بلدتان إحداهما حديثة والأخرى تُعرف بالبلدة القديمة لأنها ما زالت تضم الأزقة والبيوت والدكاكين القديمة وما زال يقع بمحاذاتها المسجد الإبراهيمي المنسوب هو ومدينة الخليل إلى النبي إبراهيم الخليل (أبي الأنبياء وخليل الرحمن) والذي يبجله المسلمون وأهل الكتاب على السواء. إنها مدينة الخليل التي تقع في الضفة الغربية على هضبة ترتفع 940 م عن سطح البحر إلى الجنوب من مدينة القدس بحوالي 35 كم، و46 كم غرب نهر الأردن، و152 كم جنوب مدينة جنين. ويحدها شمالًا مدينة بيت لحم، ومن الجنوب مدينة بئر السبع، ومن الشرق الأغوار وأريحا، ومن الغرب قرى شمال شرق غزة وقراها المهجرة عام 1948م.
ولأن الاستقرار البشري لم يتوقف في الخليل منذ أقدم العهود فهي معروفة إلى الآن باعتبارها مدينة الآباء. فهذه المدينة الكنعانية الأصل والتي أسسها الكنعانيون كانت مأهولة بالسكان منذ النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد أي في العصر البرونزي المبكر. وقد أطلقوا عليها اسم (قرية أربع أو أرباع) نسبة إلى مؤسسها “عناق بن أربع” وهو الجد الأكبر للعناقيين (وكانوا من الجبابرة الذين يُضرَب بهم المثل في الضخامة)، ثم أطلق عليها “حَبْرُون” بالعبرية وهي تعني بالعربية عُصبة أو صحبة أو رباط أو اتحاد، ثم أُطلِق عليها “الخليل” نسبة إلى خليل الرحمن النبي إبراهيم؛ إذ أنه من الشائع عند أهل الكتاب أن النبي إبراهيم قد عاش فيها حوالي عام 1800 ق.م.
وتعد الآن مدينة الخليل أكبر مدن الضفة الغربية من حيث عدد السكان والمساحة كما إنها من أكبر المراكز الاقتصادية فيها.
وارتباط النبي إبراهيم بمدينة الخليل أو “حَبْرُون” يعود إلى شرائه لمغارة فيها تسمى المكفيلة (وهي كلمة سامية تعني مزدوجة لأن بها كهفين)؛ وذلك كي يدفن بها زوجته بعدما ماتت وفقًا للرواية التوراتية في سفر التكوين (23: 2-20). ولقد ورد أيضًا في سفر التكوين (28:49-33) دفن النبي إبراهيم وولده إسحاق وولد ولده يعقوب في هذه المغارة التي أصبحت مقدسة بسبب ما رُوي عنها في العهد القديم.
وهذا التقديس لتلك المغارة بسبب ما أشيع عنها من وجود قبر النبي إبراهيم وأولاده قد تناقلته الأجيال منذ زمن بني إسرائيل إلى الآن مما أضفى على تلك البقعة الكثير من الجلال والتوقير حتى إن “ابن كثير” [ 701-774هـ/1301- 1373م] –أبرز مؤرخي العصر المملوكي– ذكر في كتابه (البداية والنهاية) في (ج1، ص 175) إن تعيين مكان القبر تحديدًا ليس فيه خبر صحيح عن معصوم؛ لذلك ينبغي أن يتم احترام وتبجيل تلك المحلة فيُجَلّ أن يُداس في أرجائها خشية أن يكون قبر النبي إبراهيم أو أحد الأنبياء من ذريته تحتها. ولقد أقيمت كنيسة في أيام الرومان على مقبرة النبي إبراهيم وعائلته ثم تم هدمها على يد الفرس سنة 614م.
ويتميز أهل الخليل بكرم الضيافة، ولا غرابة في أن ترتبط تلك المدينة بحسن الضيافة إذ يُروَى عن إمام التابعين “سعيد بن المسيب” [15-94هـ/642-715م] أن النبي إبراهيم خليل الرحمن كان أول من أضاف الضيف.
ولقد تعاقب على حكم مدينة الخليل، والتي تعد من أقدم مدن العالم المأهولة، كلٌّ من الآشوريين، ثم البابليين، ثم الفرس، ثم الإغريق خلال الفترة منذ القرن 8 ق.م. إلى أن سيطر عليها الرومان عام 63 ق.م. وفي عام 593م أصبحت تابعة للإمبراطورية البيزنطية إلى أن انتقلت لحكم الخلفاء العرب المسلمين في القرن 7م. وفي عام 1099م سقطت مدينة الخليل في أيدي الفرنجة إبَّان الحروب الصليبية وتحولت إلى إقطاعية فرنجية صليبية ثم استطاع “صلاح الدين الأيوبي” استعادتها منهم بعد هزيمتهم في معركة حطين عام 1187م. ثم بعد ذلك أغار المغول على مدينة الخليل بعدما دمروا بغداد، ولكن انتصارات “قطز” في عين جالوت عام 1260م أنهت تلك الغارات.
وفي عام 1517م فتح العثمانيون الشام ومدينة الخليل بعد معركة مرج دابق واستمر حكمهم لها لمدة أربعة قرون إلى أن خضعت مدينة الخليل للانتداب البريطاني الذي أقيم على أساس “وعد بلفور” Balfour Declaration المنسوب إلى “آرثر بلفور” وزير خارجية المملكة المتحدة عام 1917م، وهو إعلان أصدرته الحكومة البريطانية لدعم تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين التي كانت آنذاك منطقة عثمانية ذات أقلية يهودية تمثل من 3% إلى 5% من عدد سكانها.
ونتيجة لازدياد التوتر بين العرب واليهود الذين أصبحت تجمعاتهم الاستيطانية في تزايد مستمر مما سيؤدي إلى أن يصبح الفلسطينيون أقلية في وطنهم بدأ في الظهور ما يُعرَف بالصراع العربي الإسرائيلي. وفي 14 أغسطس عام 1929م تظاهر ستة آلاف يهودي في تل أبيب مرددين “الحائط لنا” إشارة إلى حائط المبكى (أو حائط البُراق)، وبعدها بيومين قام الفلسطينيون بمظاهرة مضادة في القدس وتطور الأمر إلى اشتباكات عنيفة بين الطرفين امتدت من الخليل وبئر السبع جنوبًا حتى صفد شمالًا وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين.
ومنذ عام 1967م خضعت تلك المدينة للاحتلال الإسرائيلي مثل بقية المدن الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين وهي مقسمة إلى قسمين بين سكانها الفلسطينيين وبين المستوطنين الإسرائيليين الذين لا يتوقفون عن بناء أكبر عدد ممكن من المستوطنات في محيط البلدة القديمة. وبالرغم من شهرة الخليل بأسواقها إلَّا أن الكثير من المحلات التجارية في البلدة القديمة قد تم إغلاقها بسبب مضايقات الاحتلال المستمرة.
هذا وتشتهر الخليل بالزراعة، فأرضها خصبة، وتكثر فيها زراعة العنب والتين والمشمش والزيتون والحبوب، وغيرها من المحاصيل الزراعية.
ومن أشهر البلدات القديمة في الخليل بلدة “بيت أولا” التي تقع إلى الشمال الغربي من مدينة الخليل على بعد 16 كم منها، ويحدها من الشرق حلحول ، ومن الغرب الخط الأخضر، ومن الشمال قرية نوبا، ومن الجنوب بلدة ترقوميا.
خريطة بلدة “بيت أولا” في الخليل
ويرجع تسمية هذه البلدة إلى اللغة الآرامية وهي تعني: “البيت الشريف” أو “البيت المقدم”. ويحيط بها عدد من المعالم الأثرية مثل خربة بيت نصيب (أو بيت العمود أو التمثال)، وخربة البرج المنسوبة إلى البرج الذي بني في عهد الرومان.
بلدة “بيت أولا” تصوير جوي
كما تضم الخليل الكثير من رفات الصحابة وفي مقدمتهم شهداء معركة أجنادين. هذا بالإضافة إلى العديد من الأماكن الأثرية والسياحية والدينية والتي على رأسها المسجد الإبراهيمي الذي قام الاحتلال الصهيوني بتقسيمه إلى قسمين، قسم لليهود يمثل 65% من مساحته، وقسم آخر للمسلمين يمثل النسبة الباقية.
فمنذ احتلال مدينة الخليل عام 1967م وقد تم تقسيمها إلى منطقتين هما البلدة القديمة والمدينة الجديدة التي أصبحت تشهد زحفًا سكانيًّا كبيرًا بسبب هجرة عدد كبير من سكان مناطق البلدة القديمة إليها وذلك بعد طرد الاحتلال لهم ومصادرة بيوتهم من أجل بناء أكبر عدد ممكن من البؤر الاستيطانية في محيط البلدة القديمة.
ولا تتمثل فقط معاناة المسلمين من أهالي البلدة القديمة في مدينة الخليل في مضايقات جنود الاحتلال لهم عند دخولهم المسجد الإبراهيمي أو في منع إقامة الآذان في بعض الأحيان داخل المسجد بحجة إزعاج المستوطنين اليهود، ولكن تلك المعاناة سُطِرت بحروف من دماء الشهداء الفلسطينيين في فجر يوم الجمعة 15 رمضان 1414هـ الموافق 25 فبراير 1994م عندما ارتكب المستوطن الإسرائيلي “باروخ غولدنشتاين” مجزرته الشنيعة داخل المسجد مطلقًا النار على المصلين المسلمين ليقتل 29 شهيدًا ويصيب عشرات الجرحى. ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الاحتلال عن تفريغ البلدة القديمة من سكانها وإغلاق عدد كبير من محالها التجارية دون أن يتحرك ساكن لإنقاذ الشعب الفلسطيني من سطوة الاحتلال الإسرائيلي أو رفع الظلم عنهم.