لسنوات طويلة.. ظلت الصورة المنطبعة في الأذهان حول عيد الأضحى، ترتبط بذلك الخروف المشاكس بقرونه القوية، وتلك الجلبة التي يثيرها في المكان، والذي يتسابق الكبار والصغار على إطعامه.. قبل أن يصمت للأبد ويستقر في البطون، وفي حياة كل قامة من قاماتنا الأدبية ذكريات تستحق أن تروى حول خروف العيد.
في كتاب “أنا نجيب محفوظ” لإبراهيم عبد العزيز يقول نجيب محفوظ “حضرت عيد الأضحى في طفولتي في الجمالية، ثم في أماكن أخرى كثيرة والذكريات المحفورة في ذهني” وروى أديب نوبل كيف كان يشاهد من خلف المشربية في صغره، ذبح الأضحية بعد صلاة العيد بميدان بيت القاضي الذي كانت تملؤه الزينات، كما ذكر تفاصيل كثيرة عن الجنيه الذهب الذى كان يأخذه من والده كعيدية، وبدلة العيد التى كانت تبيت في حضنه؛ حتى يرتديها صباح أول أيام العيد.
تفاصيل أخرى عن علاقة نجيب محفوظ بالخروف، رواها الكاتب الكبير محمد سلماوى في مقال بالأهرام “فى حي الجمالية بالقاهرة القديمة، نشأت علاقة صداقة وطيدة بين خروف العيد الذي أمضي عدة أسابيع في بيت إحدى عائلات منطقة بيت القاضي، والابن الأصغر لتلك العائلة، وقد كان هذا الابن طفلا صغيرا يدعي نجيب محفوظ”.
ويضيف “بعد ذلك بسنوات، حين صار هذا الطفل أحد أكبر أدباء العالم، قال إنه كان يطعم الخروف بنفسه كل يوم طوال تلك الفترة، وكان يلهو معه وكأنه حيوان أليف سيمضي بقية حياته في هذا البيت، فتعوّد علي وجوده وصار يعود من المدرسة، فيصعد إلي السطح ليطمئن علي الخروف وعلي أكله، ثم يقوم بفك وثاقه ليلعب معه إلي أن يتنبه والداه لغيابه فينزلاه إلي البيت لكي يبدل ملابسه، ويتناول طعامه ويقوم بواجباته المدرسية”.
ويقول “كان ذبح الخروف، بالنسبة للطفل نجيب محفوظ، عملية قاسية علي نفسه لم تقبلها طفولته البريئة؛ فامتنع عن أكل لحمه، وروى بخفة ظله المعهودة أن حزنه علي الخروف المذبوح سرعان ما كان يتبخر؛ عندما تبدأ رائحة الشواء تتهادى فتملأ البيت”.
علاقة توفيق الحكيم الشائكة مع خروف العيد، يمكن أن نلمسها بدقة عند تصفح كتابه “من البرج العاجي” وفيه يقول “إني اتجنب دائما رؤية خروف العيد حيا، وأتحاشى أن أدنو منه أو ألاطفه، أو أعقد بيني وبينه أواصر صحبة أو مودة؛ خشية أن تمضي ساعات فإذا هو أمامي مشويا في طبق، ينظر إلي بعينين يسيل منهما الدهن والزبد، نظرات كلها ازدراءٍ؛ لما تكشف له من خلقنا الإنساني المنطوي على الخيانة والغدر، إنى أتخيل دائما معاني هذه النظرات الهادئة العميقة التي تنبعث من عيون هذه الحيوانات الوادعة الأليفة، إنها لأبلغ في إنسانيتها أحيانا من بعض نظراتنا الآدمية التي يشع منها بريق جشع حيواني، ونهم مفترس قد لاتعرفه غير الضواري، إنى لاتخيل هذا الحديث الذي يمكن أن يدور بيني وبين هذا الخروف لو أنه منح القدرة على الكلام”.
وعن الخروف في حياة طه حسين، تقول زوجته الفرنسية سوزان في مذكراتها “كان طه يحدثني عن أبويه بحنان، وقد عرفت أن أمه تكسر أربعين بيضة لصنع عجة البيض العائلية، وأن أهله في العيد الكبير (عيد الأضحى) كانوا يشترون عجلا وخروفا، الخروف للبيت والعجل لتوزيعه على الفقراء”.
وللأديب الراحل جمال الغيطاني، مقال في إحدى الصحف العربية، يصف فيه ذكرياته خلال عيد الأضحى وفيه يقول “…عرفت طريقي إلى ضريح ومسجد سيدنا الحسين مع الوالد مرتين في العام، الأولى في العيد الصغير الذي نفطر فيه بعد صيام شهر رمضان، والثاني العيد الأكبر(عيد الأضحى). كنت أنام مبكرا محتضنا ملابسي متطلعا إلى الصباح الباكر حيث أصحب أبي لصلاة العيد، بالتحديد في مسجد الحسين، يفيض هذا المكان بالضوء والسكينة والسجاد الأحمر الياقوتي الذي يفرش أرضه، والأخضر الخصب الذي يصبغ غطاء الضريح، ولون الرخام الأبيض المشرب بحمرة، وألوان الخطوط التي تكون الآيات القرآنية المعلقة على الجدران، إضافة إلى زرقة السماء القاهرية، إنها الألوان الأساسية في ذاكرتي، بمخيلتي الاولى”.
خروف العيد هو سر الفرحة التي ترتسم على وجوه الكثيرين في مصر، داخل الوسط الأدبي وخارجه وهو الأمر الذي يعبر عنه وجود عدد كبير من الأغاني التي تقوم بإحياء هذه المناسبة السنوية، ومن بينها أغنية “جانا العيد ونعيد ونذبحك يا خروف سيد”، والتي غناها مجموعة من الأطفال.