تمرُّ اليوم في صمتٍ مريبٍ وغير مفهومٍ.. الذكري الخمسون للحركة الطلابية “الكبرى” في تاريخ مصر المعاصر ١٩٧٢-١٩٧٣ [والوصف ليس من عندي وليس تحمسا زائدا بحكم كوني جزءًا من هذا الجيل في نصفه الثاني، ولكنَّه تعبير علمي للأكاديمي والمؤرخ الكبير د. “أحمد زكريا الشلق” في تقديمه لواحد من أهم الكتب العلمية عن تاريخ الحركة الطلابية[.
فدور هذه الحركة في تحديد مسار التاريخ المصري خلال الخمسة عقودٍ الأخيرة كان دورا عظيما، ربما لم تقم به أيةَ حركةٍ طلابيةٍ مصريةٍ منذُ الدور الذي لعبه الطلاب في إشعال وإنجاح ثورة ١٩١٩، وفي انتفاضة ١٩٤٦، التي قادتها اللجنة الوطنية للعمال والطلبة. ولكن –ربما– ما يجعل هذه الحركة هي الحركة الكبرى –برغم كل انكساراتها– أنَّها الوحيدة التي أنتجت جيلا مثابرا، لم تنقطع مسيرته.. قام بصياغة تضاريس الحياة السياسية المصرية، كما نعرفها الآن.. ولايزال حتي الآن حاضرا في هذه التضاريس.. ألا وهو جيل السبعينات الاستثنائي.
وعلي الرغم من أنَّ هذه الحركة تجد بدايتها في احتجاجات الحركة الطلابية المصرية علي كارثة هزيمة ١٩٦٧، بعد أحكام الطيران الهزيلة، وما انتزعته من إعادة الحرية للحركة الطلابية، وربط الطلاب بهدف التحرير وإزالة آثار العدوان، إلا أنَّها سرعان ما اندمجت مع جهود عبدالناصر، في عملية إعادة بناء القوات المسلحة بضخ نحو سبعين ألف مقاتل من حملة المؤهلات العليا إلى صفوفه، كانوا مؤهلين للتعامل مع تقنيات الأسلحة الحديثة، وردم الفجوة مع المحارب الصهيوني، وهي إضافة للشباب والحركة الطلابية المصرية التي ستثبت لاحقا أنَّها كانت من مفاتيح النصر الأساسية في حرب اكتوبر .
ولم تنشط هذه الحركة من جديد وتقدم وبشكل تدريجي، وجها ناضجا محركا للأحداث وقائدا للمجتمع المصري إلا بعد١٥ مايو ٧١، التي أطاح فيها السادات بالقيادات المرتبطة بنهج عبد الناصر، والتي وصفها هو بـ “ثورة التصحيح” علي مراكز القوي؛ حيث كانت البداية بحدوث انقسام في اتحادات الطلاب، وتنظيمات الشباب آنذاك، فمنهم من أيَّد السادات ودعمه، ومنهم من عارضه، وتنبَّه إلي أنَّها بداية تصفية نهج التحرر الوطني ومعاداة الاستعمار. وفي كل الأحوال كانت هناك –من ناحية– مجموعات اليسار الماركسي التي عادت للعمل التنظيمي المستقل لأول مرةٍ منذُ حلِّ الحزب الشيوعي لنفسه عام ١٩٦٤، لتتبلور لاحقا في نحو أربعة أو خمسة أحزابٍ صغيرة، وكانت هناك –من ناحية اخري– مجموعات التنظيم الطليعي التي تحوَّلت بعد ذلك وذابت في تيار أكبر عُرف بعد ذلك بالتيار الناصري، وقد بدأ يساورهما كـ يسار منحاز لتحرير الأرض ومقاومة الهيمنة الامريكية؛ الشكوكُ العميقةُ في توجُّهات السادات الوطنية والاجتماعية وفي جديته في خوض الحرب.
قدَّم السادات بخطابه الكارثي في ١٣ يناير 19٧١، كلَّ الأسباب لتتحول هذه الشكوكُ إلي حقيقة؛ بل وإلى غضبٍ عارمٍ عندما تخلَّي فيه عن تعهُّده بجعل عام ٧١، عاما للحسم أي العام الذي كان محددا لخوض المعركة التي طال انتظارها لمحو عار الهزيمة وذلك بحجة أنَّ العام أصبح عام الضباب (سياسيا) بسبب اندلاع الحرب الهندية/الباكستانية. حجج لم يقبلها الجيل الشاب المُتَحرِّق شوقا؛ لبذل دمه من أجل استعادة أراضه المحتلة.. واندلعت في اليوم التالي ١٤ يناير ٧١، الحركة الطلابية خاصَّة في جامعتي القاهرة وعين شمس، والتي سرعان ما تصاعدت حتَّي شكَّلت أول تهديدٍ حقيقي لشرعية السادات، خاصَّة مع التفاعل والتعاطف التي قُوبلت به الحركة ووثيقتها الطلابية من النقابات المهنية، وبعض القيادات العمالية والمواقع العمالية، ومن المثقفين والأدباء والفنانين الطليعيين، وهي الوثيقة التاريخية بمطالبها الداعية لحرب يشارك فيها الجيش والشعب وفي مقدمهم كتائب شعبية من الطلاب، ولاقتصاد حربٍ حقيقي، وتقشفٍ يليق بدولةٍ في معركة، ولإلغاء الرقابة علي الصحف…إلخ.
بين ١٤ يناير وحتَّى فض اعتصام التحرير الشهير بالكعكة الحجرية في ٢٥ يناير ٧١، وهو التحرك الذي تكرَّر بين ٣ يناير و١ يناير في العام التالي ٧٢، وما تخللهما من اعتصامات ومظاهرات وتضامن متفاوت ولكن حقيقي من المجتمع المصري معها ضد سلطة السادات، كان تاريخ مصر يتغير وجيل يتولى القيادة الشعبية للحركة الوطنية، ورغم أنَّه فشل فشلا ذريعا في الوصول للحكم مرة واحدة إلا أنَّه حقق أربعة إنجازات تاريخية غير مسبوقة.
1- الدفع نحو خوض معركة العبور.. أعظم انتصار عسكري مصري في القرن العشرين:
لولا المؤتمرات ومجلات الحائط والاعتصامات والمظاهرات العارمة التي فجَّرتها الحركة الطلابية المصرية في وجه السادات في اليوم التالي بعد خطابه الكارثي يوم ١٣يناير ٧٢، بتأجيل المعركة من ناحية ولولا استهانة الأمريكيين بالسادات من ناحية أخرى، واعتقادهم أنَّه [خفيف الوزن] لن يمكث في السلطة كثيرا؛ فتجاهلوا كل الرسائل العلنية والسرية التي مفادها أنَّ خياره الأول ليس الحرب، وإنَّما تسوية سياسية تحت قيادتهم –ما حسم السادات أبدا قراره بخوض حرب أكتوبر العظيمة، ولا ثأرت مصر لشرفها وثأر جيشها العظيم لكرامته من هزيمة يونيو. فالحركة الطلابية التي قادها الماركسيون مع مشاركة أفراد ومجموعات صغيرة من الناصريين في جامعة القاهرة، وقادها الناصريون مع أفراد أو مجموعات صغيرة من الماركسيين في جامعة عين شمس.. عبَّرت عما خشيَّ المصريون من الإعلان عنه، من رفضهم التلكؤ “الساداتي” غير المفهوم في شن الحرب علي إسرائيل لاستعادة سيناء، ودفعت النقابات المهنية لرفع صوتها بتأييد كلِّ حرفٍ في الوثيقة الطلابية للجنة الوطنية للطلبة بجامعة القاهرة، وبيان مؤتمر جامعة عين شمس اللذين صدرا كليهما في ١٩ يناير، وانضم إلى النقابات بعض أهم مثقفي وأدباء مصر مؤيدين للطلاب وداعين السادات للحوار معهم. بل وامتد التأييد إلي جزءٍ مهمٍ من ممثلي الشعب في المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي الذي دعا إليه السادات فبراير ٧٢، لامتصاص الاهتزاز الكبير في صورته وشعبيته بعد حركة الطلاب .
بعبارة أخرى جدَّد الطلاب وتحركهم بين ١٤ يناير و٢٥ يناير حيوية الحركة الوطنية، والمجتمع المصري بأكمله، وضخُّوا في عروقه اليابسة دماءً جديدة، ووجد النظام نفسه مضطرا رغم كل الاعتقالات وقسوة فض الجامعتين في (٢٤ يناير) وميدان التحرير في (٢٥ يناير) التي واجه بها الطلاب.. إلى إصدار قراراتٍ ترضخ ظاهريا علي الأقل لمطالب الحركة مثل خفض الإنفاق الحكومي، كما يليق باقتصاد حرب، وفتح باب التطوع لطلاب الجامعة، وترتيب زيارات لهم للجبهة.
استمرَّ الضغط الهائل للحركة الطلابية علي السادات لإنهاء مماطلته في شن الحرب، خاصَّة وقد ضاعف الشك في نفوسهم؛ في اتجاهه للتقرب من أمريكا، حليفة العدو الإسرائيلي الجاثم علي أرض سيناء، بطرده للخبراء العسكريين السوفييت يوليو ٧٢، وتفجَّرت التظاهرات وامتدت هذه المرة إلى جامعاتٍ ومعاهدَ عليا ونقابات مهنية وعمالية أخرى، كما كانت أبكر زمنيا، إذ بدأت في ديسمبر ٧٢، واستمرت حتي ٤ يناير ٧٣، حيث أمر السادات بإغلاق الجامعات، ولكن عادت مرة أخرى عند إعادة فتحها في فبراير ٧٣، وتوافق مع ذلك التضامن الخطير الذي أبداه كبار الكتاب في صورة ما عرف ببيان الأدباء أو بيان الحكيم الشهير الذي انضم للطلاب في الهجوم علي سياسات السادات المماطلة. بعبارة أوضح ما كان لاتفاق السادات/ الأسد في أغسطس ٧٣، بشن حرب مشتركة ضد إسرائيل، انطلقت في ٦ اكتوبر ٧٣، ممكنا لولا هذه الحركة الطلابية التي أيقظت الحركة الوطنية، وشكَّلت مع التجاهل الأمريكي لتوسلات السادات؛ قوة الدفع الحقيقية التي أرغمت السادات علي شن حربٍ.. بدا واضحا بعد مبادرته بزيارة القدس، والتصالح مع العدو بعدها بأربع سنوات أنَّه أُرغم عليها؛ لكنَّ مصر وأمتها ظفرا بأعز نصرٍ وأعظم أداءٍ لجيشها المقاتل تخطيطا وبسالة.
2- توسيع هامش الحرية السياسية والنقابية وحرية الرأي والتعبير، وموجة جديدة من الفن والقوة الناعمة المصرية.
يمكن القول أنَّ مصر قبل حركة الطلاب الكبرى لهذا الجيل سواء كانت مستمرة.. أو متقطعة.. متوهجة أو خافتة، حتَّى العام ١٩٧٩، –بعده انتقلت لجيل أحدث، قاد الحركة الطلابية في ظروف أصعب، وغير مواتية ومنقسمة علي نفسها بين تيار إسلامي يميني مهيمن وتيار يساري متراجع– شيء.. ومصر التي عرفتها الأجيال اللاحقة بعد ذلك –مع تفاوتاتٍ بالقطع– شيءٌ آخر تماما، ونتحدث هنا عن الحريات الصحفية والنقابية وحرية التنظيم وتواصل الجامعات والنقابات المهنية والعمالية وتشابك التفاعلات بين الجامعة والحركة الطلابية والحركة الوطنية العامة: إنَّ انتقال حرية مجلات الحائط للصحف السيارة، وبدء تكتل الفنانين والأدباء –اتحاد الكتاب مثلا هو الابن الشرعي للحركة الطلابية ٧٢،٧٣ –في هذه الفترة، وبزخم الحركة الطلابية واحتكاكها بالسلطة من ناحية والمكونات السياسية ببعضها البعض، تمت صياغة المشهد السياسي المصري The Political Landscape حتي يومنا هذا من التيارات الرئيسية الأربع الناصري والماركسي والإسلامي والليبرالي .***
فمن ناحية أعادت الحركة الشيوعية وقتها تنظيمها المستقل لأول مرة منذ قرار حل الحزب في الستينات في حزب العمال، وحزب ٨ يناير، والحزب الشيوعي المصري، والحزب الشيوعي المصري المؤتمر، وعصبة “التروتسكيين”. وبلور التيار الذي بدأ بكوادرَ عديدةٍ من التنظيم الطليعي في جامعة عين شمس وكوادرَ أقل في جامعة القاهرة، من تيار يدافع عن مشروع عبد الناصر وسياساته في مواجهة ارتدادات السادات إلى مشروع سياسي وفكري ناصري ذا طابع يساري حازم، وُلد في قلب الحركة الطلابية والشارع وليس في قلب السلطة والنظام وفي إطار الصراع والتضحيات وليس الأمان والمكاسب. وكان انتقال كوادره المُتكرر إلى السجون مع رفاقهم الماركسيين في معظم عهد السادات اختبارا لصلابة هذا التيار وتعميدا له في الحياة السياسية المصرية.
وبفعل هزيمة ٦٧، أيضا التي ساد بعدها تفسير مغلوط ومتشدد لإسلاميين منهم الشيخ الشعراوي بأنَّها كانت نتيجة الابتعاد عن الدين، وارتماء عبد الناصر في أحضان الاتحاد السوفييتي والشيوعية، وبفعل حاجة السادات لصد الحركة الطلابية اليافعة من التيارين الماركسي والناصري –سعي السادات لإحياء تيار له جذوره، هو التيار الإسلامي؛ بادئا بصفقة مع الإخوان المسلمين وثَّقتها بالأدلَّة مذكرات ومقابلات عديدة لرجال أمن وسياسة [حسن أبو باشا، فؤاد علّام، عبدالسلام الزيات، محمد عثمان إسماعيل] وبإنشاء أو تشجيع إنشاء جماعة شباب الإسلام، والجماعة الإسلامية في جامعات الوجه القبلي والوجه البحري [وثقتها أيضا كتب ومقابلات الكوادر الإسلامية الأولى في جامعات السبعينات[وائل عثمان.. إلخ]. كما مثَّلت السيطرة اليسارية [القيادة ماركسية مع مشاركة ناصرية (٧0-٧٤) في السنوات الأربع الأولى للسبعينات وبقيادة ناصرية مع مشاركة ماركسية في الأربع سنوات التالية (٧٤-٧٨) وتداخل ومزاحمة متزايدة في ظل تشجيع واضح من نظام السادات منذ٧٦، للتيار الإسلامي انتهي بالغلبة والتفوق له في نهاية السبعينات التي كانت قد شهدت ضمورا للحركة الطلابية وتراجعا في نبضها بعد تطبيق لائحة ٧٩ المقيدة.
القيادة اليسارية للحركة الطلابية لمدة سبع أو ثماني سنوات؛ استفزت –أيضا– تيارا آخر لإحياء نفسه، وإن ببطءٍ شديد هو التيار الليبرالي مستفيدا من تحوُّل مصر للتحالف مع الغرب –المنبع الفكري لليبرالية– وبظهور طبقة رأسمالية مسيطرة تحتاج لتعبير سياسي عنها، ومن العودة إلى التعددية الحزبية؛ حتَّى ولو كانت شكلية، بما في ذلك الإفادة من عودة حزب الوفد للحياة السياسية الذي يُعدُّ تاريخيا حزب الليبرالية المصرية الأهم.
بفضل الحركة الطلابية شهدت مصر أهم تجديد لقوتها الناعمة في الغناء والموسيقي والأدب نثرا وشعرا ونقدا منذ جيل الستينات إذ كانت الجامعة مقصدهم وجمهورهم الذي احتضنهم ونشر غناءهم وشعرهم ونثرهم القصصي والروائي المتمرد وجعله علي كل لسان.
3- قيادة اهم انتفاضة شعبية في النصف الثاني من القرن العشرين
إذا كان دور الحركة الطلابية أساسيا في ثورة ١٩١٩، وانتفاضتي ١٩٣٥و ١٩٤٦، فقد كان مركزيا وحاسما جنبا إلى جنب مع العمال في انتفاضة ١٨ و١٩ يناير ٧٧، الشعبية أو انتفاضة الخبز.. علي أنَّ دورهم في التمهيد كان أهم إذ نشطت الحركة الطلابية من قبل وبالتحديد مع لائحة ٧٦، التي منحت حرية كبيرة للعمل الطلابي السياسي والنقابي والخدمي، وحضورا متنافسا علي الاتحادات الطلابية والاستقطاب السياسي بين الجماعات والأسر الطلابية لليسار بشقيه وللتيار الإسلامي الذي كان حتَّى هذا الوقت في عباءة السلطة.. وفتحت أبواب الجامعات للمتحدثين من القيادات السياسية والعمالية والشعراء والمغنيين وظهر أساتذة الجامعة المؤثرين في طلابهم من أصحاب المشاريع الفكرية، وخلق كل ذلك تعبئةً كُبرى للمجتمع في مواجهة سياسة الانفتاح الاقتصادي التي سرقت ثمارَ نصر أكتوبر من صانعيه من حملة المؤهلات العليا وأبناء الفقراء، وحوَّلت مكاسبه لما سُمَّيَ وقتها بطبقة “القطط السمان” الصاعدة بسرعة الصاروخ، بنهمٍ استهلاكي استفزازي وبموازاته، إفقار متزايد للفلاحين وعمال الخِدْمات والصناعة والموظفين وأصحاب الرواتب الثابتة يلتهمها تضخم جنوني. وفي ظرف أقل من أربعةِ سنواتٍ كانت شرعية النصر. من قائد الحرب (والسلام لاحقا) تتآكل بسرعة تآكل معيشة الفقراء والطبقة الوسطي، وجعلت حركة الطلاب في نوادي الفكر الناصري ونادي الفكر الاشتراكي وجماعات شبيهة بهما في الجامعات المصرية في هذه السنوات الثلاث أو أكثر أهم انتفاضة اجتماعية مصرية في مواجهة سياسات التفاوت الطبقي ممكنة، وحتَّى عندما جاءت شرارة التحرك من القوة الاجتماعية الأكثر وعيا –أي من طبقة العمال وبالتحديد عمال حلوان– كانت الاستجابة فوريا من الحركة الطلابية منضمة إلى طلائع العمال في كل شوارع مصر، وأصبح كوادرها هم قيادتها بخبرتهم في التنظيم وإطلاق الشعارات والحفاظ علي الروح المعنوية وظهر هنا جيل جديد من القيادات شارك أو حلَّ محل جيلٍ ٧٢ و٧٣، ورغم عدم تغيير الانتفاضة للسياسات التي خرجت ضدها، فإنَّه لولا خبراتها والقيادات التي أفرزتها والرغبة في تحقيق ما فشلت فيه ما كانت لتحدث ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، أحد أهم ثورات التاريخ المصري.
4- الحفاظ علي تواصل حلقات الحركة الوطنية المصرية والعمل كجسر عبرت عليه الاجيال الجديدة
طلائع الجيل الجديد من الحركة الطلابية والشبابية بنت عصرها حزبية كانت او مستقلة التي قادت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، مهما تجاوزوا جيل السبعينات في أفكاره وتمردوا عليهم (وهذا مشروع بل وضروري) هي ابنة جيل السبعينات.. فلسبب أو لآخر بقي السبعينيون (ربما أكثر من أي جيل اخر) متشبثون بالاستمرار ومحاولة التأثير في الأجيال الجديدة كل حسب “أيدولوجيته” ساعدهم علي ذلك بحكم البيولوجيا اختفاء الأجيال التي سبقتهم وتراكم خبراتهم كجيل، وتقدمهم إلى مواقع التأثير صحفيين وأدباء وشعراء ومسرحيين وسينمائيين ومغنين ومهنيين وقادة أحزاب ونقابات, لقد أبقى هذا الجيل علي حياة (مشروع) الحركة الوطنية المصرية الممتد من القرن ١٩، في التحرر الوطني والاستقلال في العدالة الاجتماعية والديمقراطية والدستور والدور الاقليمي القيادي الحامي لأمنه الوطني متوهجا وجاذبا من الثلث الأخير للقرن العشرين حتي العشريتين الأولتين للألفية الثانية؛ ناقلا أحلامه وأشواقه إلى الجيل الشاب الذي فجَّر ثورة يناير، وضحي فيها بكل غالٍ ورخيص. إنَّ نظرة واضحة علي اِئتلافات شباب ثورة يناير؛ ليجزم بأنّها كانت بنت حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وحركة النقابات المستقلة… إلخ من حركات اجتماعية وسياسية قادها –أساسا– جيل السبعينات.
لقد تمكَّن هذا الجيل الذي تكسرت أحلامه الواحد تلو الآخر، وصار يختفي واحدا وراء الآخر في نهاية الرحلة المحتومة –من تحقيق أهم إنجاز لوطنه، وهو نقل مشعل الحركة الوطنية إلى أجيالٍ جديدة، وجعل من نفسه –مرة أخرى كما لم يفعل جيل آخر– جسرا عبرت عليه الوطنية المصرية يسارية الطابع، أو يسارية قومية الطابع، أو إسلامية الطابع، أو ليبرالية من الماضي إلى المستقبل. وإنَّ ما خطته ديباجة الدستور المصري عن أشواق وأحلام المصريين التي تجسدت بعد يناير ٢٠١١، هي وثيقة علي الإرث الذي حافظ وعُضَّ عليه بالنواجذ وأضاف اليه هذا الجيل .
تبقى لهذا الجيل مهمتان باقيتان، الأولى هي إنهاء تشبث بعض أفراده بالأدوار القيادية ونقلها دون تردد للجيلين الشابين من الـ millennial & generation z والثانية هي توثيق أو إعادة توثيق تجربته دون اجتزاء أو تعصب وبشكل شامل ومنصف لجميع تياراته.
