رؤى

ارتباك وتراجع في موقف “إيكواس”.. بشأن أزمة النيجر

في خطوة يبدو فيها  الإصرار على التلويح بخيار القوة، وإمكانية التدخل العسكري في النيجر لإنهاء الانقلاب، أكد مسئولو الدفاع في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عقب اجتماعهم في غانا، الخميس والجمعة 17-18 أغسطس الجاري، على استعداد المجموعة للتدخل، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في إنهاء الانقلاب؛ حيث أشار عبد الفتاح موسى، مفوّض الشئون السياسية والسلام والأمن في إيكواس، إلى عمليات انتشار سابقة للمجموعة، في غامبيا وليبيريا وغيرهما، في خلال طرحه لأمثلة على استعداد إيكواس للتدخل.

رغم ذلك، ورغم التلويح بالاستعداد للتدخل العسكري، إلا أن برلمان إيكواس، كان قد أخفق من قبل في اتخاذ قرار موحد بهذا الشأن، وقرر إيفاد بعثة إلى نيامي، بحثًا عن حل سلمي لأزمة النيجر.

ويبدو أنه في ظل الانقسام الواضح داخل إيكواس، بشأن التدخل العسكري من عدمه – أن نتيجة اجتماع غانا ستقتصر على مجرد “تصور شكلي لأي تدخل محتمل، بصرف النظر عن تفعيله”، من جانب السلطة السياسية للمجموعة، التي تتخذ قرارها وفق معطيات، ليست داخلية فقط، بل إقليمية ودولية أيضًا.

أضف إلى ذلك، أن التلويح باستخدام القوة؛ قد ردَّ عليه المجلس العسكري الحاكم في نيامي بالإعلان عن “النية في محاكمة الرئيس المحتجز، محمد بازوم”؛ وهي محاولة لتعزيز الموقف التفاوضي للمجلس، سواء مع إيكواس أو القوى الغربية، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية؛ في مقابل تراجعات محدودة مثل إطلاق سراح الرئيس ومرافقيه، وترتيب مرحلة انتقالية محدودة زمنيًا.

ولعل ما يؤكد محاولة المجلس في تعزيز موقفه التفاوضي أنه رفض من قبل، عديدًا من الوساطات؛ ولم يوافق على استقبال أي وفد، إلا وفد رجال الدين المسلمين النيجيريين، السبت 13 أغسطس؛ حيث أعلن الوفد عقب لقائه مسئولين في نيامي، أن المجلس العسكري أكد استعداده لحل الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية.

ولعل ذلك، ما يطرح تساؤلات متعددة، بخصوص أسباب التراجع الحاصل في موقف إيكواس، بشأن التلويح باستخدام القوة، والتدخل العسكري لإنهاء الانقلاب في النيجر.

أسباب التراجع

في الوقت الذي بدا فيه أن إيكواس لن تتراجع عن التدخل العسكري في النيجر؛ إلا أن ثمة أسباب دفعت المجموعة إلى التراجع.. لعل أهمها ما يلي:

أولًا: الانقسام الداخلي حول الموقف من التدخل؛ فمنذ التدخل الأول لمجموعة إيكواس في ليبيريا، وهي تشهد حالة من الانقسام الداخلي، وأزمة ثقة بين دول الفرانكوفون بقيادة ساحل العاج،  ودول الأنجلوفون بقيادة نيجيريا.

وقد امتد هذا الانقسام الداخلي، بين دول المجموعة، إلى أزمة الانقلاب الأخير في النيجر، إذ أيدت دول التدخل العسكري، وإنهاء الانقلاب بالقوة، مثل نيجيريا والسنغال، بينما عارضت دول أخرى هذا التدخل وهي مالي وبوركينا فاسو وغينيا.

ويعود سبب الرفض، إلى أن النظم الحاكمة في هذه الدول، وصلت للسلطة عبر الانقلاب، ما يمكن أن يُشجع إيكواس على تكرار نفس سيناريو النيجر في بلدانهم. واللافت أن الانقسام في حال أزمة النيجر، لا يتوقف عند حدود التدخل العسكري من عدمه؛ بل امتد إلى تهديد الدول الأربع المُعارضة، بالانسحاب من مجموعة إيكواس، ما يعني التأثير على فاعليتها وقوتها، فضلًا عن انفراطها وتفككها. أضف إلى ذلك، أن مجلس الشيوخ في نيجيريا التي يتزعم رئيسها فكرة التدخل العسكري، رفض طلب الرئيس في هذا الشأن.

ثانيًا: صعوبة تمويل القوات العسكرية المُشتركة؛ حيث إن صعوبة تمويل التدخل العسكري لقوات إيكوموج والتزام الدول أعضاء إيكواس بحصص كل منها في هذا التمويل، تبدو بوضوح عبر خبرة تدخل المجموعة من قبل، كما في حالات ليبيريا وغينيا بيساو، في تسعينات القرن العشرين الماضي.

ففي أزمة ليبيريا كان الاتفاق يستند على أن تقوم دول إيكواس بتمويل القوات المُشاركة، خلال الشهر الأول؛ إلا أن بعض هذه الدول لم تلتزم بدفع حصتها، على أساس أنها لا تؤيد عملية التدخل. وقد حدث الأمر نفسه في سيراليون، حيث تحملت نيجيريا معظم نفقات قوات إيكوموج؛ رغم أن بروتوكول آلية منع الصراع، الذي تبنته إيكواس في عام 1999، كان قد تضمّن النص على طرق التمويل وكيفيتها، وأهمها إسهامات الدول أعضاء المجموعة.

ثالثًا: التوترات الإثنية والقبلية العابرة للحدود؛ إذ إن التدخل العسكري سيُتيح الفرصة لتفاقم التوترات الإثنية والقبلية، على جانبي الحدود بين النيجر ودول جوارها الجغرافي عمومًا، وبينها وبين نيجيريا بشكل خاص؛ حيث تشترك سبع من الولايات في شمال نيجيريا مع جنوب النيجر، في العديد من الروابط الاجتماعية، إثنيًا وقبليًا، فضلًا عن التشارك في العادات الثقافية والدينية؛ بل، إن لغة “الهوسا” تستخدم كأحد الروابط المشتركة بين البلدين، على جانبي حدودهما المشتركة.

وبالطبع، لن يتوقف الأمر عند حدود تفاقم التوترات الإثنية والقبلية العابرة للحدود؛ ولكن سوف يُتيح التدخل العسكري نوعًا من الفوضى الأمنية، التي يمكن استغلالها من جانب التنظيمات الإرهابية؛ بما يُمثل تداعيات سلبية على منطقة الساحل الأفريقي. هذا، بالإضافة إلى احتمالات زعزعة الاستقرار الإقليمي، وزيادة تهديدات البني التحتية الاستراتيجية الخاصة بمشروعات الطاقة في كل من النيجر ونيجيريا بصفة خاصة.

رابعًا: التمدد الروسي وغموض الموقف الأمريكي؛ حيث لا يزال الموقف الأمريكي، من الانقلاب العسكري في النيجر وتداعياته، يتسم بالغموض وعدم الوضوح؛ هذا رغم أن الولايات المتحدة تمتلك داخل النيجر أكبر قاعدة أمريكية للطائرات المُسيرة خارج البلاد؛ ورغم أن هذه القاعدة تُمثل ركيزة أساسية لعمليات واشنطن الاستخباراتية في قارة أفريقيا.

وربما يكون أحد عوامل الحذر الأمريكي، من اتخاذ موقف متشدد، هو التخوف من التقارب مع روسيا، من جانب المجلس العسكري في نيامي، بالتزامن مع تنامي حالة السخط في داخل النيجر من فرنسا والغرب عمومًا؛ وهو ما ظهر في مُطالبة بعض المتظاهرين المؤيدين للانقلاب بضرورة طلب الدعم من روسيا. بل، إن ساليفو مودي، الرجل الثاني في المجلس العسكري الحاكم في النيجر، كان قد زار مالي في 2 أغسطس الجاري، وأجرى مشاورات مع المجلس العسكري الحاكم في باماكو، بخصوص إمكانية طلب الدعم من مجموعة “فاغنر” الروسية، في حال أي تدخل عسكري من إيكواس.

تأثيرات سلبية

في هذا السياق، يُمكن القول بأن التشدد الذي بدا عليه موقف مجموعة إيكواس، بخصوص الانقلاب الحاصل في النيجر، وتهديد المجموعة بالتدخل العسكري لإنهاء الانقلاب بالقوة؛ وإن كان له دوافعه؛ إلا أنه يواجه أيضا مجموعة من المعوقات، التي لا يُمكن تجاهل تداعياتها وتأثيراتها السلبية؛ إذ ستكون للتدخل العسكري في النيجر ارتدادات خطيرة على دول المنطقة ككل، فضلًا عن مخاطر السيولة الأمنية، وتنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية؛ بل واحتمال أن تتحول المنطقة إلى مسرح لحرب إقليمية، تُزيد من عدم الاستقرار الإقليمي.

وما بين دوافع التدخل عسكريًا في النيجر، وأسباب التراجع، تنتاب المشهد عمومًا حالة من التردد وعدم اليقين، خاصة في ظل انقسام دول المجموعة حول الموقف من التدخل.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock