ثقافة

عائشة التيمورية.. شاعرة بلغات ثلاث دافعت عن حقوق المرأة

“اِنى أَلفت الحُزنَ حَتّى إِنَّني، لَو غابَ عَنّي ساءَني التَأخير” أبيات خالدة للشاعرة الكبيرة عائشة التيمورية، التي أعلن الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، عن إدراج اسمها مؤخرا ضمن مشروع حكاية شارع الذي يسعى إلى التعريف، بعدد من الشخصيات المهمة التي أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع خاصة في القاهرة.

عائشة التيمورية توصف بأنها واحدة من نوابغ الأدب المصري، إذ كانت تكتب الشعر بثلاث لغات هي: العربية والتركية والفارسية،  تاركة قصائد تفيض عذوبة وإحساسا؛ مازال أهل اللغات الثلاث يستمتعون بها رغم مرور كل هذه السنوات.

موهبتها الشعرية بالغة الغزارة؛ عبرت عنها الأديبة الكبيرة مي زيادة في كتابها “عائشة تيمور.. شاعرة الطليعة” بعبارات قاطعة إذ قالت: “التيمورية شعرها بالعربية لغة وطنها المصري، وبالتركية لغة آبائها، وهي لغة لا يزال التخاطب بها في بعض الأسر ذات الأصل التركي، وقالته بالفارسية التي هي لفئة من أدباء العرب والترك.. لغة «مدرسية»، شأنها عندهم شأن اليونانية واللاتينية عند الغربيين.. ليس بوسعي درس شعرها غير العربي لجهلي باللغتين اللتين كتب بهما، على أني أذكر هنا شبه شهادة سمعتها عرضًا من شقيقها أحمد تيمور باشا. وهي قول المغفور له السلطان حسين لسعادته أنه «يفكر فيه كلما رأى ابنته قدرية تقرأ في ديوان السيدة عائشة”.

عائشة التيمورية

رافق الشعر عائشة التيمورية حتى في أشد لحظات حياتها مأساوية، وهو ما يتجلى بوضوح في الأبيات التي رثت بعا ابنتها توحيدة، التي فارقت الحياة وهي في الثانية عشرة من عمرها، وهو ما هز كيان الأم التي فقدت بصرها بصورة جزئية من شدة الحزن، قبل أن يعود إليها بصيص من النور بعد ذلك.

لم تكن عائشة التمورية مجرد شاعرة حيث تصدرت لفترة طويلة صفوف المدافعين عن حقوق المرأة المصرية، والتي كانت تعاني كثيرا خلال تلك الفترة، ووصلت جرأة  التيمورية إلى قيامها بشجاعة تحسد عليها بفتح أحد الملفات المسكوت عنها، في تلك الفترة وهو معنى القوامة، كما طالبت الأزواج بالامتثال لصحيح الدين والإحسان إلى زوجاتهم، وفي سبيل نشر دعوتها الإصلاحية، لم تتردد لحظة في طرق أبواب الكثير من الصحف، حيث نشرت أكثر من مقال لشرح فكرتها.

في الوقت الذي كانت أغلب نساء مصر يعشن في الحرملك، فإن عائشة التمورية تمردت بصورة عملية على الكثير من تقاليد المجتمع وأصرت على أن تلقي حجرا في المياه الراكدة من أجل إزاحة أفكار عفا عليها الزمن، وأصبحت القطيعة بينها وبين الواقع ظاهرة للعيان.

ولدت عائشة عصمت بنت إسماعيل باشا والتي اشتهرت عبر التاريخ باسم عائشة اليتمورية في عام 1840، في بيت أحد الأسر الثرية في حي درب سعادة، والذي كان يقطنه علية القوم في مصر في تلك الفترة.

تميزالبيت الذي ولدت فيه بتقديره للعلم، ولهذا السبب تمكنت من إتقان ثلاث لغات، حيث استقدم أبوها الكثير من المعلمين؛ من أجل تعليم ابنته.. في الوقت الذي كان خروج المرأة من المنزل في تلك الفترة أمرا غير مقبولا من قبل الكثرين.

وهى ابنة إسماعيل باشا تيمور رئيس القلم الإفرنجي للديوان الخديوى في عهد الخديوي إسماعيل، وهو منصب يعادل منصب وزير الخارجية حاليا.

صدر لها ديوان باللغة العربية حمل عنوان “حلية الطراز” وآخر بالفارسية طبع بمصر وبالأستانة وبإيران، ولديها رسالة في الأدب بعنوان “نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال” كما صدرت لها رواية بعنوان “اللقا بعد الشتات”.

والدتها هي ماهتاب هانم شركسية تنتمي للطبقة الارستقراطية، وهي أخت غير شقيقة للأديب أحمد تيمور، الذي يصغرها بنحو ثلاثين عاما، والذي تولت تربيته وتعليمه بعد وفاة والدها، وكان عمره عاما واحداً، كما أشرفت على تربية ابنيه محمد ومحمود تيمور.

لم يخل رحيل التيمورية من مأساة؛ مثل الكثير من المحن التي راففتها في حياتها حيث أصيبت بمرض في المخ، وظل الألم يلاحقها في صحوها وفي نومها حتى رحلت عن عالمنا في 1902، بعد أن حفرت اسمها بحروف من نور في سجل الخالدين، الذين مروا يوما فوق تراب هذا البلد والذين لا يمكن أبدا أن يسقطوا سهوا من الذاكرة مهما طال الزمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock