لم تكتسب مؤتمرات القمة العربية أبعاد الظاهرة المتكررة إلا مع مطلع عام 1964، برغم أن أول لقاء جمع حكام الدول العربية لبحث التدابير الكفيلة بإحباط المساعي الصهيونية للاستيلاء على فلسطين وإقامة دولة يهودية – كان في مصر في مدينة أنشاص عام 1946،
والواقع أن الدافع وراء انعقاد مؤتمر القمة العربية عام 1964، كان التوسع الصهيوني في الوطن العربي؛ وبالتحديد ما ظهر من المحاولات الإسرائيلية الخاصة بتحويل مجرى نهر الأردن.. ولأنه كان ضروريًا اتخاذ موقف عربي موحد، إزاء هذه التحديات الجديدة والخطيرة؛ فقد تولى الزعيم المصري جمال عبد الناصر زمام المبادرة، عندما ألقى خطابًا في 23 ديسمبر 1963، وجه فيه الدعوة إلى عقد اجتماع لملوك ورؤساء الدول العربية، لمواجهة التحديات الإسرائيلية.
دوافع مؤتمرات القمة
وقد تمثلت هذه الدعوة في نقطتين: الأولى أن مسئولية قضية فلسطين تقع على عاتق العرب جميعا، من حيث كونها تمثل معركة المصير بالنسبة للأمة العربية؛ والثانية أن ما يشوب العلاقات العربية من ظلالٍ لابد أن يتلاشى أمام واجب التعاون لدرء خطر العدوان على الأمة العربية.
وبناءً على هذه الدعوة التي لاقت تجاوبا جماعيا من الدول العربية، عُقد الاجتماع الأول في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في 13 يناير 1964.
وبالرغم من عدم دورية مؤتمرات القمة العربية، إلا أن الملاحظة الأهم في ما يتعلق بها، أن المعطيات التي سادتها؛ قد اختلفت باختلاف الظروف والملابسات التي مرت بها الأمة العربية خلال ما يقارب نصف قرن من تاريخها.
فلسطين ومؤتمرات القمة
فهناك المرحلة الأولى، مرحلة ما قبل حرب 5 يونيو 1967، وهي المرحلة التي شهدت انعقاد مؤتمرات ثلاثة من مؤتمرات القمة العربية.
ـ مؤتمر القمة الأول في القاهرة من 13 ـ 16 يناير 1964، وقد صدر عنه بيان مقتضب، جاء فيه: “إن مؤتمر ملوك ورؤساء دول جامعة الدول العربية، قياما بواجب الدفاع المشترك، وإيمانا بحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره والتحرر عن الاستعمار الصهيوني لوطنه، قد اتخذ القرارات العملية اللازمة لاتقاء الخطر الصهيوني، وتمكينه من القيام بدوره في تحرير وطنه وتقرير مصيره”.
وانتهى البيان إلى مجموعة من القرارات أهمها: “إنشاء بيان فلسطيني يجمع إرادة شعب فلسطين، ويقيم هيئة تطالب بحقوقه”.
وقد تحقق الكثير مما تقرر في مؤتمر القمة العربي الأول، ومن ضمنها هذا القرار الهام. فانعقد المجلس الوطني الفلسطيني في القدس يوم 28 مايو 1964، وكنتيجة له أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية، واتخذت الخطوات اللازمة لإقامة الجيش الفلسطيني.
ـ أما مؤتمر القمة الثاني المنعقد في الإسكندرية من 5 ـ 11 سبتمبر 1964، فقد جاءت قراراته مُكمّلة لقرارات المؤتمر الأول. وفي ما يخص القضية الفلسطينية، فقد أقر المؤتمر “تحديد الهدف القومي في تحرير فلسطين، والترحيب بقيام منظمة التحرير الفلسطينية دعما للكيان الفلسطيني، واعتماد إنشاء جيش التحرير الفلسطيني”.
ثم جاء مؤتمر القمة الثالث في الدار البيضاء من 13 ـ 18 سبتمبر 1965، وجاءت قراراته لتستهدف بالدرجة الأولى تنقية الأجواء العربية المشحونة بالصراعات العقائدية وسياسات المحاور والتكتلات الفرعية. ومن أهم قراراته، التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية: “إقرار الخطة الموحدة للدفاع عن قضية فلسطين في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، ومقاومة كل المحاولات الرامية إلى تصفية قضية اللاجئين”.
وفي ما يبدو، لم تظهر قضية القدس في أي من قرارات مؤتمرات القمة العربية خلال المرحلة التي سبقت حرب يونيو 1967، إذ إن التركيز كان مهموما بتنقية الأجواء العربية، والتعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها قضية عامة.
فلسطين والخلافات العربية
ثم هناك المرحلة الثانية، المرحلة التي تلت النكسة، وسبقت حرب أكتوبر:
ـ مؤتمر القمة الرابع في الخرطوم من 29 أغسطس ـ 1 سبتمبر 1967، وقد اشتهر هذا المؤتمر بـ”اللاءات” الثلاث: “لا صلح مع إسرائيل، لا اعتراف بها، لا صلح معها”.. هذا إضافة إلى إقرار المؤتمر بـ: “التمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه”.
ـ أما مؤتمر القمة الخامس في الرباط 16 ـ 23 ديسمبر 1969، فقد جاء انعقاده بعد فترة من التلكؤ والتعثر نتيجة لعودة الخلافات العربية التي حالت دون عقده في موعده الأصلي قبل عام. وقد حالت الخلافات التي زادت حدتها أثناء المؤتمر؛ دون توقيع بعض الدول العربية على البيان النهائي له.
ثم كان مؤتمر القمة الاستثنائي المنعقد في القاهرة من 22 ـ 25 سبتمبر 1970، الذى انعقد على عجل لبحث الوضع المتفجر، بين قوات المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني. وقد توفي الرئيس جمال عبد الناصر في إثر الانتهاء من وقائع هذا المؤتمر في 28 سبتمبر 1970.
ولم تظهر قضية القدس أيضا في أي من قرارات مؤتمرات القمة العربية خلال هذه المرحلة التي سبقت، بل إن الملاحظ أن الخلافات العربية قد تفاقمت خلال هذه المرحلة، ما كان له أكبر الأثر في توقف ظاهرة المؤتمرات العربية قرابة أربع سنوات.
فلسطين ومرحلة التسوية
ثم هناك المرحلة الثالثة أي المرحلة التي امتدت من حرب أكتوبر 1973، إلى توقيع معاهدة السلام بين حكومة مصر وإسرائيل معاهدة كامب دافيد سبتمبر 1978.
في خلال هذه المرحلة، عقدت ثلاثة مؤتمرات قمة عربية هي:
انعقد مؤتمر القمة السادس في الجزائر من 26 ـ 28 نوفمبر 1973، من منطلق تقويم نتائج حرب 1973. والملاحظ أن هذا المؤتمر قد طرح لأول مرة مقولة “اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”. إلا أن الأردن كان قد تحفظ على هذه المقولة.
أما مؤتمر القمة السابع في الرباط من 26 ـ 30 أكتوبر 1974، فقد انعقد في ظل تصاعد الخلافات العربية، وخصوصا بين دولتي المواجهة مصر وسورية حيث اعتبرت الأخيرة أن السياسات التي تبنتها الأولى، هي سياسات انفرادية وضارة بالتضامن العربي.. والملاحظ أن هذا المؤتمر قد أقر –بصورة نهائية– مقولة “منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
وجاء مؤتمر القمة الثامن في القاهرة من 25 ـ 26 أكتوبر 1976، ليشهد تفاقم الخلافات العربية، وذلك نتيجة لتوقيع مصر على اتفاقيات “فصل القوات” في سيناء في نهاية عام 1975.
الملاحظة التي نود تثبيتها، في شأن هذه المرحلة، أن قضية القدس قد ظهرت لأول مرة، في مؤتمر القمة العربي السادس 1973، وذلك في قرار أسماه المؤتمر “من أهداف المرحلة الحالية للنضال العربي المشترك” جاء فيه حول القدس: “تحرير مدينة القدس العربية، وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بسيادة العرب الكاملة على المدينة المقدسة”.
القدس ومؤتمرات القمة
ثم هناك المرحلة الرابعة، المرحلة الممتدة من عام 1978، وحتى حرب الخليج الثانية (شتاء 1991) وهي المرحلة التي شهدت انعقاد “ستة” مؤتمرات للقمة هي:
ـ المؤتمر التاسع في بغداد من 2 ـ5 نوفمبر 1978، ثم المؤتمر العاشر في تونس من 20 ـ 22 نوفمبر 1972، ومن بعده المؤتمر الحادي عشر في عَمّان من 25 ـ 27 نوفمبر 1980، والثاني عشر في فاس من 6 ـ 9 سبتمبر 1982، ثم جاء مؤتمر القمة “غير العادي” في الدار البيضاء في أغسطس 1985، وأخيرا مؤتمر “القمة غير العادي” في بغداد مايو 1990.
وفي ما يبدو خلال هذه المرحلة، فقد تكرر تناول قضية القدس في قرارات تلك المؤتمرات. ففي المؤتمر العاشر جاء “إن تحرير القدس العربية، واجب والتزام قومي”.. وفي المؤتمر الحادي عشر، جاء الإعلان عن “رفض جميع الإجراءات التي قامت بها إسرائيل، ومطالبة جميع دول العالم باتخاذ مواقف واضحة ومحددة في مقاومة الإجراءات الإسرائيلية”.
أما المؤتمر “غير العادي” الذى انعقد في بغداد عام 1990، فقد قرر “اعتبار القدس عاصمة لدولة فلسطين، وأن أي مساس بوضعها الديني والقانوني والحضاري، هو انتهاك صارخ للمواثيق والقرارات الدولية”.
ثم هناك أخيرا المرحلة الخامسة الممتدة من “حرب الخليج شتاء 1991” إلى وقتنا الراهن؛ وهي المرحلة التي ليست في حاجة إلى تعليق؛ إذ إن كافة ظروفها وملابساتها معروفة للكافة.