فن

“فاتن أمل حربي”.. ليس الأول، ولن يكون الأخير

تصاعدت الأزمة بين الأزهر الشريف من جهة، وصناع مسلسل “فاتن أمل حربى” من جهة أخرى.. وقد تناقلت وسائل الإعلام بيانا منسوبا إلى مؤسسة الأزهر الشريف؛ يرد على بعض ما جاء على لسان أبطال المسلسل الذى يعرض ضمن سباق الدراما الرمضاني.

ولم يذكر البيان اسم المسلسل بشكل محدد؛ لكن كافّة النقاط التي تضمنها، هي ردود على المسلسل، وهو من تأليف إبراهيم عيسى، وإخراج محمد العدل، وبطولة نيللي كريم، شريف سلامة، هالة صدقي، فادية عبد الغني، وخالد سرحان.

وقد أثار “أمل حربى” جدلا واسعا، منذ أن بدأ عرضه؛ ربما يعود أحد أسباب الجدل إلى شخص مؤلفه إبراهيم عيسى، بما يحمله من رؤى، ووجهات نظر تثير غضب المحافظين، ورجال الدين والتي كان آخرها الجدل المجتمعي الذى صاحب تصريحاته حول حادثة الإسراء والمعراج.

لكن الجدل لم يحتدم فقط بسبب شخص مؤلف العمل، لكن للرسالة التي يحملها المسلسل، والتي تشتبك مع عدد من القضايا –المقحمة بلا مبرر درامي حقيقي– ومن أهمها قانون الأحوال الشخصية المعمول به في مصر، ودعاوى البعض بانحيازه للرجل على حساب حقوق المرأة وحريتها، بما يتنافى ومبدأ المساواة الذي يتسق وروح الدولة المدنية الحديثة؛ ويتجاهل أيضا –وفق بعض الآراء– كل المكتسبات التي حصلت عليها النساء؛ بزعم الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية.

يحمل المسلسل الاسم الثلاثي لبطلة العمل؛ فاتحا الباب أمام تفسير دلالة هذا الاختيار، وفى اعتقادي أن صنَّاع العمل أرادوا الربط بين “فاتن” وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي كانت بطلة الفيلم العربي الشهير “أريد حلا” الذى كان أحد أسباب إجراء بعض التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، ومن ثم أراد مؤلف المسلسل الربط بين فاتن هنا وفاتن هناك، كما أن اسم أمل يحمل قدرا من التفاؤل المرتبط بالحرب ومواصلة المعركة حتى يتحقق النصر ويتم تعديل القانون.. هذا هو التفسير أو الدلالة التي يحملها عنوان المسلسل.

وقد اصطدمت رؤية المسلسل بكل من وجهة نظر المؤسسة الدينية، وثقافة المجتمع التي يسيطر عليها الفهم الذكوري وتحكمها تقاليد وعادات لا تؤمن بالمساواة بشكل كامل وحقيقي بين الجنسين.

العائلة و”عذاب القبر”

ولم يكن “فاتن أمل حربى” هو العمل الفني الأول الذى يتسبب في أزمة بين المؤسسات الدينية وصناع الفن؛ حيث شهدت مصر عدة أزمات من هذا النوع؛ وصل البعض منها إلى ساحات المحاكم للفصل فيها، بينما استجاب البعض الآخر لرؤية الأزهر الشريف والكنيسة المصرية.

ولعل الكاتب الراحل وحيد حامد كان طرفا في أكبر وأشهر الأزمات، حيث كانت الأولى بعد عرض مسلسل “العائلة” الذى أنتجه قطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري وعُرض في رمضان1414هـ/1994، ولعب بطولته محمود مرسي وليلى علوي وأخرجه اسماعيل عبد الحافظ.

وكان مسلسل “العائلة” أحد أهم ما قدمته الدراما المصرية في إطار حملتها لمواجهة موجات التطرف الديني والإرهاب اللذين روَّعا مصر في تلك الحقبة.

وقد اعترض علماء الأزهر الشريف على مشهد في المسلسل ينكر فيه بطله كامل سويلم –جسَّده المبدع محمود مرسي– موضوع عذاب القبر، ويشكك في حديث شريف جاء على لسان شخصية فتحي المنياوي، أحد دعاة التطرف في المسلسل، والذي لعب دوره الفنان توفيق عبدالحميد.

وبعد عرض الحلقة رقم 22 والتي ضمت المشهد انتفض علماء الأزهر الشريف، وعلى رأسهم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الجامع الأزهر في ذلك الحين، وهاجم المسلسل واتهم صُنَّاعه بـ”إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة”.

وحتى لا يتعرّض المسلسل لمنع عرض باقي الحلقات، سارع صُنّاعه بتقديم مشهد آخر، صُوِّرَ على عجل؛ ليدرج في الحلقة رقم 28 والأخيرة من المسلسل، مستعينين فيه بالممثل الكبير حمدي غيث، والذي جاء خصيصا ليؤدي ذلك المشهد دون أن يكون له أي دور في المسلسل من بدايته.

ظهر غيث مرتديا زي رجال الأزهر، وهو يلقي درسا في أحد المساجد، وبين يديه جلس محمود مرسي مستمعا؛ قبل أن يسأله: “حضرت ندوة من الندوات الدينية التي تتحول إلى كاسيت، وكان الداعية يتحدث عن عذاب القبر، بأسلوب فيه كثير من الترويع، فلما ناقشته إذا به يغضب”، ثم يجيب الشيخ عن السؤال الخاص بعذاب القبر قائلا: “نعم هو ثابت بالقرآن والسنة والإجماع”.

“أوان الورد” وأزمة مع الكنيسة

وبعد أقل من ست سنوات، كان وحيد حامد طرفا في أزمة جديدة، لكن طرفها الثاني كان هذه المرة، رجال الكنيسة القبطية على خلفية عرض مسلسل “أوان الورد” عام 2000 والذى لعب بطولته كل من: يسرا وهشام عبد الحميد ومن إخراج سمير سيف. وتدور القصة حول ضابط شرطة مسلم يتزوَّج من فتاة ولدت لأبٍ مسلم، وأمٍ مسيحية.. ثار الأقباط وحُرِّكت دعاوى قضائية ضد وحيد حامد الذي واجه أيضا متشددين مسلمين، اصطدموا بأقرانهم في معسكر المسيحي.. وكانت تلك الأزمة سببا مباشرا في تعرُّض الراحل وحيد حامد؛ لأزمة قلبية حادة نُقل على إثرها إلى المستشفى في حالة حرجة.. ولم تنتهِ ثورة الغضب إلا بعد تدخل البابا شنودة الذي استدعى أسرة المسلسل للقائه، كما استدعى بعض المعترضين، وجعل أسرة المسلسل تستمع إلى أقوالهم التي لم تخرج عن رفض فكرة زواج مسيحية من مسلم فرد وحيد حامد بأن “روز” ندمت أشد الندم على فعلتها في الحلقة الخامسة عشر. ونجحت الجلسة في احتواء الأزمة وتوضيح وجهات نظر صُنّاع العمل، وتنازل أصحاب الدعاوى القضائية عن دعواهم أمام المحاكم.

أزمات على شاشة السينما

وفى السينما تفجرت العديد من الأزمات بين المؤسسات الدينية وعدد من الأعمال الفنية من بينها فيلم “الرسالة” عام 1976، حيث اعترض الأزهر على تجسيد شخصية سيدنا حمزة –رضى الله عنه– وبعض الصحابة.

وفى عام 1979، اعترض الأزهر على فيلم القادسية للمخرج صلاح أبو سيف بسبب قيامه بتجسيد شخصية الصحابي الجليل “سعد بن أبى وقاص” أحد العشرة المبشرين بالجنة.

وفى عام 1994، لجأ المخرج يوسف شاهين إلى القضاء بعد رفض الرقابة الموافقة على سيناريو فيلم “المهاجر” بناء على توصية من الأزهر، وبالفعل أجرى شاهين تعديلات على السيناريو، وتم تصوير وعرض العمل بالفعل؛ إلا أنه لم يسلم من هجومٍ حادٍ من جانب بعض رجال الدين، كما حرّك أحد المحامين دعوى قضائية ضد الفيلم بزعم أن شخصية بطل الفيلم “رام” تتطابق مع شخصية النبي يوسف –عليه السلام– كما ورد ذكرها في القرآن الكريم، واستطاع المحامي وقف عرض الفيلم بعد حصوله على فتوى من الأزهر برفض تجسيد شخصيات الأنبياء، ورفع  شاهين دعوى قضائية ضد الأزهر الشريف، وحصل على حكم بعرض الفيلم، بعد تغيير بعض المشاهد.

وفي عام 2004، وبعد سنوات من انتظار موافقة الرقابة خرج فيلم “باحب السيما” إلى النور، لكن العمل الذى كتبه “هاني فوزى” وأخرجه “أسامة فوزى” تعرَّض لهجوم عنيف من جانب الأقباط في مصر،  كما رفعت عدة قضايا  بواسطة مُحامين مسيحيين ضد الفيلم؛ اعتراضا على الصورة التي ظهرت عليها الأسرة المسيحية، ضمن إطار العمل الذى شارك في بطولته محمود حميدة، وليلى علوي وعايدة عبد العزيز، ومنة شلبي والطفل يوسف عثمان.

هذه بعض الأعمال التي اشتبكت مع الرقابة الدينية، وكانت هدفا لتدخل رجال الدين سواء الأزهر أو الكنسية المصرية، بالإضافة إلى أفلام ومسلسلات أجنبية فعل فيها مقص الرقيب فعله، من بينها فيلم “آلام المسيح” ومسلسل “نوح” وغيرهما.

بقي أن أذكر أنني لست راضيا تماما عن مستوى “فاتن أمل حربى” من الناحية الفنية؛ رغم بعض الإيجابيات من أهمها أداء عدد من الممثلين مثل نيلي كريم وشريف سلامة ومحمد ثروت لكن العمل حتى الآن لم يتم تقييمه فنيا.. وتبقى رسالة العمل هي أهم ما يتضمن؛ لكن الرسالة ربما لا تصل إذا كان “البرواز” أقل جمالا وتماسكا وحرفية.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker