هذا المقال مترجم عن الإنجليزبة
بعد رحلة نيلية ترفيهية لمعلمين بمحافظة الدقهلية، تمَّت إحالة معلمة للتحقيقات بعد تسجيل مقطع فيديو لها، وهي ترقص أثناء الاستمتاع بالرحلة في النيل. بعد ساعات قليلة، تمَّ تداول الخبر في عدة مواقع صحفية، كما تمَّ التحقق من صحته، لبضع ساعات أخرى، كما أعلنت الأخبار المحلية أنَّ فتاة مصرية قد انتحرت؛ بعد ابتزازها بصورٍ مزيفة، ولم تتحمل الفتاة العار الذي لحق بها في هذا المجتمع الذي يضع شرفه على جسد المرأة؛ فتخلصت من حياتها.
أثار هذان الخبران عدة تساؤلات حول واقع المجتمع المصري، والوصاية الأخلاقية التي ينتهجها البعض، وفلسفة السلطة ضد مظهر المرأة وملابسها وحركاتها وحياتها الشخصية، ومدى السلطة الأبوية المتجذرة في الوعي الجماعي.
وعلى الرغم من أن هذه الحوادث تعتبر نقدا اجتماعيا واضحا للنظام الأبوي –وهو شكل من أشكال الاضطهاد– إلا أنَّها تستمر في وضع الحدود للمجتمعات التي نعيش فيها. إنَّه –أيضا– استكشاف لحدود الحرية البشرية.. فما هي الليبرالية حقا؟ هل تعني اضطهاد أناس تختلف معهم فكريا أو ثقافيا؟ وهل تتحقق بحبس هؤلاء المخالفين؟ ومتى يشرع الليبراليون في أن يكونوا ليبراليين بحق؟ وهل يجب صرف هؤلاء الأشخاص من جهات التحقيق؟ إذ كيف يجرُءون على الرقص في رحلة ترفيهية؟ سل نفسك عما إذا كان بإمكانك تخيُّل بلدٍ يُحبس فيه الأبرياء بسبب الاستمتاع بحرية الرقص؟ هذه أسئلة كبيرة.. ولا تزال وثيقة الصلة بالموضوع اليوم.
الليبرالية تعني فلسفة حرية الأفراد، المعبَّرُ عنها بشكل خاص في حرية العقد الاجتماعي وحب الحرية والكرامة الإنسانية. لذلك؛ فإن التفكير النقدي في المؤسسات وأساليب الحياة أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى. فإذا كان المجتمع غير عادل، فليس للرجل الحق في عصيانه فحسب، بل عليه أن يفعل ذلك.
إنَّ رفض جميع الأخلاق والعادات المتطرفة السائدة هو ما يجعلنا بالفعل ليبراليين. وواقعيا فإنَّ الناس كان لهم رأي أخلاقي محيِّر حول هذا الوضع في مجتمعنا وحتى الآن، بعد عدة حوادثٍ، –عندما تلاشى الغبار أخيرا– اكتشفنا أننا ما زلنا لا نملك أدنى فكرة عن الحرية، وماذا تعني؟.
لماذا النساء؟
بالإضافة إلى النساء اللواتي يكافحن ، فإنَّ شارعنا يكاد يكون رجوليا، ليس فقط بسبب الأعداد الفردية الصغيرة من النساء فيه؛ ولكن –أيضا– لأنَّ المشي بحريةٍ –في الشارع– للرجال فقط!. في الشارع يستطيع الرجال تناول الطعام والرقص والشراب وحتى التبول في الأماكن العامة. لقد أصبحت القضية خطيرة جدا؛ ليس فيما يتعلق برقص المعلمات في الأماكن العامة. أو ما إذا كانت أداة الابتزاز؛ مجرد صور عارية مزيفة؛ الحقيقة هي أنه يجب علينا أن نحارب من أجل إنهاء التمييز الجنسي في مصر ضد النساء.
من اللافت للنظر أنَّ هذا هو ما تعنيه السلطة الأبوية حقًا. إذ اتضح أنّ المساواة لن تكفي، طالما أنَّ هناك أنظمة تميز ضد الناس من خلال نُظُم القمع والتهميش الأخرى.. بعبارة أخرى، من الواضح أنَّ هناك حاجة إلى تغيير أكثر عمقا.. تحديدا تدمير النظام الأبوي، كونه مصدرا لكل اضطهاد، خاصَّةً تجاه النساء.. مرة أخرى وبلا حدود؛ يمثل النظام الأبوي أخطبوطا أخلاقيا تتعدد ضحاياه في جميع أنحاء المجتمع، وهنا نورد على سبيل المثال لا الحصر، الموقف المحبط تجاه النساء المطلقات، وذوات البشرة السمراء، وصاحبات الوزن الزائد، وحاسرات الرءوس.. والقائمة تطول.
النساء يعرِّفنها على أنَّها ثلاثية القهر التي شكَّلتها الدولة والشارع والمنزل. الحقيقة المؤلمة التي تنعكس في مبررات التمييز ضد المرأة هي استمراره من خلال السياق الأبوي المتحيز. وتكمن المشكلة في نمط التفكير المتحيز الذي يشوه المرأة ويتغذى في إطار التفاعلات الاجتماعية التمييزية ضد المرأة، مثل إرث التمييز بين الجنسين، وأشكال الاضطهاد ضد المرأة التي تثنيها عن التحدث علانية عن تجاربها المؤلمة باعتبارها “حوادث فردية”. ويتماشى هذا مع نظرية “التحيز الجنسي المتناقض” التي قدمت تمييزا جنسيا متناقضا له بعدين (التحيز الجنسي العدائي والتمييز الجنسي الخيري).
وفقًا لـلعالمين “جليك” و”فيسك” فإنَّ التحيز الجنسي العدائي يميز العلاقة بين الرجال والنساء على أنَّها صراع على السلطة، مثل التعبير عن هؤلاء النساء اللائي يسعين إلى السلطة “من خلال السيطرة على الرجال” واستخدام “ستار المساواة” للتقدم على الرجال. تحمي هذه المواقف الوضع الاجتماعي المتميز للرجال عن طريق تحطيم وترهيب النساء اللائي يهددن القوة المجتمعية للرجال. وفقا لذلك، فإنَّ الرجال الذين يؤيدون التمييز الجنسي العدائي يقيّمون النساء المهنيات والنسويات بشكل أكثر سلبية، ولكن ليس ربات البيوت والقائمين على الرعاية. (اختبار التمييز الجنسي المتناقض، جليك وفيسك ، 1996).
كل هذه الحوادث التي عانت فيها النساء في الشوارع على يد أولئك الذين يُفترض أنَّهم زملاؤها في المجتمع؛ تدفعنا إلى التفكير، فبينما يتم اضطهادهن من قبل السلطة؛ إلا أنَّهنَّ –أيضا– يتعرضن للقمع في الشوارع والمنازل من الصغير إلى الكبير.. ويميل كثير من الناس إلى القبول بالحرية في الشوارع؛ لكنهم غير قادرين على إدخالها إلى أذهانهم. حيث يستمرون في مواقفهم المتحيزة ضد المرأة –في عصرنا– من النظام والأصدقاء والعائلة، الذين يستجيبون للهياكل الأبوية المتجذرة بعمق، ما يؤدي إلى صمت متواطئ من جانب العديد من الأشخاص الذين لا يريدون إضاعة فرصتهم في الشعور بالقوة وتجنب العزلة عن العلاقات الاجتماعية التقليدية.
كراهية المرأة:
بعد ما قِيلَ وفُعِلَ، هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. لكن يجب أن يتم ذلك من مبدأ إنساني أساسي واحد، وليس من خلال سياق كل شخص. كما يجب أن نؤمن بالفتيات والنساء من الناحية الإنسانية الأخلاقية وأن تكف عن التظاهر بذلك. فلا يجوز معاقبة أو قتل فتاة أو امرأة على ما تفعله بجسدها بغض النظر عن أخلاقها وهل هي جالسة أم ترقص؟ لنضع الكراهية في مكانها الصحيح علينا أن نقاوم النسبية الثقافية ولنعلم أنَّ المرأة ستظل أرخص أوراق المساومة في مثل هذا الوضع القائم.
سيتم إخبارك أنَّ “ثقافتنا” و”عاداتنا” و”ديننا” تفعل أ أو ب أو ث للنساء.. يريدون إسكاتنا. يريدون مطاردة النساء.. نحن أكبر من الحجاب والجسد وأن نكون ضمن ممتلكات الرجال. استمع إلى أولئك الذين يقاتلون ضد النظام الأبوي، وافهم أنَّه يجب أن يقال إنَّهم يكرهوننا، فمن اعتبرها كذلك لم يكن أبدا إنسانا. ليس لديهم فكرة عن العقل الليبرالي. في النهاية ، أنا أؤيد حقوق المرأة ولكن الأهم من ذلك، أنا أدعم حق النساء في الخطأ.