ترجمة: كريم سعد
يُفترض على نطاق واسع إن مواد التسمم المختلفة التي استخدمت على الحالات التي نُشر عنها، وعدد قليل آخر ظل سريا، كانت من قِبل الموساد، وتم تصنيعها في المعهد الإسرائيلي للبحوث البيولوجية في نيس زيونا، على بعد 20 كيلومترا جنوب تل أبيب.
وقد تأسس المعهد، الذي ينتمي بشكل مشترك إلى مكتب رئيس الوزراء ووزارة الدفاع، في عام 1952، ليحل محل الفيلق العلمي للجيش. وكان أول مدير له الكسندر كينان.
وهذه الوحدة الآن هي الشيء البارز في مقال رائع يكشف عن التاريخ السري للحرب البيولوجية التي شنتها إسرائيل خلال حرب عام 1948.
وكتب المقال مؤرخان، بيني موريس أستاذ فخري في جامعة بن غوريون في بئر السبع، وأستاذ فخري بنيامين زئيف كيدار من الجامعة العبرية في القدس. والمقال المعنون بـ “صب خبزك: الحرب البيولوجية الإسرائيلية خلال حرب عام 1948” نُشر مؤخرا من قبل دراسات الشرق الأوسط.
وهذه المقالة نادرة لسببين. أولا، تم بحثه ونشره ضد رغبات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي حاولت لسنوات حجب أي وثائق تاريخية محرجة حول تلك الحرب والتي تفضح “جرائم الحرب” ضد العرب، مثل قتل السجناء والتطهير العرقي وتدمير القرى.
ثانيا، يستند المقال إلى وثائق أصلية مخزّنة في أرشيف دولة إسرائيل وأرشيفات أخرى.
وكان موريس وكيدار قد اكتشفا بالفعل أن الاسم الرمزي للعملية هو “ألق خبزك” – مأخوذ من آية في سفر الجامعة (11: 1). واستنادا إلى أبحاثهم، يفصلون كيف شارك علماء من الفيلق العلمي، جنبا إلى جنب مع وحدات ساحة المعركة، في حملة منهجية لتسميم آبار المياه ونشر بكتيريا التيفوئيد في القرى والمدن العربية وكذلك بين الجيوش الغازية من مصر والأردن. وكان الغرض من ذلك هو تخويف السكان العرب الفلسطينيين، وإجبارهم على المغادرة وإضعاف الجيوش العربية.
كما أعطيت الأوامر باستخدام الحرب البيولوجية أو على الأقل الموافقة عليها من قبل مؤسس الدولة اليهودية ديفيد بن غوريون، الذي كان أول رئيس وزراء ووزير دفاع لها. وتشاور بن غوريون مع كبار العلماء في ذلك الوقت بما في ذلك البروفيسور ديفيد إرنست بيرغمان، والذي يعتبر والد البرنامج النووي الإسرائيلي، والبروفيسور إفرين كاتسير، الرئيس المستقبلي للدولة، والبروفيسور أليكس كينان، مؤسس معهد البحوث البيولوجية. وشملت أعلى المستويات العسكرية المطلعة على العملية السرية الجنرالين يوحنان راتنر ويغال يادين، الذي كان رئيس الأركان الفعلي خلال حرب عام 1948 ثم الملازم موشيه ديان. وأعطى العلماء ديان، وهو رئيس الأركان المستقبلي ووزير الخارجية.. وكانت مهمته هي تسليم أنابيب تحتوي على بكتيريا التيفوئيد إلى مرؤوسيه؛ لنشرها في آبار المياه بالقرب من أريحا، حيث نُشرَ الجيش الأردني، وفي قرى منطقة القدس حيث وقعت أشرس المعارك.
ومع ذلك، انكسر أحد أنابيب ديان، وأصيب ابنه عاصي البالغ من العمر 3 سنوات (كاتب وممثل ومخرج سينمائي مستقبلي) واضطر إلى البقاء في السرير لعدة أيام.
كما أرسلت جراثيم التيفوئيد في زجاجات إلى الجبهة الجنوبية. لكن القادة المحليين ذوي الميول اليسارية رفضوا المشاركة في العمليات. واشتكوا إلى قائدهم البارز حاييم بارليف، وهو أيضا رئيس أركان مستقبلي ووزير في الحكومة. وأخبرهم بارليف أن يتخلصوا من الزجاجات. ومع ذلك، اعتقد عدد قليل من الجنود الإسرائيليين أن الزجاجات تحتوي على مشروبات غازية وشربوها. ولحسن الحظ ، لم يكونوا مرضى بشكل خطير.
كما يسلط مقال موريس وكيدار الضوء على عدد قليل من الحالات الأخرى التي أرسل فيها جنود إسرائيليون بالسم إلى عكا وقرية إيلابون في الجليل. ووفقا لوثائق عربية بريطانية والصليب الأحمر، تعرض العشرات من السكان المحليين في عكا للتسمم وأصيبوا بمرض شديد. وتوفي عدد غير معروف منهم.
كما استخدمت نفس الطريقة في مايو 1948، بعد أسبوع من إعلان إسرائيل قيام دولتها- في غزة عن طريق جنديين يهوديين من وحدة من القوات الخاصة تظاهرا بأنهما عرب وتسللوا إلى غزة بأنابيب تحتوي على جراثيم التيفوئيد. وكانت مهمتهم تسميم بئر مياه غزة من أجل وقف تقدم الجيش المصري. لكنهم اعتقلوا وعذبوا وحكمت عليهم محكمة عسكرية مصرية في أغسطس 1948 بالإعدام.
ولم تعترف إسرائيل قط بالطبيعة الحقيقية لمهمتهما، بل اعترفت بهما ضمن قتلى الجيش. ولا يحدد المقال العدد الفعلي للإصابات الناجمة عن عمليات الحرب البيولوجية هذه. ربما لم تكن مهمة ولم تكن منتشرة على نطاق واسع بسبب طابع الهواة لعملية “صب خبزك” والصعوبات اللوجستية.. ومع ذلك، فلا عجب أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تخجل من بعض فصول ماضيها وتحاول قمع المعلومات.