رؤى

زيارة شي للسعودية.. تضع نهاية “الزواج الأحادي” بين الرياض وواشنطن

ترجمة: كريم سعد

في مقابلة عام 2004، قال وزير الخارجية السعودي آنذاك سعود الفيصل للصحفي السابق في صحيفة واشنطن بوست ديفيد أوتاوي إن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية ليست “زواجًا كاثوليكيا”، أي تسمح بزوجة واحدة فقط؛ بل هي “زواجًا إسلاميًا”، حيث يسمح بأربع زوجات “فلم تكن المملكة العربية السعودية تسعى إلى الطلاق من الولايات المتحدة. بل تسعى فقط للزواج من دول أخرى”.

وقد حدث ذلك الآن، ولا ينعكس هذا بشكل أكثر وضوحا من زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع – وهي الأولى منذ عام 2016، ولن تكون زيارة شي لحظة محرجة  على شاكلة “دعونا نصلح العلاقات” بل ستكون أقرب بكثير من حالة الاحتفاء بزيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2017، حيث سيكون هناك احتفال كامل مع العناق الدافئ، حين يلتقي أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية بأكبر مصدر للنفط المستورد في الصين.

ولا يمكن لبكين أن تحل محل واشنطن في القضية الأكثر أهمية للسعوديين وهي أمنهم من الجيرة الصعبة، لكن أيام زواج الرياض الأحادي من واشنطن ربما تسير في طريق مسدود، وفي الحرب الباردة 2 التي تدور أحداثها اليوم – أو ما نريد أن نسميه التوترات المتصاعدة والمنافسة بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى – لن ترفض المملكة العربية السعودية اختيار أحد الجانبين فحسب، بل من المرجح أيضا أن تقترب من بكين وموسكو، كما تقتضي مصالحها الخاصة. باختصار، لم تعد واشنطن الزوجة الوحيدة في المدينة.

ومن المغري أن نرى المصلحة السعودية في تحسين العلاقات مع الصين كتكتيك مؤقت لتذكير الولايات المتحدة بإيلاء المزيد من الاهتمام للمصالح السعودية، وعدم اعتبار الرياض أمرا مفروغا منه. فلم تكن العلاقات الشخصية بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي جو بايدن ودية؛ حيث قال ولي العهد إنه لا يهتم بما يعتقده بايدن عنه، وقد أوضح بايدن أنه لا يفكر كثيرا في الزعيم السعودي.

لكن ما تعانيه العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، أعمق بكثير من الكيمياء السيئة بين الرئيس وولي العهد. فالمقايضة الأساسية التي حافظت على العلاقة لعقود طويلة – حيث تحتاج واشنطن إلى النفط السعودي والرياض بحاجة إلى ضمانات أمنية أمريكية – قد توترت على مر السنين بفضل قائمة طويلة من الضغوط والتوترات، وتشمل هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي ضمت لائحة الاتهام فيها خمسة عشر سعوديا من أصل تسعة عشر متهما، والأسئلة العالقة حول مدى معرفة الحكومة السعودية بالمؤامرة، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والذي أدى إلى نظام يهيمن عليه الشيعة في بغداد، ما جعلها عرضة للنفوذ الإيراني؛ ورد فعل الولايات المتحدة على الربيع العربي، والذي ضغطت من خلاله واشنطن على الرئيس المصري في ذلك الوقت، حسني مبارك، للتنحي وشجعت الإصلاحات الديمقراطية في أماكن أخرى من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – ونظر النظام الملكي السعودي إلى كل هذه الأمور على أنها تهديد محتمل لقبضته على السلطة.

وأيضًا هناك ثورة “التكسير والصخر الزيتي” التي جعلت الولايات المتحدة منافسا نفطيا؛ بجانب الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران، العدو اللدود للمملكة العربية السعودية؛ ما جعل مخاوف الرياض تزداد.. ناهيك عن رد واشنطن الضعيف على الهجمات الإيرانية المزعومة بطائرات بدون طيار / صواريخ كروز في سبتمبر 2019 على منشأتين سعوديتين رئيسيتين لإنتاج النفط، ومن جانب آخر، هناك صعود محمد بن سلمان وشبهة ضلوعه في إصدار أمر بقتل المعارض السعودي والمقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي.

ويبدو أن الجهود المبذولة لإصلاح العلاقات تزيد الأمور سوءا.. فعلى الرغم من الاصطدام بين بايدن وولي العهد خلال زيارة الرئيس، إلا أن المرء خرج بشعور بأن السعوديين كانت لهم اليد العليا، وحصلوا على أكثر قليلا مما أعطوه، ولم يكن لديهم نية للاصطفاف مع إدارة بايدن ضد روسيا في أوكرانيا أو ضد الصين الصاعدة، وسيكون من الصعب على المرء العثور على أي لغة تنتقد أيا من خصوم واشنطن في البيانات أو البيانات الموسعة التي خرجت من ذلك الاجتماع. ومهما كانت التفاهمات التي توصل إليها الجانبان بشأن النوايا السعودية لزيادة إنتاج النفط، فقد انهارت في لحظة عندما قاد السعوديون والروس في اجتماع أوبك + في أكتوبر قرار خفض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل يوميا، في عمل اعتبرته واشنطن دعما مباشرا لتمويل آلة الحرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا.

ومن اللافت للنظر أنه في مقال بايدن في صحيفة واشنطن بوست قبل رحلته إلى الشرق الأوسط في يوليو، أشار إلى أنه من الضروري تحسين العلاقات الأمريكية السعودية من أجل التنافس مع الصين، ومحمد بن سلمان بالطبع، لا يرى الأمر بهذه الطريقة على الإطلاق.. ومن وجهة نظره، فإن اللعبة الآن هي كيف يمكنه استخدام ورقة الصين لصالح المملكة العربية السعودية، والاستفادة بأكبر قدر ممكن من كل من بكين وواشنطن دون تنفير أي منهما بشكل دائم.

ويعمل السعوديون على تطوير العلاقات مع الصين منذ سنوات، لكن هذا تطور جديد – وربما استراتيجي – في لعبة قديمة جدا تلعبها القوى الصغيرة والضعيفة مع القوى العظمى، فعندما تقلل القوة العظمى – في هذه الحالة الولايات المتحدة – من أولوية القوة الأصغر (أو منطقتها)، فإن الأخيرة تعيد أيضا الكَرَّة مرة أخرى، وتسعى إلى التواصل مع القوى العظمى الأخرى لتحقيق التوازن والتعويض؛ لكن ما تغير هو ثقة السعودية المتنامية – واستعدادها للعمل بشكل مستقل للدفاع عن مصالحها – فضلا عن الأهمية المتزايدة للصين كقوة عظمى في الحسابات السعودية.

ماذا تقدم الصين للمملكة العربية السعودية؟ بالنسبة لمحمد بن سلمان، فإن الصين ليست مجرد رافعة يجب سحبها ضد الولايات المتحدة، حيث أن لها قيمة حقيقية من تلقاء نفسها. فالصين تعد الآن أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، بعد أن تفوقت على التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية في السنوات الأخيرة. وكما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، فإن “الشركات الصينية متورطة بعمق في المملكة، وتبني مشاريع عملاقة، وتنشئ البنية التحتية للجيل الخامس من شبكات الاتصال، وتطور الطائرات العسكرية بدون طيار”.

والصينيون لا يقومون فقط بالبنية التحتية أيضا. حيث قال إيفان فايجينباوم، نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، لمجلة فورين بوليسي إن بكين تتبع نهجا متعدد الأبعاد يشمل التكنولوجيا والاتصالات. وفي الشهر الماضي، وقعت شركة الاتصالات الصينية تشاينا موبايل إنترناشيونال مذكرة تفاهم مع الرياض “لتعزيز النظام البيئي للوسائط الرقمية في المملكة العربية السعودية”.

كما تقدم الصين للسعودية علاقة غير مقيدة خالية من التدخل في السياسة الداخلية للبلاد، بما في ذلك جميع المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان. وهذا الأمر يعمل في كلا الاتجاهين، فنادرا ما سافر شي خارج الصين منذ بداية جائحة كوفيد-19، وليس من قبيل المصادفة أنه اختار المملكة العربية السعودية لتكون من بين رحلاته العديدة الأولى إلى الخارج – وهي دولة يديرها زميل “استبدادي” حيث لن تكون هناك احتجاجات أو تغطية صحفية محرجة للأيغور، هونغ كونغ ، أو المظاهرات الصينية الأخيرة ضد عمليات الإغلاق بسبب كوفيد-19. وباعتبارهما عضوين حقيقيين وبارزين في النادي الاستبدادي، فإن كلا من محمد بن سلمان وشي لديهما رابطة مشتركة توحدهما ضد الضغوط الخارجية لإصلاح حقوق الإنسان وإضفاء الطابع الديمقراطي عليها وتعزيزها.

وهذا يعني أنه، على عكس رحلة بايدن إلى المملكة العربية السعودية، من المرجح أن تتميز رحلة شي بالدفء المتبادل والخلو من الإزعاج والاحتكاك. فالزيارة، والتي يقال إنها ستشمل ثلاث قمم – واحدة مع شي والعاهل السعودي الملك سلمان ومحمد بن سلمان. والثاني بين شي ودول الخليج. وثالثة تشمل شي ودول الجامعة العربية – ستسمح لكل من محمد بن سلمان وشي بإظهار مركزيتهما في المنطقة. وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن أكثر من 30 رئيس دولة وقادة منظمات دولية يخططون للحضور.

وهذا لا يعني أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية على وشك الانهيار. فمن المرجح أن تظل واشنطن الشريك الرئيسي للرياض في التعاون الأمني والاستخباراتي، ومن المرجح أن يضمن التهديد الخارجي من إيران بقاء جانب واحد على الأقل من العلاقة الخاصة، فإذا تعرضت المملكة لأي عدوان. لا يمكن للصين أن تحل محل تطور وفعالية الأسلحة الأمريكية أو أن تعمل كضامن لحرية الملاحة في الخليج الفارسي – في الواقع، إن البحرية الأمريكية هي التي تحمي وتساعد في تأمين إمدادات الطاقة الصينية هناك. ومع ذلك، يجب على إدارة بايدن أن تراقب عن كثب ما هي التحديثات التي قد تطرأ على الصواريخ الصينية الموجودة بالفعل في أيدي السعودية والتي قد تبيعها بكين، وكذلك نوع التعاون النووي الأولي الذي قد يحدث.

ومع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد.. أن هذه ليست علاقة جدك أو جدتك بين الولايات المتحدة والسعودية، لقد ولت أيام الملوك السعوديين الذين يكرهون المخاطرة ويحركهم الإجماع. بدلا من ذلك، نحن نراقب ملكا سعوديا جاهزا للمخاطر، واثقا من نفسه، إن شئت قل متعجرفا، يعرف أنه سواء أكانت ثورة خضراء أم لا، فإن العالم سيعتمد على الهيدروكربونات السعودية لسنوات قادمة. ولا تزال الولايات المتحدة مهمة جدا لحسابات محمد بن سلمان، ولكن ربما ليست مركزية فيها. وفي رحلته إلى الشرق الأوسط في يوليو، أخبر بايدن السعوديين وغيرهم من قادة دول الخليج العربية أن الولايات المتحدة “لن تذهب إلى أي مكان” وأنها في المنطقة للبقاء. ولكن إذا كان لمحمد بن سلمان طريقه، فإن وجهته ستكون الصين – وربما روسيا أيضا معها.

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock