فن

فاتن أمل حربي أم فاتن حمامة وأريد حلًا؟!

ليس جديدا أن نرى معالجة درامية أو سينمائية لقضايا المرأة المصرية، لقد تكرر ذلك كثيرا، فمن ينسى أفلاما مثل: “أريد حلا” عن صعوبة حصول المرأة على الطلاق و”آسفة أرفض الطلاق” عن الطلاق الغيابي.. وغيرهما من الأعمال الفنية.. ولكن اللافت للنظر أننا هذه المرة أزاء عمل درامي، اختار صناعه أن يدحرجوا أمام أعيننا –على مدار حلقاته– كرة هائلة من الثلج، لتندفع بقوة لتطيح –في طريقها– بحيوات عدد كبير من النساء اللائي ترى كل واحدة منهن –في نفسها– فاتن أمل حربي، الشخصية التي نجحت الفنانة نيللي كريم في تصدير حالة  المعاناة التي تعيشها طوال حلقات المسلسل لنا جميعا.

ورغم أن ساحات التواصل الاجتماعي، لم تشهد كالعادة إجماعا على المسلسل، حيث بدا الأنقسام سيد الموقف، كما هو الحال في أحيان كثيرة، عندما يتعلق الأمر بأعمال فنية تصر على أن تصرخ في وجه المجتمع، رافضة مشاركة البعض التواطؤ بالصمت؛ بسبب جريمة ترتكب في حق المرأة، إلا أن أحدا منا لا يمكن أن ينكر، أن هذا المسلسل قد نجح في أن يلقي حجرا في المياه الراكدة، وأن ينبه إلى ضرورة إعادة النظر في الكثير من قوانين الأحوال الشخصية.

ولا يجب أن تتوه الحقيقة في ظل دفاع قطاعات جماهيرية عن المسلسل، وهجوم أخرى عليه.. فهو يبقى –بأي حال– عملا فنيا لا يعلو فوق مقاييس النقد، ولايصل إلى حد الكمال، إلا أن الانصاف يقتضي أن ننتبه إلى أن ثمة جرس إنذار يتردد صداه بقوة، ولايجب أن نصم الأذان عنه، هذه هى الرسالة الأكبر التي يسعى المسلسل إلى إيصالها إلى كل من يهمه الأمر، فالدراما تبقى أداة للوعي والتأثير في الذوق العام، وليست منوطة بإصدار تشريعات أو تغيير قوانين في نهاية المطاف.

نجافي الحقيقة إذا دفنا رؤوسنا في الرمال كالنعام، إذا اعتبرنا الأمر وجبة درامية مسلية لبعض الوقت؛ ليمضي كل منا في طريقه، وكأن شيئا لم يكن، فالحقيقة أن هناك أسر كثيرة تتعرض للانهيار؛ بسبب ثغرات في قوانين الأحوال الشخصية التي صدرت منذ وقت طويل، ولم يكن المجتمع يعاني آنذاك من هذا الكم من المشكلات التي نراها الآن في عصر السوشيال ميديا، والتي هدمت الكثير من القواعد الثابتة التي لم نتخيل يوما أن تتزحزج ولو قليلا من مكانها.

“الخناقة” التي تتجسد بين فريقين أحدهما ذكوري، والأخر نسوي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بسبب المسلسل؛ تبدو –في جزء منها– تعبيرا واضحا عن غياب القدرة لدينا على إدارة أى حوار حول القضايا الخلافية، في قانون الأحوال الشخصية، للخروج برؤية توافقية يمكن أن تنجح في علاج التصدعات الحادة التي تعصف بالعديد من الأسر؛ خاصة عندما تضطر الظروف الزوجين إلى اللجوء إلى أبغض الحلال، لتبدأ بعد هذا معركة أشده قسوة يسعى كل طرف فيها، للانتقام من الطرف الآخر في كل ساعة وتحويل حياته إلى جحيم.

في سياق الجدل المحتدم الآن على مواقع التواصل الاجتماعي، حول قانون الأحوال الشخصية، لايجب أن يكون كل منا مشغولا بسؤال: مع من يكون؟ وضد من يقف؟ بقدر ما يجب أن يكون مهتما بأن يصبح جزءا من الحل لقنبلة موقوتة توشك أن تنفجر، وتأخذ في طريقها الكثير مما تبقى من إنسانيتنا، فلا يجب أن يكون الكيد والكيد المتبادل، وسيلة لإدارة الخلافات فيما بيننا، خاصة أن التاريخ الطويل أثبت أنه لم ينجح أبدا في حل أى مشكلة اجتماعية.

قضية الحضانة التي تطرق إليها المسلسل، في حالة انفصال الزوجين، مشكلة يعاني منها المجتمع المصري  منذ وقت طويل، ويذهب العمل الفني إلى ضرورة إعادة النظر في النص التشريعي المنظم لها؛ خاصة في ضوء التصريحات التي أدلي بها الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والذى أكد فيها أن القرآن الكريم والسنة النبوية لم يتضمنا نصا صريحا بنقل الطفل من حضانة أمه إلى حضانة أبيه عندما يبلغ عمره 7 سنوات، كما أن قضية فقدان الأم المطلقة الحضانة في حال زواجها تحتاج إلى قدر كبير من النقاش المجتمعي للوصول إلى الوضع الأنسب للطفل؛ كي ينشأ في بيئة تربوية سليمة، كما لايجب أن تظل المرأة المطلقة حائرة بين خيارين كلاهما مر، فإما أن تفقد أمومتها أو أن تحكم على نفسها بالموت!

في الوقت نفسه.. لايجب أن نغفل أن هناك رجالا؛ يتجرعون من الكأس المر نفسه، عندما يقع الطلاق وأن الكثيرين منهم يشكون مر الشكوى من أنهم لايتمكنون من الحصول على أبسط حقوقهم في رؤية صغارهم وهم حضانة الأم، وقد تابعنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية حالات كثيرة من هذا النوع، لكن قضية شائكة كهذه يمكن إذا فتح باب الاجتهاد فيها أن نصل إلى حلول كثيرة للمشكلة بعيدا عن ظلم طرف على حساب الطرف الأخر.

إن البراعة الكبيرة التي أدى بها كل أبطال المسلسل دورهم جعلت دموع البعض منا تنساب، وهم يتابعون المأساة اليومية التي تعيشها “أمل” موظفة الشهر العقاري التي دفعتها الظروف إلى الانفصال عن زوجها “سيف” بعد عشر سنوات زواج لتتحمل مسئولية تربية صغيرتيها، ولكنها تجد نفسها بلاحيلة وسط القانون الذى ينصف الزوج دوما، والتي تكتشف عندما تعصف بها الحياة جهلها بالكثير من النصوص القانونية رغم عملها بالشهر العقاري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock