رؤى

التنافس مع الصين يتطلب إشراك الدول النامية (1 ـ 2)

عرض وترجمة: أحمد بركات

في الوقت الذي قطعت فيه الولايات المتحدة شوطا في تطوير تنسيقها مع الحلفاء في مواجهة الصين، كتب العديد من المحللين الغربيين أنَّ “بكين” فقدت ثقتها، وتراجع تأثيرها، بل وبدأت “تترنح” على المسرح العالمي في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة.

وتجد مثل هذه التقييمات السلبية للسياسات والمسارات الصينية في فترة تفشي جائحة كورونا –مساندة من حالة الاشمئزاز التي أثارتها دبلوماسية “الذئب المحارب” التي تنتهجها بكين بشكل مستمر، وسجلها الفاضح في انتهاك حقوق الإنسان، ورفضها التعاون في التحقيق في منشأ فيروس كورونا، إضافة إلى عوامل أخرى كثيرة، جعلت الأميركيين والأوربيين جميعا ينظرون إلى “بكين” الآن بسلبية تفوق ما كانوا عليه منذ حادثة “تيانانمين” في عام 1989.

ومنذ توليه سُدَّة البيت الأبيض، عكف الرئيس الأميركي “جو بايدن” على حشد الحلفاء والشركاء الأوربيين والآسيويين إلى جانبه، والاستفادة من الآراء السلبية عن الصين لتعزيز جهوده. ووجدت الإدارة الأميركية بالفعل دعما من مجموعة الـ7، التي ذكر بيانها المشترك الأخير صراحة حاجة المجموعة إلى الرد على انتهاكات الصين لحقوق الإنسان وممارساتها الاقتصادية المشوهة.

بايدن
بايدن

وأكثر من ذلك، شدد “بايدن” على التعاون الأمني من خلال بيع الغواصات النووية لأستراليا وتنشيط الحوار الأمني بين أعضاء اللجنة الرباعية.

وبينما ركزت الولايات المتحدة بالأساس على دعم العلاقات مع الحلفاء والشركاء الآسيويين والأوربيين، ترمي الصين بشبكة أكبر في منافستها مع الولايات المتحدة. فبينما تسعى “بكين” من أجل ممارسة نفوذها على العديد من حلفاء وشركاء “واشنطن” الأوربيين والآسيويين، تركز الدبلوماسية الصينية أيضا على مساحة جغرافية أكبر تشمل أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، وهي المناطق التي تتخلف فيها المبادرات الإقتصادية والتنموية الأميركية.

وعلى الرغم من طرح برنامج “إعادة بناء عالم أفضل”، وزيادة تمويل “المؤسسة المالية الإنمائية” تقف إدارة “بايدن” موقفا ضعيفا من العالم النامي. فاستراتيجيات السياسة الخارجية التي تنتهجها إدارة “بايدن” تتنازل بقوة عن دول العالم النامي لحساب الصين؛ بسبب فشلها في تقديم بدائل صالحة للمبادرات الصينية. ومن ثم، تحتاج “واشنطن” إلى زيادة تفاعلها الدبلوماسي مع النصف الجنوبي من العالم، وتقديم مساعدات ومبادرات اقتصادية أكثر جاذبية قادرة على تحقيق النمو الإقليمي وتعزيز الثقة في قدرة النظام الأميركي على تحقيق نتائج تنموية إيجابية.

وتتوافر بالطبع للولايات المتحدة عشرات الحتميات الأخلاقية والأدبية لزيادة دعم التنمية العالمية. رغم ذلك، بالنظر إلى تركيز الإدارة الأميركية على منافستها مع الصين، يُسَلِّط هذا المقال الضوء على الخلل العميق في استراتيجية هذه الإدارة.

إنَّ العلاقات المتوترة مع الغرب لم تقدم الكثير لعرقلة استراتيجية الصين لتصبح الزعيم غير الرسمي للعالم النامي. فمنذ انتخاب “بايدن” ضاعفت الصين دبلوماسيتها مع بلدان العالم النامي، حيث أرسلت الدبلوماسي الكبير “يانغ جيتشي” ووزير خارجيتها “وانغ يي” في رحلة مهمة عبر جنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، ما وراءها.

وبرغم القلق بشأن فعالية اللقاحات الصينية المضادة لكوفيد ـ 19، وفَّرت الصين ما يزيد عن 1.3 مليار جرعة من لقاحاتها لأكثر من (80) دولة نامية. كما واصلت ترسيخ علاقاتها مع قطاع عريض من الأحزاب السياسية واضعة نصب عينيها إضفاء مزيد من الشرعية على التوجهات المعادية لليبرالية على الساحة الدولية.

وعلى مدى فترة الجائحة، أنجزت الصين استثمارات استراتيجية في قطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة، في الوقت الذي لم تبد فيه أية دولة أخرى استعدادها، أو حتى قدرتها على خوض غمار هذا العمل. وتعمل “بكين” مع الحكومات، بشروطها، لدعم أهدافها على مستوى عدد كبير من القطاعات.

وربما كانت أكثر المعارك التي خاضتها الصين خلال فترة الجائحة أهمية هي سعيها لتعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط. وفي هذه الغضون ـ على سبيل المفارقة ـ تخطط “واشنطن” لتقليل تواجدها في المنطقة للتركيز على تحسين وضعها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وفي المملكة العربية السعودية، وافقت الشركات الصينية على إبرام العديد من العقود المهمة مع حكومة المملكة على مدى الاشهر الثمانية عشر الماضية، لعل أهمها هو خطة مدعومة من “هواوي”، لتطوير العديد من مشروعات المدن الذكية.

شركة هواوي الصينية
شركة هواوي الصينية

وتأتي مجموعة “علي بابا” ضمن الشركات المشاركة، حيث وقعت مؤخرا، إضافة إلى شركة “هواوي”، صفقة مع “المركز الوطني للذكاء الاصطناعي” لتنمية تكنولوجيا المدن الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

وبالإضافة إلى ذلك، وقعت شركة “ويل كلاود”،وهي إحدى شركات مجموعة “علي بابا”، في أكتوبر الماضي، عقد حَوْسَبَة سحابية مع شركة الاتصالات المحلية “زين السعودية”، لتحسين قدرات الحَوْسَبَة السحابية لدى المملكة.

وفي الوقت الذي تضخ فيه “بكين” أموالا طائلة وتكنولوجيا متقدمة في منطقة الشرق الأوسط، منحت الصين إيران شريان الحياة، حيث وافقت، في مارس الماضي، وفقا لتقارير، على استثمار 400 مليون دولار في الدولة المعزولة والمثقلة بالعقوبات.

وبرغم عدم التحقق من صدقية هذه الأرقام، ووصف كثيرين لهذا الاتفاق بأنَّه “طموح بدرجة كبيرة”، تُسَلِّط هذه الصفقة الضوء على رغبة “بكين” في دعم النظام الإيراني المحاصر عبر حزمة من الاستثمارات الكبرى والمهمة في مشروعات النفظ والغاز، إلى جانب البنية التحتية للنقل.

وقد سعت طهران بقوة لجذب الاستثمارات الأجنبية على مدى عقود، ما وجدته “بكين” فرصة سانحة لغرس شوكة في ظهر واشنطن، وللحفاظ على واردات الطاقة المخفضة، وتثبيت أسعارها.

وبذلك تبني “بكين” شراكات قوية مع اثنين من أهم اللاعبين في الشرق الأوسط، لترسيخ دور إقليمي جديد لنفسها في المنطقة في الوقت الذي تعيد فيه “واشنطن” توجيه دفة اهتماماتها صوب منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

(يُتبع)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock