ترجمة: كريم سعد
أضحت أوكرانيا تقاتل من أجل بقائها، بعد أن أطلق فلاديمير بوتين العنان لهجوم عقابي على البلاد، والذي خلّف مئات القتلى والجرحى، وحذّر زعماء العالم من أن موسكو قد شرعت في حقبة جديدة خطيرة من التوسع الإمبراطوري.
واستيقظ العالم على صدمة المشاهد التي تبدو وكأنها من مُخلفات أهوال القرن العشرين؛ حيث مروحيات تقصف المنازل خارج العاصمة كييف. وصفوف طويلة من الدبابات تسير بجنازيرها باتجاه قلب أوكرانيا، والطرق تختنق باللاجئين، والمدنيون متكدسون في محطات المترو تحت الأرض هرباً من القصف.
ومن ناحية أخرى سارع الغرب بالرد من خلال مجموعة من العقوبات الجديدة ضد موسكو، وأعلنت الولايات المتحدة أنها سترسل 7000 جندي إضافي إلى ألمانيا لدعم الحدود الشرقية للناتو، لكن بعد الغزو كانت هناك انقسامات حول أهمية ذلك الرد وجدواه، في حين أن القوات الروسية تتقدم دون أن تردعها التهديدات.
ومع القتال الضاري على جبهات متعددة، لم تكن أهداف “بوتين” النهائية للحرب واضحة تمامًا، لكنها بدت طموحة؛ حيث نزلت القوات الروسية المحمولة جواً على قاعدة عسكرية في هوستوميل، خارج كييف مباشرة، بهدف محتمل هو فتح طريق إلى العاصمة.
https://www.youtube.com/watch?v=yA6iq6ikbqw
كما حاولت القوات الروسية –بوضوح– عزل مدينة خاركيف في الشرق، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 1. 5 مليون نسمة.
وقالت السلطات الأوكرانية إن رتلا عسكريا روسيًا سيطر على محطة تشيرنوبيل النووية، موقع أسوأ كارثة بيئية شاهدتها أوروبا عام 1986، والتي تُعتبر رمزا للحكم الاستبدادي لموسكو عند العديد من الأوكرانيين.
واعترف “ميخايلو بودولاك” مستشار رئيس مكتب الرئيس الأوكراني في كييف: “أنه من المستحيل القول ما إذا كان موقع دفن بقايا نواة المفاعل الإشعاعي آمنة”.
كما ورد أن مدينة ماريوبول الساحلية، والتي تقع بين منطقتي أوكرانيا المحتلتين بالفعل من قبل روسيا، القرم ودونباس في الشرق، قد تعرضت أيضًا لنيران كثيفة.
وأعلن الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” الأحكام العرفية وتعهد بأن تقوم حكومته بتسليح كل الأوكرانيين الراغبين في الدفاع عن بلادهم.. بينما ناشد الدبلوماسيون الأوكرانيون العالم لوقف العدوان الروسي، حذر “زيلينسكي” من عودة قاتمة إلى الماضي.
وقال: “ما سمعناه اليوم ليس فقط انفجارات صاروخية واشتباكات وضوضاء الطائرات، بل هذا صوت ستارة حديدية جديدة، سقطت وحجبت روسيا عن العالم المتحضر، ومهمتنا الوطنية هي التأكد من عدم سقوط هذا الستار على أرضنا “.
وكان العديد من المهتمين بالشأن الروسي على اعتقاد أن “بوتين” سيتردد قبل أن يأمر بشن حرب برية شاملة لإخضاع أوكرانيا بسبب العواقب الكارثية المحتملة على روسيا وأوكرانيا معًا؛ لكنه أثبت خطأهم.
وبينما كانت روسيا تترأس جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي المكلف بإيجاد طريقة للخروج من الأزمة، أذاع “بوتين” إعلان حرب كان قد سجله قبل ثلاثة أيام، ما أكد عدم جدوى الجهود الدبلوماسية العالمية الرامية إلى حلحلة الأزمة.
وقد سعت الولايات المتحدة وأوروبا إلى فرض إجراءات عقابية على موسكو بهدف ضمان أن تصبح الحرب آخر خيارات “بوتين” وأسوأ خطأ استراتيجي له، وذلك عن طريق شل الاقتصاد الروسي.
وحذر جو “بايدن” من أن عدوان “بوتين” على أوكرانيا سينتهي إلى تكبد روسيا ثمنا اقتصاديا واستراتيجيا باهظًا، و”سنتأكد من حدوث ذلك، وسيكون “بوتين” منبوذا على المسرح الدولي”.
وأضاف “بايدن” إنه أرسل 7000 جندي إضافي لتعزيز الحدود الشرقية للناتو، وطرد الدبلوماسيين الروس وفرض عقوبات على أكبر بنكين في روسيا، وحوالي 90 مؤسسة مالية فرعية حول العالم.
ولدى سؤاله عما إذا كان الغزو يمثل بداية حرب باردة جديدة، أجاب “بايدن”: “هذا الأمر يتوقف على العديد من الأمور” وأضاف: “أن هذا اليوم سيكون يومًا باردًا بالنسبة لروسيا”.
وفي الوقت نفسه، أعلنت المملكة المتحدة عن “أكبر مجموعة على الإطلاق” من العقوبات الاقتصادية على روسيا، حيث جمدت أصول جميع البنوك الروسية الكبرى وقيّدت السيولة النقدية التي يحتفظ بها المواطنون الروس في البنوك البريطانية وفرضت عقوبات على أكثر من 100 فرد وكيان.
ومع ذلك، كانت هناك انقسامات واضحة بين الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين الأكثر حذرا الذين يشعرون بالقلق من التداعيات الاقتصادية العالمية لبعض العقوبات الأقوى؛ حيث اعترف “بايدن” على سبيل المثال، بأن الاستبعاد من نظام “سويفت” العالمي للمعاملات الإلكترونية لم يكن في حزمة العقوبات الحالية. وقال “بايدن” إنه لم يكن “الموقف الذي ترغب بقية أوروبا في اتخاذه” ولم تشمل العقوبات التي أُعلن عنها يوم الخميس قيودًا على “بوتين” نفسه.
وأثار إغفال عقوبات “سويفت” غضب حكومة كييف، وقال وزير الخارجية “دميترو كوليبا” إن أولئك الذين يعارضون هذه الخطوة يجب أن “يفهموا أن دماء الرجال والنساء والأطفال الأوكرانيين الأبرياء ستلطخ أيديهم أيضًا”.
وفي إعلانه عن العقوبات يوم الخميس، أشار “بايدن” إلى أن صراعا أوسع ممكن أن يحدث، بالنظر إلى تطلعات بوتين.
وأضاف:” “بوتين” لديه طموحات أكبر بكثير من أوكرانيا.. إنه يريد إعادة تأسيس الاتحاد السوفيتي السابق، وهذا كل ما يدور حوله الأمر”.
وكان قصر الإليزيه قد أعلن، أن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” أجرى اتصالا هاتفيا مع “بوتين” في ساعة متأخرة من مساء الخميس “للمطالبة بوقف فوري” للهجوم الروسي. وفي غضون ذلك، قال الكرملين فقط إن الزعيمين أجريا “تبادلا جادا وصريحا لوجهات النظر” حول أوكرانيا.
كان “بوتين” قد صوَّر الحكومة الأوكرانية في خطاباته، على أنها تهديد مميت لروسيا، وألمح بشدة إلى رغبته في تغيير هذا النظام، وادعى أن حكومة كييف لديها طموحات ووسائل لامتلاك أسلحة نووية، وأن أوكرانيا يُديرها النازيون ما وصفه البعض بـ “مزاعم غريبة جدا” بينما أثار آخرون تساؤلات حول السلامة العقلية للزعيم الروسي.
وبحلول منتصف بعد ظهر يوم الخميس، زعمت وزارة الدفاع الروسية أنها “حيدت” القواعد الجوية والدفاعات الجوية الأوكرانية، ودمرت 74 منشأة أرضية عسكرية، بما في ذلك 11 مطارا وثلاثة مراكز قيادة و 18 محطة رادار لأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات.
وقالت السلطات الأوكرانية إن روسيا نفذت 203 هجوما وأن القتال مستعر في جميع أنحاء الإقليم تقريبًا.
وقالت مصادر عسكرية في أوكرانيا إن 20 طائرة هليكوبتر روسية وطائرة مي-8 هبطت بمظليين في مطار هوستوميل في منطقة كييف، حيث تقاتل القوات من الجانبين للسيطرة. وقالوا إن القوات الأوكرانية قتلت 50 جنديا روسيا ودمرت أربع دبابات روسية وأسقطت ست طائرات وأربع طائرات هليكوبتر روسية. وقال زيلينسكي أيضا إن القوات الأوكرانية تقاتل لمنع القوات الروسية من الاستيلاء على محطة الطاقة النووية السابقة في تشيرنوبيل.
وبدا أن الساعات الأولى من الغزو قد أودت بحياة العشرات من المدنيين في أوكرانيا. فبحسب السلطات، قُتل 18 شخصًا في هجوم صاروخي في منطقة أوديسا الجنوبية، وقتل ستة أشخاص في بلدة بروفاري بالقرب من كييف، وقتل أربعة أشخاص، وأصيب 10 آخرون، بعد أن أصابت “قذيفة روسية” منطقة تحتوي على مستشفى في مدينة فوهليدار في دونيتسك.
ودقت صفارات الإنذار في المدن الكبرى بأوكرانيا، ولجأ المدنيون في كييف وخاركيف إلى محطات المترو بالمدن – وهي مشاهد لم تحدث في تلك المدن منذ عام 1941.
وقد حثَّ السياسي الأوكراني “كوليبا” العالم على الاستيقاظ، حيث قال: “لقد شن “بوتين” للتو غزوا واسع النطاق على أوكرانيا” كما أضاف: “تتعرض المدن الأوكرانية المسالمة للضربات.. إنها حرب عدوانية.. أوكرانيا ستدافع عن نفسها وستنتصر. لا يجب أن يقف العالم عاجزا أمام “بوتين” لقد حان وقت العمل”.