رؤى

رد على المقال المترجم المعنون بـ ” رئيس سابق لجهاز الاستخبارات البريطاني يتوقع وضع بوتين في مصحة بحلول نهاية العام”

نُشر في موقعنا أمس مقال مترجم يتناول تصريحات للرئيس السابق لجهاز (MI6) البريطاني تتعلق بالحالة الصحية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتنبؤات بسيناريوهات إبعاده عن منصبه أواخر العام الحالي.. وعملا بحق الرد ننشر اليوم هذا المقال الذي يتبنى وجهة النظر الأخرى فيما يتعلق بما ورد بالمقال المترجم. 

يبدو أن الآلة الإعلامية الغربية لم تعد تمتلك من أدوات العمل الإعلامي سوى الرديء؛ بل الأردأ.. فليس أسهل من أساليب التعمية عن الحقائق المؤيدة بالوقائع على الأرض، وغض الطرف عن الأسباب الموضوعية للحرب الروسية الأوكرانية، ثم الاستعانة بمقولات وأحاديث مرسلة منسوبة لأشخاص ليسوا فوق مستوى الشبهات؛ أو من الذين يسهل توجيههم أو إغراؤهم؛ ليجهدوا أنفسهم في “بروباجندا” بائسة للنيل من الروس الذين تتجسد فيهم الآن صورة العدو الأكبر للحضارة الغربية. فتارة تعمل الآلة الغربية على اتهامات لقادة الجيش الروسي بالإغراق التام في الفساد والتربح وممارسة الأنشطة غير القانونية؛ خاصة في ما يتعلق بصفقات الأسلحة؛ لجني ثروات هائلة.. وتارة أخرى بالحديث المرسل عن أزمات محدقة بالاقتصاد الروسي؛ وقرب انهياره التام والنهائي، بالمخالفة الصريحة لمؤشرات دولية عديدة تؤكد مرور الاقتصاد الروسي في الفترة الحالية بانتعاشة هائلة، لم يعرفها منذ زمن، بالتزامن مع الترويج للأخبار المضحكة عن حجم خسائر الجانب الروسي في الحرب الأوكرانية، وما يحققه الجيش الأوكراني بقيادة الممثل السابق السيد زيلنسكي، الذي يصبح مادة جيدة للتندر في بعض وسائل الإعلام الغربية، في أوقات الفراغ.. ونرى في هذا المقال المترجم وجها آخر لهذا البؤس الإعلامي الغربي، الذي يستعين هذه المرة بتصريحات لرئيس سابق لجهاز الاستخبارات البريطاني المعروف اختصارا بـ (MI6) في برنامج بعنوان “قرار واحد” على البودكاست.. ولا يحتاج قارئ التصريحات الواردة في المقال إلى جهد كبير؛ لاكتشاف التناقض الواضح فيما ورد به من تحليلات تتعلق بالحالة الصحية للرئيس الروسي، ومصيره في الأشهر القليلة القادمة؛ ومآلات اختفائه على مصير روسيا، وتصورات الحكم في موسكو من بعده؛ فيما يشبه الأمنيات التي إن سيطرت على عقل أحدهم صارت في نظره هي والحقيقة سواء.

السير ريتشارد ديرلوف
السير ريتشارد ديرلوف

ورغم عدم إنكار السير ريتشارد ديرلوف صاحب هذه التصريحات، أن ما يلوكه من كلام ليس جديدا؛ بل ويرجع تاريخه لأكثر من سبع سنوات، بعد خروج السير من الخدمة بالجهاز بنحو عام، وكان آنذاك يحتفل بربيعه السبعين؛ فإنه لا يتورع عن الزعم باقتراب تحقق تنبؤاته التي تتخلق في رحم الغيب منذ ما يربو على الثمانين شهرا!

ما يدعو إلى الرثاء والضحك في آن، هو مدى العجز الذي صارت تعاني منه الآلة الإعلامية الغربية، ويتبدى ذلك بجلاء فيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية، فلا أفكار جديدة، ولا محاولات جادة لتقصي الحقائق، ولا وثيقة هامة ولا إبداع على الإطلاق؛ بل أساليب قديمة، وقوالب محفوظة، وممارسات لا تراعي أدنى حدود وأخلاقيات ميثاق الشرف الإعلامي.. ربما يجنح كثيرون إلى تصديق مقولة أن “كل شيء مباح في الحب والحرب” لكن ليس بهذه الصورة البائسة التي صارت تشبه محاولات الانتقام بتلويث السمعة التي تجيدها النسوة في أدنى الطبقات في بعض المجتمعات الشرقية.. نرى أن عرض مثل هذه المواد للقارئ العربي إذا كان ينطوي على جانب إيجابي فهو بلا شك؛ الوقوف على حقيقة إفلاس الغرب في شأن ليس بقليل الأهمية، وهو كيفية إدارة الحرب إعلاميا، وهو ما يتزامن معه على وجه التأكيد فشل وتراجع كبير في العديد من المجالات، ما يمنح الأمل بتوقف الغرب ولو بشكل جزئي عن عمليات الاستنزاف المستمرة لمقدرات وثروات العالم الثالث، واستهدافه بإثارة الفتن والقلاقل والنعرات؛ لينشغل هذا العالم المنتفخ بالغرور بكوارثه الداخلية التي بات معظمها أمرا واقعا لا يمكن التعامي عنه.. في ظل غياب تام لقيادات سياسية مؤهلة لأداء أدوار على هذا النحو المشار إليه من الخطورة والحرج.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock