ثقافة

القيم الاجتماعية وسط مشهد حافل بالتناقضات.. هل اختفى دور المثقف كحارس بوابة؟ (1)

اهتمت الغالبية العظمى من البحوث المصرية في مجال القيم، برصد وتحليل بعض هذه القيم دون غيرها؛ مستهدفة في ذلك بعض الشرائح الاجتماعية، مع عدم التركيز بشكلٍ كافٍ على دراسة القيم في المجتمع المصري، خلال مراحل التحول.. وهنا تتبدى الأهمية البالغة، لدراسة حديثة أصدرها المركز القومي للبحوث الاجتماعية، وقد استهدفت الدراسة بحث أنساق منظومات القيم الاجتماعية في مصر حتى عام 2030.

جاءت الدراسة التي شارك في إعدادها سبعة من كبار الباحثين، تحت عنوان “استشرافات النخبة المثقفة لمستقبل أنساق القيم الاجتماعية في مصر” ويعترف الباحثون في المقدمة بمدى الصعوبات، التي تكتنف التوجه بسؤال المستقبل في المرحلة الراهنة، التي تحفل بالعديد من التحولات، وما يصاحبها من إشكالياتٍ تتعلق بعدم وضوح الرؤية في الكثير من الأحيان، وما يحمله الواقع من تناقضات وتعقيدات؛ تجعل مجرد الحديث عن منظومة القيم في المستقبل أمرا بالغ الصعوبة.

وبحسب الدراسة، فإن الملاحظ –بشكل عام– أن الاهتمام بالمستقبل يزداد بشكل كبير في فترات التحول الاجتماعي؛ مقارنة بما يكون عليه الأمر في فترات الاستقرار النسبي، وهو ما يؤكد على أهمية هذا العمل البحثي الذي رفض أن يعتمد فقط على قاعدة “سقوط النموذج” وفقا لقناعة الباحثين المسبقة؛ بأن المستقبل لن يتشكل من تلقاء نفسه؛ بل من خلال جهود بشر يستهدفونه من الآن، على هيئة أو أخرى سواء بتقرير خط متواجد وتدعيمه أم بمناوأة آخر لاستبعاده أو تعديل مساره إلى جانب طرح البدائل الممكنة.

الثقافة

ووفق الدراسة.. تمثل القيم الاجتماعية بوصلة توجهنا، نحو رصد عمليات التحول المجتمعي، بكل ما تحفل به من تناقضاتٍ في لحظة تاريخية بعينها، وتظهر أهمية هذه الدراسة عندما نعلم أن المشاريع البحثية المستقبلية الثلاثة الكبرى على المستوى العربي، وهي مشروع المستقبلات العربية البديلة عام 1985، ومشروع استشراف مستقبل الوطن العربي عام 1988، ومشروع مصر 2020، عام 1995، لم تهتم بتخصيص أحد أبحاثها من أجل استشراف مستقبل الأنساق القيمية العربية أو المصرية.

وتأتي هذه الدراسة في ظل مشهد حافل بالتناقضات، على مستويات عدة ما بين الكوكبي والمحلي.. وكذلك المعضلات المادية والمعنوية، وما يترتب عليها من صراعات عديدة فيما يتعلق بالواقع المعاش وأنساق القيم المتولدة عنه.

في هذا الصدد، من المهم أن نشير إلى أن بعض العلماء، ومنهم “وندل بل” يذهبون إلى أن المجتمعات البشرية والثقافات المختلفة؛ تجمع بينها العديد من السمات المشتركة، والتي تتضمن المشاركة في بعض القيم الجوهرية، التي تقترب من أن تكون قيما كونية، فالملاحظ أن هناك تشابهات كثيرة، خاصة فيما يتصل بأحكام الناس على بعض الأمور، وما يعد صوابا وما يعد خطأ.. وما يدلل على ذلك سهولة الاتصال بين أهل الثقافات ببعضهم البعض.

وتؤكد الدراسة على ملاحظة بالغة الأهمية، وهي أنه رغم ما يتمتع به المستوى الاقتصادي للعولمة من قوة نسبية ملحوظة؛ فإنه لا يعد مطلق اليد في المستويين الاجتماعي والثقافي؛ بل على العكس من ذلك؛ فإنهما ربما يساهمان في إعادة تشكيله، كما لوحظ أن هناك تباينات تصل إلى حد التناقض، بين نوعيات ومستويات القيم التي يتبناها الأشخاص الذين خضعوا للبحث.

وينديل بيل

وتشير الدراسة إلى كون القيم موجهات للسلوك، مضيفة أنه لوحظ أن التغير والتبدل يصيبها، خاصة في فترات التوتر والصراع بشكل أكبر من فترات الاستقرار الاجتماعي النسبي، ومن ثم فإن الوقوف على طبيعة أنساق القيم الاجتماعية؛ يتيح إمكانية التعرف على الاختيارات الاجتماعية المفضلة والمرغوبة لدى مختلف الفئات خلال فترة محددة.

وتضيف الدراسة “تعد الفئات المثقفة بمثابة الوكيل الاجتماعي- الثقافي الذي يتبنى مواقف ومصالح الفئات والشرائح والجماعات الاجتماعية الأخرى خاصة تلك التي لا تستطيع التعبير عن رؤاها وتطلعاتها سواء بشأن الحاضر أو المستقبل وتتنوع الفئات المثقفة؛ وفقا لقناعاتها ومصالحها ففي الوقت الذي يعبر فيه البعض منها عن قوى اجتماعية مهيمنة؛ نجد البعض الآخر من هذه الفئات المثقفة متبنيا لقضايا ومشكلات جماعات اجتماعية مقهورة، لتصبح بمثابة لسان حالها وبين هذا الموقف وذاك نجد من هذه الفئات من يعبر فقط عن مصالح الفئة المثقفة التي ينتمي إليها وبالتالي تنحصر جهوده في الدفاع المصلحي الفئوي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock