مختارات

المصالح القُطرية في ردود فعل الدول العربية حول أزمة أوكرانيا

بقلم: حسين عبد الغني، نقلًا عن موقع صحيفة عُمان

من القواعد المتفق عليها في علم العلاقات الدولية أن دراسة نمط أو اتجاه التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة تجاه أزمات محددة [قرارتها غير ملزمة] ليس إلا مؤشرا واحدا ضمن مؤشرات أخرى لمعرفة الموقف الحقيقي لدولة ما من أزمة دولية أو إقليمية أو داخلية.

وتنطبق هذه القاعدة بدقة على مواقف الدول العربية من الأزمة الأوكرانية فلا من أيدوا القرار الغربي بإدانة الهجوم العسكري الروسي على الأراضي الأوكرانية ولا من عارضوه ولا من امتنعوا عن التصويت منهم يعبر موقفهم (التصويتي) بدقة عن مواقف كل منهم الحقيقية من الأزمة.

أيضا وبنفس القدر لا يعكس البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الطارئ للجامعة العربية – والذي اتخذ موقفا محايدا من الأزمة – أيضا التفاوتات والاختلافات الحقيقية بين مواقف الدول العربية من الأزمة.

ويعود ذلك لأسباب متعددة عنت باختصار اختفاء موقف عربي جماعي “حقيقي” وانفراد كل قطر عربي باتخاذ موقف من الأزمة الأوكرانية يعكس رؤية نخبتها الحاكمة للمصلحة الوطنية المباشرة.

هذه الأسباب بدون ترتيب هي:

١- موت النظام الاقليمي العربي:

بدأ هذا النظام -الذي قام شكليا في1945 بإنشاء الجامعة العربية وحصل على مضمون حقيقي منذ قيام إسرائيل ونشوء المواجهة العربية – الاسرائيلية بجولاتها الاربع الكبرى 48.56.67.73 – في تلقي أول ضربة له بانقسام العرب حول عملية السلام مع إسرائيل التي قادها الرئيس السادات [زيارة القدس 77، واتفاقيتي كامب ديفيد 78، ومعاهدة السلام 79] وجاءت الضربة الثانية في 2 أغسطس1990 بغزو العراق للكويت، وتلقى ضربته القاصمة والقاضية التي أنهت على الرجل المريض بتوقيع اتفاقات أبراهام مع إسرائيل في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

بموت هذا النظام لم يعد هناك أي مفهوم جماعي للأمن القومي العربي وصار مفهوم الأمن الوطني سائدا حتى وإن تعارض أحيانا مع مفهوم الأمن الجماعي القديم للنظام العربي. وصارت الجامعة العربية بيتا للأشباح وليس منظمة إقليمية فاعلة بمقدروها أن توفر حتى الحد الأدنى من التنسيق في مواقف أعضائها. وأصبحت الكلمة في النفوذ الإقليمي للقوى غير العربية في الإقليم خاصة اسرائيل التي تخطى نفوذها كلا من إيران وتركيا.

اتفاقات ابراهام التطبيع
اتفاقات ابراهام

٢- المخاطر والفرص التي تتيحها الازمة لكل دولة عربية علي حدة:

طرحت الأزمة فرصا ومخاطر على الدول العربية خاصة ببعدها المتعلق بإمدادات الطاقة إلى أوروبا التي باتت مهددة بخسارة إمدادات الغاز والنفط الروسية التي تشكل المصدر الرئيس للصناعة والتدفئة في القارة العجوز. وكذلك ببعدها المتعلق بارتفاع أسعار النفط والغاز القياسيين (هو الأعلى خلال 15 عاما على الأقل). ولهذا كانت الدول العربية “الطاقوية” إذا صح التعبير بالدول الأكثر ارتباطا بالأزمة. ونقصد هنا الدول التي لديها قدرة حالية أو مستقبلة أما لكي تحل محل الروس كمورد للطاقة لأوروبا أو التي لديها قدرة حالية أو مستقبلية على القيام بسلوك إنتاجي يؤدي إما لوقف الارتفاع الحالي في الأسعار وحتى خفضه أو القيام بسلوك يحافظ على الوضع الحالي لسوق النفط والغاز.

في هذا الصدد يمكن التمييز بين موقفي الإمارات والسعودية – مع تفاوتات بالطبع – وموقف قطر وكلهم دول طاقوية مهمة وينتمون ثلاثتهم لمجلس التعاون الخليجي.

الموقف الإماراتي والسعودي الحقيقي لا يعبر عنه تصويتهم لصالح القرار الأمريكي غير الملزم في الجمعية العامة ولكن يعبر عنه أكثر امتناع الإمارات عن التصويت – بصفتها حاليا عضو غير دائم – في مجلس الأمن على مشروع قرار كان ليكون ملزما في المجلس بنفس المعنى الذي أراده قرار الجمعية العامة. امتناع الإمارات وأربعة أعضاء آخرين منهم الصين والفيتو الروسي قضى تماما على صدور قرار إدانة ملزم للروس كان يمكن أن يتطور إلى أول سابقة منذ إنشاء الأمم المتحدة لفرض عقوبات أممية على عضو من الأعضاء الخمسة الدائمين. ويعبر عنه أوضح بكثير الرفض السعودي المهذب ولكن الحاسم لرفض المطالب الغربية بزيادة إنتاج النفط واستمرا الالتزام بقرار أوبك + روسيا بمستويات معينة للانتاج وهو قرار كان له مع عودة الطلب العالمي على الطاقة للارتفاع مع تراجع آثار جائحة كورونا الأثر الحاسم في ارتفاع الأسعار إلى ما يقرب من 115 دولارا للبرميل.

وعلى الرغم من أن هذا الموقف تحركه أساسا المصلحة الوطنية المباشرة لكل من الإمارات والسعودية ولكل الدول النفطية عامة هي في أسعار مرتفعة بشكل معقول تدعم الموازنات الوطنية وتزيد الإنفاق الحكومي المحرك الرئيس للاقتصاد الخليجي، فإن ما يعتبر فيه دعمًا غير مباشر أو غير مقصود للروس وعرقلة غير مقصودة للمصالح الغربية فيه هو أنه من ناحية يدعم الاقتصاد الروسي في هذه الأزمة بمليارات عديدة سيوفرها ارتفاع أسعار النفط والغاز الروسيين ويجعل موسكو قادرة على تحمل العقوبات الاقتصادية والمالية الغربية غير المسبوقة، وهي عقوبات كانت تعول عليها واشنطن كثيرا في ردع موسكو عن التدخل العسكري في أوكرانيا وخروج الغرب منتصرا استراتيجيا من الأزمة.

أما قطر ثاني أكبر مصدر للغاز في العالم فقد اتسم تفاعلها مع الأزمة بقدر أكبر من التجاوب المبدئي مع المطالب الغربية بالانفتاح أكثر على تصدير الغاز لأوروبا مع علم الجميع أن هذا يستغرق سنوات عديدة سواء للجهة انشاء البنية الأساسية لتصدير الغاز أو لجهة إعادة تنويع العقود طويلة المدى لقطر مع دول آسيوية عديدة. ولقد حصلت قطر في هذا السياق على وضع إقليمي سياسي ومعنوي غير مسبوق عندما أعلنها الرئيس الأمريكي بايدن بلدا حليفا بمستوى أعضاء حلف الناتو ولكن من خارجها. واللافت أن الدوحة فعلت ذلك دون خسارة علاقتها مع روسيا بل وتصدت لما اعتبرته محاولة للوقعية مع سيد الكرملين.

أمير قطر رئيس أوكرانيا في لقاء سابق
أمير قطر ورئيس أوكرانيا في لقاء سابق

٣- الصراعات البينية العربية والعلاقات المعقدة مع واشنطن:

هذا العامل المتشابك يشير مباشرة إلى أن الصراعات البينية العربية التي لم تحل بشكل جذري حول تنافسية بعض دول الإقليم حول حدود الدور الإقليمي لكل منها والموقف دعما أو معارضة لقوى الإسلام الحركي قد اشتبكت بقسوة مع النفوذ الأمريكي على دول المنطقة فعلى سبيل المثال لا تمثل قضية مصالح النفط والغاز المصدر الوحيد للمواقف المتباينة التي أشرنا بل هذا التنافس الإقليمي على الأدوار في الخليج والبحر الأحمر وليبيا وسوريا.. إلخ وعلاقته بموقف إدارة بايدن الحالية من كل من هذه الدول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock