رؤى

التصعيد في أوكرانيا.. يجب أن ينتهي

ترجمة: كريم سعد

بعد ثلاثة أشهر من الغزو الروسي، لم تعد أوكرانيا تتحدث على وجه التحديد عن حلف شمال الأطلسي، بل عن سلسلة من الضمانات الأمنية “الملزمة” التي يتم السعي إليها الآن من شركائها الغربيين.

وفي الأسبوع الماضي، نشر الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن ومساعد الرئيس الأوكراني أندريه يرماك، الرئيسان المشاركان لمجموعة العمل المعنية بضمانات الأمن الدولي لأوكرانيا، ميثاق كييف الأمني. وتتضمن الوثيقة المفصلة “جهدا متعدد العقود للاستثمار المستدام في القاعدة الصناعية الدفاعية الأوكرانية ونقل الأسلحة القابلة للتطوير والدعم الاستخباراتي من الحلفاء” من خلال اتفاقيات ثنائية “ملزمة” بين أوكرانيا و”مجموعة أساسية من الدول الحليفة” بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وبولندا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وأستراليا وتركيا، بالإضافة إلى دول الشمال والبلطيق وأوروبا الوسطى والشرقية.

وحتى الآن، كانت استجابة الغرب للميثاق المقترح صامتة، لكنها أثارت ردا عدائيا من ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة مجلس الدوما للشئون الدولية في الاتحاد الروسي. واتهم بأن “هذا ليس ضمانا أمنيا، بل هو مشروع اتفاق بشأن مشاركة دول الناتو وحلفائها في الصراع؛ يقترحون ضد روسيا، ضد دولة نووية.. آمل أن يكون جميع شركاء كييف الغربيين على دراية جيدة بما يُطلب منهم الاشتراك فيه”.

تأتي قائمة الضمانات الأمنية التي تصورها راسموسن ويرماك في وقت أصبح فيه دعم – مجلسي الكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية وبين الجمهور بشكل عام؛ لسياسة إدارة بايدن للوضع في أوكرانيا المتمثلة في إرسال الأسلحة والتمويل وتبادل المعلومات الاستخباراتية –  دعما قويا.

بايدن
بايدن

ولكن مما يثير القلق أن العلاقة بين إجماع الرأي والحكم السليم تميل نحو العكس. وسيتطلب تقرير راسموسن- يرماك زيادة في الموارد الأمريكية تتجاوز المليارات التي ترسلها بالفعل إلى المجهود الحربي الأوكراني، فضلا عن التزام لا يرقى إلى مستوى ضمانات حلف شمال الأطلسي التي لعبت دورا في انفصال روسيا عن الغرب في المقام الأول.

وفي حين أن التقرير الجديد الصادر عن مشروع تكلفة الحرب في جامعة براون لا يأخذ باقتراح الضمانات الأمنية الجديدة مباشرة، والذي نشر في 15 سبتمبر، والذي يستهدف ديناميكيات التصعيد الحالية، ويقدم الحجة الحاسمة لاتباع نهج أكثر حذرا بكثير مما تصوره تقرير راسموسن- يرماك أو إجماع السياسة الخارجية بين الحزبين في الولايات المتحدة (المعروف أيضا باسم “تفجير الفقاعة”).

وينصح التقرير، الذي يحمل عنوان “تضخم التهديدات، والضعف العسكري الروسي، والمفارقة النووية الناتجة عنها: تداعيات الحرب في أوكرانيا على الإنفاق العسكري الأمريكي”، بعدم زيادة الإنفاق الدفاعي للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كرد فعل على حرب فلاديمير بوتين غير القانونية على أوكرانيا.

ويكتب مؤلف التقرير، لايل غولدشتاين، أستاذ زائر للشئون الدولية والعامة في معهد واتسون في جامعة براون، “من المهم ألا تستسلم الولايات المتحدة لتهديد التضخم فيما يتعلق بالتصورات العامة والرسمية لروسيا، لأنه تاريخيا، أدى تضخم التهديد إلى قرارات كارثية ومكلفة بلا داع في السياسة الخارجية الأمريكية”.

روسيا

ويأخذ غولدشتاين القارئ باقتدار وإيجاز عبر التاريخ الطويل لتضخم التهديدات من قبل مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بروسيا، بما في ذلك “الفجوة الصاروخية” الوهمية التي صاغها السيناتور آنذاك. جون كينيدي خلال أواخر سنوات أيزنهاور.

والسبب في أن غولدشتاين، الذي خدم لمدة 20 عاما في هيئة التدريس في كلية الحرب البحرية الأمريكية، ينصح بضبط النفس.. يرجع إلى ما يسميه “المفارقة النووية”. وعلى وجه التحديد، “إذا زادت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من إنفاقهما العسكري وقواتهما التقليدية في أوروبا، فإن ضعف القوات العسكرية التقليدية الروسية يمكن أن يدفع موسكو إلى الاعتماد بشكل أكبر على قواتها النووية”. فبعد كل شيء، على جبهة الأسلحة التقليدية، ينفق الروس أقل بكثير من منافسيهم في الغرب. وكما يشير:

تبلغ ميزانية الدفاع الروسية أقل من 1/10 من ميزانية الدفاع الأمريكية، و 1/5 فقط من إنفاق الناتو (غير الأمريكي) و 6٪ من الإنفاق الدفاعي للناتو على المجموع.

وبالنظر إلى الأداء الضعيف لروسيا في ساحة المعركة وعجزها الواضح عن تهديد أراضي حلف شمال الأطلسي عسكريا، يقول غولدشتاين إن “الغزو الروسي لأوكرانيا، مهما كان مأساويا من وجهة نظر إنسانية، لا يبرر الزيادة الهائلة في الإنفاق الدفاعي الأمريكي الذي يجري التفكير فيه حاليا”.

والواقع أن التقرير يظهر كيف أن دونية روسيا في الأسلحة التقليدية حفزتها على التركيز على رادعها النووي. وهنا يستشهد غولدشتاين بتقرير غير سري من كلية الحرب البحرية حول “الاستخدام النووي” والذي يُقال فيه:

“من غير المرجح أن تستخدم موسكو أسلحة نووية.. ما لم يحكم نظام بوتين بأن الهزيمة الوشيكة أثناء الصراع من شأنها أن تقوّض شرعية الحكومة وتخلق تهديدا وجوديا من خلال الاضطرابات الداخلية (من خلال فقدان السلامة الإقليمية أو غيرها من الأحداث المحورية في زمن الحرب)”.

وكتب غولدشتاين: “وهكذا، فإن مفارقة الضعف التقليدي لروسيا تظهر بالكامل في التنبؤ أعلاه”.

وللخروج من السلم التصعيدي الحالي الذي وضعتنا عليه إدارة بايدن (والذي يريد تقرير راسموسن- يرماك إضفاء الطابع المؤسسي عليه كمشروع دام عقودا)، يوصي غولدشتاين بشكل معقول “بإجراء محادثات مباشرة، وإحياء أجندة الحد من التسلح، ومتابعة تدابير بناء الثقة العسكرية بين دول الناتو وروسيا”.

ويجب على أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء الكونغرس وموظفيهم وصانعي السياسات على أعلى المستويات في إدارة بايدن التعامل مع تقرير تكلفة الحرب الجديد بالجدية التي يستحقها.

مصدر الترجمة

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock