الدكتور عبد المتعال الصعيدي واحد من علماء الأزهر البارزين، ويعرف الرجل بوصفه أحد رواد مدرسة الفكر الحر؛ حيث كرس حياته للعلم وترجيح التجديد والاجتهاد والثورة على التقليد بعد قرون طويلة؛ تجمّد خلالها الإنتاج الفكري للأمة عند مرحلة معينة، وهو ما جعلها فريسة سهلة للاستعمار، وأرضا خصبة للتخلف والتبعية.
ينتمي الدكتور الصعيدي إلى تيار التجديد، الذي وضع بذوره الإمام محمد عبده، والذي صاغ مشروعا إصلاحيا يقوم على الحرية الفكرية والاجتهاد العلمي اللذين يستندان في أصولهما إلى الكتاب السنة.
للدكتور الصعيدي عدة مؤلفات تجديدية، من بينها كتاب “حرية الفكر في الإسلام” الذي تضمن مجموعة من الآراء، التي كان لها أثر بالغ في تحريك المياه الراكدة، وفي مقدمتها تأكيده على أن الإسلام لا يغلق باب الاجتهاد على الناس بل يفتحه أمامهم على مصراعيه.
من يقرأ للدكتور عبد المتعال الصعيدي؛ يخرج بقناعة كاملة أن الاختلاف في الرأي –في مفهوم الإسلام الصحيح– لا يفسد للود قضية؛ لأن الهدف العام هو الوصول إلى الحقائق من طريق قويم، بعيدا عن إثارة الضغائن والعداوات.
يقول الدكتور عبد المتعال الصعيدي “الحرية العلمية عبارة عن إطلاق سلطان العلم فوق كل سلطان؛ لأنه يعتمد في سلطته على العقل، وقد خلق الله العقل ليميزنا به على سائر المخلوقات، فإذا أهملنا الاعتماد عليه لم يكن هناك معنى لخلقه فينا”.
التناقضات بين العلم والدين والصراع الذي أشعله البعض بينهما منذ زمن بعيد – كانت سببا في سجالات لم يزال صداها يتردد في العالمين الغربي والإسلامي. وفي كتابه “حرية الفكر في الإسلام” يضع الدكتور عبد المتعال الصعيدي قاعدة لتحرير العلم من سطوة الدين بمنتهى السلاسة قائلا: “إذا كان هذا شأن العلم وسلطانه؛ فإنه لا بد من المواءمة بين سلطانه وسلطان الدين؛ ليعيش كل منهما بجانب الآخر مطلق الحرية موفور السلطان، ويتعاونا على سعادة الإنسان في دنياه وأخراه؛ بدلا من أن يقف كل منهما في سبيل الآخر، فيشقى الإنسان باختلافهما وتضطرب حياته بينهما.
ويشدد الصعيدي أيضا على ضرورة احترام الحرية الدينية مؤكدا “الحرية الدينية عبارة عن حق الإنسان في اختيار عقيدته الدينية، فلا يكون لغيره من الناس سلطان عليه فيما يعتقده؛ بل له أن يعتقد ما يشاء في حدود ما تتيحه حرية الاعتقاد من الدعوة إلى ما يعتقد بالتي هي أحسن، فلا يكون لغيره حق استعمال القوة معه في دعوته إلى عقيدته، ولا يكون لغيره حق استعمال القوة في إرجاعه إلى عقيدته إذا أرتد عنها، وإنما هي الدعوة بالتي هي أحسن في كل المجالات وإذا لم يكن لغيره استعمال القوة معه؛ لم يكن له أيضا له حق استعمال القوة مع غيره؛ حتى يتكافأ الناس في هذا الحق، ولا يمتاز فيه واحد بشيء دون الآخر، وإنما هي حرية مطلقة لكل الأشخاص وحرية مطلقة في كل الأديان”.
ويضيف الدكتور عبد المتعال الصعيدي في كتابه “حرية الفكر في الإسلام” أن الله كفل للإنسان حرية الاختيار بين الخير والشر، لأنه لو لم يكن له حق الاختيار لم يكن هناك معنى لما ميزه الله به من العقل الذي يتولى التمييز بين الأشياء وعلى أساس المقارنات التي يجريها – يتخذ قرار الاختيار وعن هذا يقول “كل ما يدخل في باب الحرية الفكرية في مأمن من العقاب الدنيوي؛ لأنه يجب فتحه على مصراعيه إذا لا يخشى على المجتمع منه، وإنما يقصده رواد الخير للإنسانية؛ ليصلوا بأفكارهم إلى ما فيه سعادتها دنيا وآخرة، فإذا أصابوا فبفضل من الله وإذا وقعوا في خطأ، كانوا معذورين فيه ولا يصح عقابهم بشيء ما عليه”.
ويضيف الصعيدي “أما إذا تعسّف الحكام بالتضييق على الناس في باب الحرية الفكرية؛ فإن الدين يكون بريئا من هذا التعسف؛ لآن التعسف إنما يتصور في القوانين التي يضعها الحكام ليحموا وسائل الطغيان.. أما القوانين السماوية فإنها وحي من الله تعالى إلى رسله عليهم السلام، وهو أرحم على خلقه من الوالد على ولده، فلا يتصور فيها تعسف ولا إعنات وإذا كان شأنها كذلك لم يكن هناك خوف عليها من الحرية الفكرية”.
ويشدد الدكتور الصعيدي على أن الإسلام يعتمد في دعوته على تفكر العقل؛ لأن في الكون نظاما عجيبا يدل على وجود خالق له فيكون الإيمان به عن اقتناع بوجود هذا النظام العجيب في الكون وإذا كان هذا هو الأصل في الدعوة الإسلامية، فإنه لابد أن يعطي العقل حرية كاملة في التفكير.