محمد الروبي (نقلا عن صفحته على فيس بوك)
خبر رحيل العم يسري الجندي استدعى شريطا طويلا من الذكريات. فالبداية –بدايتي– كانت معه. كان وجيله يبزغون كنجوم تضيء لنا الطريقنحن طلاب المسرح من الشباب الذي ارتبط بفكرة (أن يكون لنا مسرحنا).ورغم تعدد أسماء صناع هذا المسرح المستلهم للتراث العربي؛ كنا نجديسري الجندي هو أيقونة هذا الجيل. مهموما كان هو دوما بالسؤال (ماالذي حدث؟ ولماذا؟) فراح يبحث في ماضٍ ينير له ولنا طريق المستقبل؛ عبرفهم للحاضر.. غاص في سيرة الهلالية وعنترة وقلّب في صفحات ألف ليلةوليلة؛ مدفوعا برغبة صادقة في تغيير حاضرٍ بُنِيَ على فهم خاطئ لمعنىالبطولة والخلاص الفردي. عشقنا أعماله كما عشقنا أعمال أبناء جيله(السلاموني والدويري والفيل وغيرهم) فالتهمناها التهاما، بل وواجهنابعضها بملاحظات شبابٍ مُحبٍ وغاضب. وأذكر أننا اتفقنا –بعض منأفراد جيلي وأنا– على أن تكون هذه الأسماء وتلك الأعمال موضوعاتلمشاريع تخرجنا في قسم النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية.. منا مناختار ملامح استلهام التراث لديهم، ومنا من اختار علاقة البناء الدراميعندهم بمدارس مسرحية غربية كـ “البيريختية” وغيرها.. واخترت أنا مفهومالمسرح التسجيلي وتطبيقاته المصرية وكانت (اليهودي التائه) ليسريالجندي بؤرة بحثي.
أذكر أيضا أننا حاربنا معه، ومع أستاذ آخر هو المخرج السيد راضي،من أجل تأسيس مهرجان عربي للمسرح؛ لكن وزير ثقافة ذلك الزمان؛عرقل وسوَّف. ولم ييأس المقاتلان حتى رضخ الوزير بعد أن اشترط أنيكون (ملتقى) لا (مهرجان) ثم عاد واغتاله بعد دورته الأولى.
أتذكر كذلك كيف غضبنا غضبا شديدا لا يليق إلا بمراهقين ثوريين علىيسري الجندي حين تنازل (هكذا كنا نرى فعله) وقبل أن يكتب الدراماالتلفزيونية (تلك التي كنا نراها آنذاك دراما درجة ثالثة)! ثم سرعان ما فهمنا أن يسري -ومن بعده بعض أبناء جيله– لم يخن المسرح كما كنانظن. بل نهض بمعنى الدراما التلفزيونية، ومنحها ما منحه للمسرح وظلفيها سؤاله الوجودي هو نفسه.
الآن أتذكر كل هذا وغيره فافهم سر حزني عليه، رغم تقاعده منذ سنواتطويلة بسبب المرض. فمثل يسري الجندي لا يمكن وضعه على قائمة ركابقطار الرحيل ولو بالمرض أو التقدم في السن.
يسري الجندي يامن كنت لجيلنا سنديانة نلوذ بها حين يصيبنا يأس.. سلام لك وعليك.
