمصاريت وهم الذين يقودون المرحلة، هم الذين يتم تعيينهم في السفارات وهم الذين يتم إرسالهم كملحقيّين عسكريّين”.

عز الدين الوكواك “العقوري”، آمر ميليشيا حماية مطار بنينة – بنغازي – في شهر يونيو/حزيران 2014 بعد شهر من بدء عملية الكرامة التي أطلقها حفتر.

في مبادرة فزان، يقولوا خذوا وزارتين واتركوا وزارة الدفاع، مايضحكوا علينا، قلت لهم المغاربة أخذوا البترول والعبيدات أخذوا البرلمان والبراعصة أخدوا الوزارة – يقصد الحكومة – ونحن نأخذ وزارة الموت !”

الشيخ ابريك اللواطي أحد مشايخ قبيلة العواقير في اجتماع مسجل مع قبيلته في فبراير/شباط 2017.

بقيت منطقة الشرق الليبي تعاني فراغا سياديا كبيرا نتيجة لأن القبائل الطرابلسية وقبائل برقة كليهما كانا قد شاركا في الثورة فلم يستطع أي طرف منهما إخضاع الآخر بحجة الانتماء لنظام القذافي لكن نتيجة لسيطرة مصراتة على رئاسة الأركان والداخلية فقد قدمت دعما للكتائب الموالية لها في المنطقة الشرقية والتي يقودها أبناء عمومتها رغم أن قيادتها ذات توجه إسلامي لكنها كانت تحوي عناصرها أبناء بنغازي من القبائل الطرابلسية، وأسست بديلا للجيش تحت عنوان درع ليبيا وكان درع ليبيا المنطقة الشرقية بقيادة وسام بن حميد المصراتي، ودعمت الميليشيات الأخرى كميليشيا راف الله السحاتي “ميليشيا شهداء 17 فبراير/شباط” التي كان يرأسها إسماعيل الصلابي المصراتي الشقيق الأصغر لعلي الصلابي.

في المقابل كان العداء من أبناء قبائل برقة في بنغازي ومحيطها لسيطرة مصراتة يتوجه نحو هذه الميليشيات دونا عن غيرها من الميليشيات البرقاوية كميليشيات العواقير التي ظلَّت بعيدة عن مطالب الشارع في المظاهرات التي خرجت ضد ميليشيات راف الله السحاتي في جمعة إنقاذ بنغازي 21 سبتمبر/أيلول 2012 وأحداث السبت الأسود في الثامن يونيو/حزيران 2013، ضد لواء درع ليبيا 1 بقيادة وسام بن حميد المصراتي والتي سقط فيها 32 قتيلا أدت لانسحاب لواء درع ليبيا، وهذه الأخيرة بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش بتاريخ 13 يونيو/حزيران، فإن المناوشات بدأت بعد قدوم وفد من قبيلة البراغثة وطلبه إنهاء تواجد الكتيبة في المعسكر ومن ثم بدأت الاشتباكات المسلحة بين الطرفين والتي لم تكن المظاهرة عفوية ولا حتى مدنية بل اشترك فيها أبناء قبيلة البراغثة المحسوبة على العواقير.

هذه التصادمات القبلية في بنغازي مع أعداد الاغتيالات التي تزايدت عام 2014 وفّرَت الأرض الخصبة لانطلاق عمليات حفتر في مايو/أيار 2014

لا يمكن هنا بأي حال تجاوز المجموعات الإسلامية الأخرى كأنصار الشريعة الموالية لتنظيم القاعدة التي فور انطلاق عمليات حفتر بالتحالف مع القبائل البرقاوية، لجأت ميليشيات وسام بن حميد للتحالف معها وفق ما عُرف بمجلس شورى ثوار بنغازي ، في الأشهر التالية من بدء الحرب ستتمخض “داعش” في ثلاثة مناطق، سرت وبنغازي ودرنة .

بينما في المنطقة الغربية بقيت كتائب قبائل مصراتة والزنتان في حالة تسوية مؤقتة مابين شدّ وجذب طيلة عام 2013 وبداية عام 2014 حتى انهم اشتركوا سوية في قمع عملية أسد الصحراء في الجنوب الليبي داخل سبها وقاعدة تمنهنت التي كان يقودها نجل القذافي الساعدي من النيجر في يناير/كانون الثاني 2014 وكادت ان تنجح لولا تراجع الأطراف التي نسقت لها في أكثر من مدينة، بالإضافة لسوء توقيتها المبكر، قبل ان تبدأ حرب الإخوة في تيار فبراير، التي مالبثت أن تطورت الأمور بعد هزيمة مصراتة وحلفائها من الإسلاميين في انتخابات 25 يونيو/حزيران 2014 وكانت خسارة مصراتة تعني تناقضا لحجم قوتها العسكرية والسياسية في البلاد، وكذلك تهديد لوجودها العسكري وحصتها المناسبة لوجودها هذا من ريع الدولة، وأصبح لا مفر من حربها على الزنتان وحلفائها والسيطرة على طرابلس بذريعة حماية الثورة.

يجدر الإشارة هنا، إلى أن الإمارات دخلت على خط المواجهة مع قطر منذ عام 2013، وعبر محمود جبريل “رئيس المكتب التنفيذي السابق التابع للمجلس الانتقالي عام 2011” بدعم حلفائه الزنتان حيث أن عثمان مليقطة الزنتاني آمر كتيبة القعقاع هو شقيق عبد المجيد مليقطة الأمين العام لتحالف القوى الوطنية الذي يقوده محمود جبريل وقد أرسلت الإمارات في صيف 2014 شحنات من الأسلحة للزنتان بالتنسيق مع واشنطن كما يوضح ذلك من إيميلات العتيبة سفير الإمارات في واشنطن وسوزان رايس المسربة، بينما اعتمدت قطر ومنذ 2011 على تحالفات الإخوان والجماعات الإسلامية مع مصراتة كبرى القبائل الليبية لعلمها بوزنها القبلي داخليا، وهذا ما سنجده قد تغير لاحقا بعد انتصار مصراتة وحلفائها في حرب المطار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock