تدخل شبكة وتنظيم القاعدة، بمقتل زعيمها أيمن الظواهري المعلن في 2 أغسطس 2022، أزمة جديدة وأعمق مما عرفته طوال فترة زعامته لها، حيث لم ينل الإجماع الذي عرفه سلفه أسامة بن لادن وعرفه التنظيم في ظل قيادة مؤسسها وزعيمها الأول، الذي قتل على يد القوات الأمريكية في أبوت آباد في باكستان في 2 مايو سنة 2011.
فقد شهدت فترة زعامة الظواهري للقاعدة، انقسامات القاعدة وفروعها وانشقاق وصعود داعش عنها وتصدرها للمشهد الجهادي العالمي، وتراجع حضور القاعدة وفروعها، وخفوت إعلامها وصوت زعيمها الظواهري الذي كان آخر ظهور له قبل عام من مقتله في سبتمبر سنة 2021 الذكرى العشرين لعمليات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وتواترت الروايات مرات عديدة عن مقتله كما كان يوم السبت 13 نوفمبر 2020، بعد أن نشر الصحافي حسن حسن المتخصص في الإرهاب في العالم العربي، تغريدة له رجح فيها وفاة الظواهري لأسباب طبيعية، منذ شهر تقريبا، استنادا لاستنتاجاته التي أيدتها مصادر مقربة لتنظيم حراس الدين، كما أكد مصدر آخر له أن قتل إيران للقيادي في القاعدة أبو محمد المصري، كان لترتيب البيت الداخلي وتوجهات القاعدة في مستقبل الأيام..
وشهدت القاعدة انشقاقات وصراعات داخلية عديدة في عهده، وخسرت كثيرا من فروعها التي تحولت لبيعة داعش، ما جعل مستقبل القاعدة مجهولا، مع تعرضها لشتات أكبر بعد وفاته وصعوبة التوافق على خليفة له؛ يتمتع بشهرته ورمزيته ورمزية سلفه أسامة بن لادن بعد نجاح الاستراتيجية الأمريكية في استهداف قيادات القاعدة وصفوفها الأولى والثانية على الأقل.
ونلاحظ هنا أن مقتل الظواهري كان عبر استخدام طائرة بدون طيار تحمل صاروخا اصطاد هدفه بدقة، بينما تصفية كل من أسامة بن لادن، ومن بعده أبي بكر البغدادي في أكتوبر سنة 2019 كانت عبر عملية اقتحام ومداهمة من قبل الفرق والقوات الخاصة، وحدث اشتباك خلالهما كما حدث مع خليفة داعش السابق عبد الله قرداش، حيث تختلف خطط العمليات من مكان لآخر، ومن ظروف واقعة عن سواها، فقد يكون الممكن الاقتحام كما كان في الحالات السابقة، أو عبر طائرة بدون طيار وهي الطريقة التي أكثر منها الأمريكيون منذ عام 2006، في اليمن والعراق وسوريا وأفغانستان.
جاء استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية عبر الطائرات المسيرة بدون طيار أو عبر قوات خاصة؛ جزءا من استراتيجية المطرقة أو الإرادة الصلبة التي تستهدف قيادات ورؤوس التنظيمات الإرهابية، وتستمر منذ عام 2006، تدخل القاعدة أزمة عميقة جديدة تهدد وجودها بل نتوقع معها نهاية محتملة لتنظيم القاعدة ينتهي بها حضورها الخافت لصالح تشرذم وشتات فروعها وعناصرها الباقية أو لصالح الانضمام لداعش في بؤر الصراع تحديدا.
الغياب هو الأصل للظواهري:
قبل وفاة أسامة بن لادن وحين كان الظواهري الرجل الثاني في التنظيم كان ظهوره وحضوره أكثر منه عند توليه زعامة التنظيم وكونه الرجل الأول فيه، وهو ما يعكس صعود أزمة التنظيم الأم للجهادية المعولمة، وانكشافه، حيث توالت ضربات عدد من أبرز قياداته الكبرى مثل عطية الله الليبي وأبو يحيي الليبي وآدام غادان وغيرهم، ثم ظهرت داعش سنة 2013، التي انفصلت بالجزء الأكبر من فروع التنظيم وعناصره، وزاد هاجس الظواهري الأمني فالرجل لم يعد يظهر ولا يحمل هاتفا محمولا منذ سنوات، كما زادت إجراءاته في الاختفاء ولا يثق إلا في مجموعة قليلة تحيط به، خاصة وأنه فقدَ زوجته الأولى وجميع أبنائه منها عام 2001، كما فقدَ زوجة أخرى اعتقلتها السلطات الباكستانية في أغسطس سنة 2019، أيضا مع أسرتين أخريين.
هكذا نرى أن مقتل الظواهري، الذي لم ينل قبول وكاريزمية أسامة بن لادن بين الجهاديين، هو الأصل والظهور هو الاستثناء منذ خمس سنوات على الأقل، وكان يتأخر ظهوره ويخرج ليفاجئ أنصاره ومتابعيه أنه لا يعلق على أحداث كثيرة كان منتظرا أن يذكرها، فهو لم يعلق مثلا على مقتل أبي محمد المصري في أغسطس 2020، أو إعدام الإرهابي المصري هشام عشماوي في 4 مارس الماضي 2020، أو يعلق على الصراع المتصاعد والمحتدم بين حراس الدين (تنظيم تابع للقاعدة في سوريا تأسس في فبراير سنة 2018) وهيئة تحرير الشام التي كانت تتبعه حين كانت تسمى جبهة النصرة..
لعل أبرز المرشحين لخلافة الظواهري هو سيف العدل القيادي المصري والعسكري بالتنظيم، والمختفي بإيران، والذي قيل أنه عاد لأفغانستان قبل سنوات، ولكن نتوقع استمرار الأزمة وصعوبة التوافق على خليفة للظواهري بين بقايا القاعدة، فروعا وعناصر، وأن النهاية المحتملة هي التي تلوح للأفق كإعلان لوفاة تنظيم القاعدة خلال سنوات بعد وفاة زعيميه الأبرزين ورحيل كثير من الفاعلين في قيادته المركزية منذ عام 2008 و2011 بالخصوص، ومغادرة بعضهم الآخر لها وللفكر المتطرف والمراجعات أو السياسة منذ سنوات.