“النصف هو أن تصل أو لا تصل وهو انت عندما لا تكون أنت ونحن في منطقة النصف نريد أو لا نريد وإذا سألت هل نحن دولة مدنية أم دينية؟ أقول لك كل ما يحدث أمامي يؤكد أننا في مساحة النصف فلا نحن دولة دينية بمعناها الكامل، ولا نحن دولة مدنية بمفهومها الشامل بحيث تمنع تدخل الدين ورجاله في السياسة”.
في كتابه “حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة” يجيب الدكتور حسام بدراوي السياسي والأكاديمي البارز على عدد كبير من تساؤلات الشباب حول شعار “الجمهورية الجديدة” الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي يرى فيه بدراوي فرصة لصفحة جديدة من تاريخ مصر يمكن أن تفتح، ويتعين على النخبة أن تشارك على الأقل بالرأي في وضع أسسها.
ويتساءل بدراوي محاولا تحليل الواقع المصري “هل نريد مكافأة المنتج القادر الملتزم أم محاباة الجميع وتوزيع الارباح على من لا يكسب، ومن لا يعمل ومن لا يتميز؟ هل نريد سياحة فعلا؟ أم سياحًا نختارهم بمزاجنا، ويتقبلون معاملتنا السيئة لهم حتى لو كانت بغرض حمايتهم لأننا نريدهم ولا نريدهم في الوقت نفسه؟ الإجابة عن كل هذه التساؤلات تلخصها عبارة “نحن في النصف” والنصف هو الرخاوة والسيولة وعدم السير في اتجاه وهو يدمر كل شيء مهما حسنت النية ومهما كانت الوطنية، فلتقل الحكومة كلمتها ولتعلن ولتنفذ، اقتصادا وتنمية، تعليما وصحة، خدمات وحقوقا وإصلاح، تعلن ما تصبو إليه، وما ستحققه وتأخذ جانبا رغم غضب البعض ورغم عدم الحصول على أغلبية مطلقة، ولكن لا نقف في النصف حيث لا نحصل على ميزة الديكتاتورية بل كل خطاياها ولا ميزة الديموقراطية بل نحصل على أعطالها في اتخاذ القرارات التي يمكن أن تعبر بنا نفق الجهل والفقر والمرض، فالنصف لا ينفع البلاد في شيء الآن”.
ويقرر بدراوي حقيقة في كتابه “كل نظام حكم له مميزات وعيوب نراها ونعرفها فالديكتاتورية في الحكم بالرغم من عدم تأييدنا لها إلا أن لها فوائد أحيانا، والديموقراطية بالرغم من دعوتنا لها إلا أن لها أضرارا أحيانا”.
ويضيف “رؤى المستقبل لأي أمة متداخلة ولا يمكن النظر لمصر المستقبل جزئيا بل لابد أن تحوط رؤيتنا للإصلاح جميع جوانبه سواء كان ذلك سياسيا او اجتماعيا او اقتصاديا أو ثقافيا فتماسك الإصلاح واستدامته يرتبطان بالتنمية في جميع مجالاتها، إن القدرة على الاختيار هي موضوع الساعة وموضوع المستقبل أن نستكشف فرص جديدة في كل ازمة تواجهنا يمكن استثمارها والتنمية من خلالها”
ويضيف “آفة مصر هي التوجه صوب العَرَض وليس المرض، هروبا من مواجهة الواقع الذي يحتاج تغييره إلى شجاعة ومثابرة واستدامة ومسئولية وشغف، وكل الحلول يجب ان يكون دافعها إرادة سياسية ومشاركة من المجتمع، وهو ما لن يحدث بدون إرادة تفهم وتوجه سياسي مستدام لفترة تسمح بالتأثير.. إذن البداية من السياسة وأسلوب الحكم”.
ويقول دكتور بدراوى في كتابه “مشروع الإصلاح لتحقيق نهضة مصر ليس أرقاما على ورق ولا جملا صماء ومعاني مجردة، إن روح الإصلاح يمثلها في النهاية الإنسان، فوراء الأفكار أفراد وجماعات وكيانات يزداد عددها يوما بعد يوم؛ لتصبح في لحظة فارقة حجما حرجا من سرعة الإنجاز، يؤتي نتائج أعمق وأسرع وأكثر تأثيرا، إن الإصلاح يظل بلا قيمة إذا ظل حبيس الأوراق، بل يمرض ويموت إذا لم يخرج إلى الحياة، ويصبح لامعنى له إذا كان هدفه هو الفوز الذي يحققه فرد أو مؤسسة في نقاش أو جدل سياسي أو صوت يعلو على صوت أخر في تنافس حول من يكسب الجماهير أو من يحصل على السلطة”.
ويضيف “إن الإصلاح التاريخي تظهر قيمته التاريخية والمستقبلية عندما يصبح حقيقة مفعلة وعندما يتم تنفيذه ليظهر أثره على المجتمع وكما تتجدد الأفكار يجب أن تتجدد الوسائل وروح الإصلاح في المرحلة الجديدة تحتاج إلى آليات جديدة، إن رؤية المستقبل لابد ان تعتمد على واقع تحكمه قواعد استقرت في العقول والنفوس ولابد أن تكون لدينا القدرة على التعامل معها، إن رؤيتي السياسية التي أدعو المجتمع إلى الالتفاف حولها تؤمن بالحرية في إطارها الأعم والأشمل وبالدولة المدنية والتعددية السياسية واحترام الرأي الأخر قولا وفعلا، وبالمواطنة التي تحمي كل مصري بغض النظر عن اعتقاداته الدينية وآرائه السياسية، وأؤمن بأن هناك وسائل مختلفة لتحقيق نفس الأهداف، وأن الشعب من خلال وسائل ديموقراطية نزيهة هو من يختار من يراه مؤهلا لتحقيق هذه الأهداف، إن الذي يضمن الاستدامة وتراكم الخبرات هو التداول السلمي للسلطة السياسية محددة المدة في إطار الشرعية الدستورية”.