ثقافة

تزايد الإصدارات مع اقتراب المعرض.. حدث موسمي أم انتعاشة في صناعة النشر؟

مع بدء العد التنازلي لمعرض القاهرة للكتاب تتواصل حركة المطابع على مدار الساعة فيما تتسابق دور النشر عبر مواقعها وصفحاتها على مواقع التواصل في الإعلان عن صدور كتاب أو رواية جديدة كل دقيقة.

الناشرون من ناحيتهم يعلِّقون آمالا عريضة على المعرض في تقليص حجم الخسائر التي تعرضوا لها في ظِل تفشى جائحة كورونا.. وعلى الضفة الأخرى ثمة مؤشرات تلمح إلى أنَّ الحنين للكتاب الورقي في عصر “السوشيال ميديا” مازال مهيمنا على قطاعات واسعة من عشَّاق القراءة والذين لا يجدون في الكتاب الإلكتروني المتعة ذاتها.

ارتفاع تكاليف الطباعة وتدني أرقام التوزيع من أبرز التحديات التي تواجه صناعة النشر في مصر والتي يحاول “القراصنة” جاهدين الإجهاز عليها من خلال تزوير الإصدارات الناجحة وبيعها بأثمان زهيدة للغاية بعد ساعات من طرحها في الأسواق، ما يتسبب في تكبُّد دور النشر خسائر فادحة.

الكتاب الورقي والإلكتروني
ما بين الكتاب الورقي والإلكتروني

الكتاب مازال صامدا

في السنوات الأخيرة تزايدت شكاوى الناشرين من أنَّ اقتناء الكتاب لم يعد من أولويات غالبية الأسر المصرية مع تزايد الأعباء الملقاة على عاتقها، والتي تُضطر في ظِلِّها لتوجيه النسبة الأكبر من مخصصاتها المالية المحدودة إلى تلبية الاحتياجات الأساسية والإنفاق على تعليم الأبناء في المدارس والجامعات.

لكن ورغم كل هذه التحديات فإنَّ الكتاب الورقي مازال صامدا في وجه الأعاصير، وربما تتغير الصورة كثيرا وتصبح أفضل حالا مستقبلا؛ فمؤشرات عدة تدعو إلى التفاؤل فبعد أن كان مستقرا أنَّ العرب –بشكل عام– لا يقرءون.. جاءت أحدث بيانات تقرير “NOP World Culture Score Index” حول المؤشر العالمي للإنجاز الثقافي، والصادر مطلع العام الجاري عن شركة Statista”” الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، بالاشتراك مع صحيفة ” Independent” البريطانية، لتضع مصر في المرتبة الخامسة بين أكثر الدول التي يقرأ شعبها في العالم بمعدل سبع ساعات ونصف الساعة أسبوعيا.

وفي سياق التحقيق التالي نطرح مجموعة من التساؤلات حول مستقبل الكتاب الورقي، وما دلالة هذا الكم الكبير من الإصدارات مع اقتراب موعد المعرض وهل نحن على أعتاب انتعاشة جديدة في صناعة الكتاب الورقي والنشر في مصر؟

تكاليف الطباعة

الصحفي والناشر “محمد طعيمه” مدير دار “حابي” للنشر يشدد في حديثه لـ ” أصوات أون لاين” على أنَّ الكتاب الورقي مازال له حتى اليوم جمهوره، وهو ليس من كبار السن كما يمكن أن يتخيل البعض منذ الوهلة الأولى، فشرائح محبى الكتاب متنوعة وتضم شبابا وفتيات وبعضهم لم يبلغ العشرين من عمره، لكن بطبيعة الحال هناك تباين واضح في الموضوعات التي تهم القُرَّاء؛ خاصَّة في هذه الشريحة السنية الصغيرة، فهم أكثر تفضيلا للغة السهلة الخالية من التعبيرات والمصطلحات الغامضة كما يميلون إلى الكتب والروايات الصغيرة الحجم والتي ربما لا يتجاوز عدد صفحاتها المائة صفحة في ظل إيقاع حياتهم السريع.

محمد طعيمة مدير حابي للنشر
محمد طعيمة مدير دار حابي للنشر

ويضيف.. إذا أردنا أن تتطور صناعة النشر يجب أن يكون المؤلف على علم بالطريقة التي تفكر بها الأجيال الجديدة والتي تتطلب منه أن يكون موجزا في صياغاته حتى يضمن قراءة كتابه فهل يمكن تصور أن كتاب مكون من 80 ألف كلمة على سبيل المثال سيجد قارئا آخر غير من قام بتأليفه؟

ويشير إلى أنَّ صناعة النشر تشهد بلا شك انتعاشا واضحا خلال الفترة الراهنة، فالضغط على المطابع غير مسبوق، والبعض منها ترفض اليوم قبول إصدارات جديدة، وتشترط مطابع أخرى أن يتم التسليم بعد أيام من المعرض، وليس قبل انطلاقه كما تطالب دور النشر.

وشدَّد “طعيمه” على أنَّ التحديات التي تواجه صناعة النشر كثيرة للغاية؛ فأسعار الورق والأحبار –على سبيل المثال– شهدت منذ ديسمبر الماضي ارتفاعا يتراوح بين 50 إلى 55% وهو ما يضاعف من الأعباء على دار نشرٍ تسعى جاهدة لتقديم الكتاب بسعر مناسب للقارئ الذى يعانى في الوقت نفسه من الكثير من الأعباء الاقتصادية الملقاة على كاهله والمشكلة أنَّ رفع سعر الكتاب ليس حلا في ظل سوق يعانى بطبيعته من تراجع المبيعات.

الكم لا الكيف

الدكتور “سيد غيث” مدير دار “الأديب” للنشر يُجزم في حديثه لـ ” أصوات أون لاين” بأنَّ “السوشيال ميديا” لن تتمكن من زحزحة الكتاب الورقي عن عرشه قيد أنمله؛ فالورق يظلُّ له بريقه ورائحته الخاصَّة التي ترتبط في ذاكرة القارئ بذكرى جميلة.

وأضاف أنَّ الكتاب الإلكتروني لم يؤثر سلبا على الورقي؛ فالناس يعلمون جيدا أن الـ “pdf” يمكن التلاعب به والإضافة إليه والحذف منه، والترويج له بعد ذلك على عشرات المواقع والمنتديات للتدليس على القراء. أمَّا الكتاب الورقي فأنت لا يمكنك أن تمزق صفحة أو تزيلها لتضع مكانها صفحة أخرى ولهذا يتمتع  بمصداقية كبيرة تجعله دوما مصدرا جديرا بأكبر قدر من الثقة، وهو ما يجعل الباحثين يطلقون عليه “مرجعا”.

الدكتور سيد غيث
الدكتور سيد غيث

وأشار إلى أنَّ العبرة لا يجب أن تكون بكم الإصدارات الجديدة؛ وإنَّما بالإضافات النوعية التي تقدمها، فنحن نريد أعمالا روائية قادرة على تشكيل وعي الأجيال الجديدة؛ كما فعل العقاد ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وفى هذا الصدد أتمنَّى أن تكون الأعمال الروائية الجديدة واقعية ومعبرة عن قضايانا اليومية بعيدا عن حكايات الجن والعفاريت التي أغرت البعض فأغرقوا فيها كثيرا خلال الفترة الماضية.

مواكبة العصر

الناشر “عصام علي عامر” مدير دار الكتاب الحديث للنشر، يقول لـ” أصوات أون لاين” أنَّ الكتاب الورقي مازال له جمهوره الذى يقبل على شرائه، وبالنسبة لنا فإنَّنا كدار متخصصة في الكتاب الأكاديمي لدينا كم هائل من العناوين التي نسعى للانتقاء والمفاضلة فيما بينها وهو ما يعنى أنَّ هناك رواجا بالفعل في صناعة النشر وإقبالا من المؤلفين على تقديم المزيد من الإسهامات الفكرية والعلمية للقارئ المصري.

دار الكتاب الحديث للطباعة والنشر والتوزيع
دار الكتاب الحديث للطباعة والنشر والتوزيع

ويضيف.. دور الناشر الناجح هو أن يخلق حالة من التنوع؛ خاصَّة أنَّه يُقدِّم منتجا ثقافيا متميزا يجب أن يكون قادرا على مواكبة المتغيرات، وليس مجرد سلعة.. كما أنَّ ظهور جائحة كورونا يجب أن يكون دافعا لخلق حالة من التطور في صناعة النشر، وفي هذا الصدد أشير إلى أنَّنا نقدِّم –على سبيل المثال– دراسة وافية حول التعليم في مرحلة ما بعد الوباء؛ خاصَّة مع ظهور “متحوراتٍ” أخرى.. في أحد إصداراتنا قام بإعدادها أكاديمي بارز متخصص في هذا الشأن؛ إدراكا منَّا لضرورة أن يكون الكتاب في خدمة المجتمع ومتواكبا مع العصر.

ويشير إلى أنَّ القارئ في شوق لكل ما يتماس مع مشكلاته الاجتماعية وهمومه اليومية مثل قضايا التنمر والطلاق العاطفي غير المعلن حيث يقيم الزوج والزوجة داخل جدران بيت واحد في ظل حالة من القطيعة الكاملة بينهما، وهو ما نسعى جاهدين للتركيز عليه.

ويشدد على أنَّ الكتاب لا يمكن مقارنته بـ”السوشيال ميديا” بأي حال من الأحوال؛ فبينما يقدِّم الكتاب معلومة موثقة بالمراجع والأدلة في مرجع قام بتأليفه أحد المتخصصين؛ فإنَّ مواقع التواصل الاجتماعي تحفل بعدد كبير من الشائعات التي لا أساس لها من الصحة، والتي تتسبب في بعض الأحيان في مشكلات لا حصر لها، كما أنَّ المرء إجمالا لا يحصل على ثقافته بتصفح “السوشيال ميديا” المرتبطة بقراءة سريعة  للعناوين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock