مختارات

الحرب الروسية الأمريكية بدأت لتوها

نقلا عن موقع روسيا اليوم، لقراءة المصدر الأصلي أضغط هنا

ماذا يفعل بوتين عندما يرفض الغرب إنذاره؟

كما افترضت سابقاً، انتهت القمة الافتراضية بين الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأمريكي، جو بايدن، بتبادل الإنذارات.

اتّسمت لهجة ومضمون المطالب الروسية بشأن الضمانات الأمنية، التي نشرت الجمعة 17 ديسمبر الجاري، للجانب الأمريكي، بقسوتها ونطاقها الواسع على نحو غير مسبوق. فعلياً، عرض بوتين على الولايات المتحدة الأمريكية تقليص أو الحد بشدة من وجودها العسكري في أوروبا ونصف آسيا، بما في ذلك الشرق الأوسط واليابان وكوريا الجنوبية، ما يؤثر كذلك على المواجهة بين الولايات المتحدة والصين. أي أن بوتين، في واقع الأمر، يعرض على الولايات المتحدة الأمريكية القبول بوضعها كقوة إقليمية لا أكثر، وهو الركن الذي لم يستطع الاتحاد السوفيتي أن يدفع الولايات المتحدة نحوه.

بل إن روسيا صرّحت بأن اتفاقية الضمانات الأمنية المقترحة ليست قائمة يمكن من خلالها اختيار بعض العناصر دون أخرى، بل تؤخذ كاملة. وهو ما يجعل قبول الإنذار من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أمراً صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً. وعلاوة على ذلك، نشرت موسكو مضمون مقترحاتها علانية، ليجعل ذلك من قبول المقترحات الروسية بالنسبة للولايات المتحدة، في ظل هستيريا معادية لروسيا بلغت ذروتها في الغرب، أمراً قاسياً ومذلّاً، وبالتالي أكثر استحالة.

أعضاء “الناتو”، ممن لا تأثير لهم في القرار، رفضوا بالفعل المقترحات الروسية، بينما لا تزال واشنطن وكبرى دول الحلف تستعد للرد، إلا أنني لا أشك للحظة في أن تعقّب بالرفض.

في الوقت نفسه، تعد موسكو برد عسكري وعسكري فنّي إذا لم يُقبل الإنذار. أي أنه من الواضح، حال تجاهل الغرب للإنذار الروسي، ولم يتخذ بوتين أي إجراء انتقامي، فإن العواقب سوف تكون وخيمة بالنسبة لروسيا.

بوتين
بوتين

كما أنه ليس لدي أي سبب للشك في عقلانية موسكو، أو جديّة بوتين. ومن الواضح لدي، أن روسيا لم تقدم على إنذار كهذا، حتى يتم قبوله، على أقل تقدير في المرحلة الراهنة من المواجهة الروسية الأمريكية، بل قل إنه ليس إنذاراً بغرض الاستكانة لرفض الغرب له.

يبدو لي واضحاً أن الطرفين يستعدان لصراع عسكري، وأن كل طرف يخلق صورة إعلامية ودعائية مناسبة، “يلقي اللوم” من خلالها على الصراع القادم مع العدو، من أجل الحصول على دعم بقية العالم.

فالولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ أكثر من شهر وللآن، تثير هستيريا بشأن هجوم روسي وشيك مزعوم على أوكرانيا، حيث تحتاج إلى صراع إقليمي بالوكالة بين روسيا والتوابع الإقليمية الأمريكية، ولكن دون تدخل أمريكي. أي أن سلاح واشنطن في ذلك الصراع هو أوكرانيا، التي ستجرّ روسيا إلى الحرب، إلا أن موسكو هي من ستتهم بمسؤولية إشعال شرارة الحرب. وهو سيناريو قاتل لروسيا على المدى البعيد.

أمّا بوتين، فيردّ بدوره بلعبة مضادة، في الوقت الذي أظن أن هدفه من ذلك هو تجنّب صراع إقليمي مع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، والدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وهو سيناريو غير مقبول لواشنطن، يدفع نحو انتصار مبكّر للصين في الصراع الروسي الأمريكي كطرف ثالث يجني ثمار ذلك الصراع.

في واقع الأمر، تعرض الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على بعضهما البعض نفس الشيء: الاختيار بين “الموت الآن في التو واللحظة” أو”الموت لاحقاً”.

بالنسبة لروسيا، فإن خضوعها للولايات المتحدة الأمريكية وحيادها في الصدام ما بين الولايات المتحدة والصين، وما يعقب ذلك من هزيمة الصين، يضمن فيما بعد خنقاً اقتصادياً لروسيا من قبل الغرب.

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن الخيار هو ما بين الإبادة النووية المتبادلة مع روسيا، أو التسوية على شكل التخلي عن مكانة القوة العالمية، وما يتبعه من أزمة داخلية قاتلة للولايات المتحدة.

أي أن القتال يدور حول سيناريو تطور الصراع، وهو ما يعتمد على البادئ في هذا الصراع أولاً. علاوة على ذلك، وإن كانت نتيجة الصراع وسيطة على المدى القصير، فإنها سوف تكون حاسمة على المدى الطويل.

وهكذا، بدأت كل من الولايات المتحدة وروسيا السباق على من ينفذ السيناريو الخاص به قبل الآخر. لهذا، تصرّ موسكو على الرد العاجل، وللسبب نفسه، يبدو لي أنه صراع لا مفر منه.

ومع ذلك، يطرح السؤال الرئيسي نفسه: بماذا يعتزم بوتين تعزيز مطالبه؟

لقد أعلنت بيلاروس بالفعل عن استعدادها لاستضافة أسلحة نووية روسية. إلا أن موسكو لا تخفي، بل تؤكد أنها تجري حواراً مع الولايات المتحدة الأمريكية وليس مع أوروبا. لكن الصواريخ الروسية في بيلاروس، والبعيدة جداً، لا تقلق الولايات المتحدة، ولن تغيّر من الوضع شيئاً. بنفس الكيفية، فلن يكون التدمير الحتمي لأوكرانيا، حال حربها مع روسيا، حجة، بل تسعى واشنطن لذلك من أجل استغلاله في عزل روسيا.

لهذا فحجة بوتين الأكثر كفاءة وفعالية هي خلق تهديد مباشر وغير مقبول على الأراضي الأمريكية. تهديد تعجز واشنطن عن تحييده.

أعتقد أنه ينبغي البحث عن الرد الروسي بين الجيل الجديد من الأسلحة الروسية الحديثة كلّياً، والتي تحدث بوتين عن إنشائها عام 2018.

من بينها، غواصة “بوسيدون” النووية ذاتية القيادة، التي تحمل رأساً حربياً يبلغ 100 ميغا طن، قادر على خلق تسونامي بارتفاع 300 متر، يكتسح كل شيء لمئات الكيلومترات داخل القارة، ليتسبب هطول الأمطار بالكوبالت المشع في جعل المنطقة غير مأهولة بالسكان في محيط أراضٍ تبلغ مساحتها 1700X300 كلم لعشرات الآلاف من السنين.

غواصة "بوسيدون" النووية
غواصة “بوسيدون” النووية

لكن الصورة الموجودة على موقع “ويكيبيديا” تفتقر إلى الدقة، حيث أن اتجاه الرياح في الولايات المتحدة الأمريكية، يجعل من الضروري تفجير الشحنة لا بالقرب من نيويورك، وإنما في خليج المكسيك، بالقرب من نيو أورلينز، بحيث تمتد المنطقة المصابة منها إلى نيويورك. وسيكفي وضع عدد من هذه الغواصات على طول الساحل الأمريكي لحل المشكلة.

قد تكون الصواريخ النووية فرط الصوتية من بين الوسائل المحتملة، إلا أن تلك النقطة تبدو لي محل شك، لمحدودية عدد الحاملات البحرية.

كذلك لا أستبعد أن يعلن بوتين قريباً عن إنشاء نوع جديد آخر من الأسلحة مع نشرها الفوري بالقرب من حدود الولايات المتحدة الأمريكية.

أو ربما ستغرق روسيا إحدى السفن الأمريكية أو البريطانية أثناء انتهاكها القادم للحدود البحرية الروسية، ما سيدفع نحو صراع أمريكي روسي مباشر.

مفاجآت أخرى غير متوقعة من حيث لا نعلم يمكن أن تكون في انتظارنا. فنحن نعلم أن التضخم يتسارع في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الوضع الاقتصادي العام قريب من الكارثة. قد تتسبب روسيا في حدوث تسونامي اقتصادي أو مالي من شأنه أن يدمّر الاقتصاد الغربي. بل إن نفس احتمال نشوب صراع نووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا قد يؤدي إلى انهيار أسواق الأسهم حول العالم.

لا يسعنا في الوقت الحالي سوى أن نخمّن بشأن رد بوتين، لكنه من الواضح أنه لا يخادع. فقد حاول لسنوات طويلة إقناع الغرب بمراعاة المصالح الوطنية لروسيا، دون جدوى. ويبدو أن الوقت قد حان لتقديم عرض للغرب، يستحيل عليهم رفضه.

بشكل أو بآخر، نحن نتحرك بأقصى سرعة لا نحو أزمة صواريخ كوبية جديدة، عندما وقفت البلدان على شفا حرب نووية، وإنما نحو شيء أكثر خطورة، لأن واشنطن الآن أصبحت أكثر ثقة بالنفس، وأقل عقلانية من ذي قبل.

أعتقد أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية قد دخلا أخيراً المعركة النهائية، والتي ستكون نتيجتها نقطة تحول رئيسية في تاريخ البشرية.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock