رؤى

هل سيكون رئيس وزراء بريطانيا القادم شخصًا ملونًا؟

ترجمة: كريم سعد

كشفت المساعي حول اختيار رئيس وزراء بريطانيا المقبل عن حقيقة مفاجئة حول حزب المحافظين الحاكم في البلاد، ألا وهي استعداده لدعم زعيم محتمل من خلفية أقلية عرقية، حتى مع كون حوالي 97٪ من أعضاء الحزب – الذين سيقررون في نهاية المطاف الزعيم القادم – من البيض.

ويُعد هذا الأمر بعيدا كل البعد عن السمعة القديمة لحزب المحافظين كناد للأولاد البيض المتعلمين في القطاع الخاص والذي كان بعيدًا عن الأمة متعددة الثقافات التي كان يطمح إلى حكمها.

ومن بين المرشحين الأربعة المتبقين لخلافة بوريس جونسون، كان اثنان من خلفيات الأقليات العرقية وثلاثة من النساء. والمرشح الرئيسي، وزير المالية السابق في حكومة جونسون، ريشي سوناك، من أصول جنوب آسيوية. وأحد منافسيه، وزيرة المساواة السابقة كيمي بادنوخ، وهي سمراء. (والاثنتان الأخريان، وزيرة الخارجية ليز تروس ووزيرة الدفاع السابقة بيني موردونت، هما امرأتان بيضاوان). ومن بين المرشحين الأوائل الذين شملهم ثمانية مرشحين، كان نصفهم من الأقليات العرقية.

وعلى الرغم من خروج بادنوخ من الجولة قبل الأخيرة من التصويت، إلا أن العديد من المراقبين يقولون إنها تضمن بشكل شبه مؤكد منصب وزاري رفيع المستوى في المستقبل. ويتصدر سوناك المتنافسين الثلاثة المتبقين من ناحية أصوات زملائه المشرعين.

كيمي بادنوخ

ومهد حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا الطريق أمام التمثيل العرقي والجنساني على أعلى المستويات في حكومة المملكة المتحدة. وإذا تم اختيار سوناك ليحل محل جونسون، فسوف يصبح أول رئيس وزراء بريطاني من أقلية عرقية في العصر الحديث، ولكن ليس في المطلق. حيث أن بنيامين دزرائيلي، الذي شغل مرتين منصب رئيس الوزراء المحافظ في أواخر القرن التاسع عشر، كان يهوديا.

وكان حزب المحافظين أيضا الذي رشح مارغريت تاتشر، أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في بريطانيا، والتي انتخبت في عام 1979. وكانت تيريزا ماي، ثاني امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في بريطانيا، زعيمة حزب المحافظين أيضا. وفي السنوات الأخيرة، كسر الحزب الحواجز أمام الأقليات العرقية في أعلى المناصب في الدولة: حيث أصبح المشرع البارز ساجد جاويد أول وزير داخلية ووزير مالية من الأقليات العرقية في عامي 2018 و2019 على التوالي.

وسيتم تحديد الزعيم القادم للحزب من خلال عملية داخلية معقدة. فأولا،  تقلص عدد المرشحين بواسطة مشرعي حزب المحافظين في جولات متتالية من التصويت، حتى يعلن عن المرشحين الأساسيين وبعد ذلك التصويت على هذين المرشحين من قبل الأعضاء الحاملين للبطاقات في حزب المحافظين – حوالي 200,000 شخص أكبر سنا وأكثر ثراء وبياضا من بقية الناخبين البريطانيين ككل. (حوالي 87٪ من الناس في المملكة المتحدة هم من البيض مقارنة ب 76٪ في الولايات المتحدة ، وفقا للإحصاءات الرسمية من كلا البلدين).

مارجريت تاتشر
مارجريت تاتشر

هل البريطانيون مرتاحون لرئيس وزراء من أقلية عرقية؟

الجواب بين منظمي استطلاعات الرأي والسياسيين والأكاديميين هو “نعم” بشكل قاطع.

حيث قال غابرييل ميلاند الشريك في شركة الاتصالات الاستراتيجية بورتلاند، أن الكتلة التصويتية الرئيسية لحزب المحافظين –وهم الأشخاص الذين صوتوا للمحافظين في الانتخابات الأخيرة ولكن قبلها لحزب العمال– يجيبون بنعم “بأغلبية ساحقة” ويقولون أنهم سيكونون مرتاحين مع رئيس وزراء من خلفية أقلية عرقية.

ويضيف ميلاند: “أصبح يظهر الآن أن المواقف تجاه الأشخاص من مجتمعات المهاجرين في هذا البلد قد تغيرت كثيرًا، ولكن هذا لا يعني أننا لم نعد بلدا عنصريًا… لكن الأمور تغيرت كثيرا”.

ومن المرجح أن ينطبق الشيء نفسه على أعضاء الحزب الذين يحملون بطاقات انتخابية والذين سيقررون بالفعل الزعيم المقبل، فوفقا لـ”تيم بيل”، الأكاديمي في جامعة كوين ماري في لندن، الذي أجرى أبحاثا حول عضوية الحزب. ويقول: “أعتقد أنه في النهاية، سيكونون أكثر انشغالًا بشأن ما إذا كان هذا الشخص بعد فوزه في الانتخابات سيقدم ما يريدونه من حيث السياسات”.

جهود التنوع التي يبذلها حزب المحافظين

وحقيقة أن هناك الكثير من كبار أعضاء الحزب الحاكم من خلفيات الأقليات العرقية ليست من قبيل الصدفة.

فقبل عقد ونصف، كان لدى حزب المحافظين مشرعان فقط (من أصل 198) من خلفية أقلية عرقية. وكان الحزب خارج السلطة في ذلك الوقت، ويعرف أن عليه تجديد صورته لتحقيق النجاح على المدى الطويل في بريطانيا الحديثة. لذا، في عام 2006، قدم زعيم الحزب المنتخب حديثا ديفيد كاميرون دفعة لضمان أن يعكس الحزب بدقة أكبر الأمة التي كان يطمح إلى قيادتها. وجلب كاميرون، الذي أصبح رئيسا للوزراء بعد أربع سنوات، قوائم مختصرة تعطي الأولوية لمرشحات الأقليات العرقية والنساء في المقاعد الانتخابية والتي كان الحزب يعلم أنه من المرجح أن يفوز بها بهوامش كبيرة.

ديفيد كاميرون
ديفيد كاميرون

وقد نجحت هذه السياسة، وأسفرت عن تدفق المشرعين الجدد – والذين ارتقى بعضهم الآن إلى أعلى الرتب في الحزب. وقد روج لها القادة المتعاقبون الحريصون على إلغاء الممارسات التي أعطت الأولوية للمرشحين البيض على حساب الأقليات العرقية الموهوبة، مع ضمان أن تعكس القيادة العليا للحزب البلاد ككل.

ولكن سيكون من الخطأ الإشارة إلى أنه نظرا لأن حزب المحافظين قد كسر الكثير من الحواجز على أعلى مستوى من الحكومة من حيث التمثيل، فإنه أكثر تنوعا من حزب العمال المعارض. فعلى الرغم من أن حزب العمال لم ينتخب قط امرأة أو شخصا من خلفية أقلية عرقية ليكون زعيما له، إلا أن الحزب لديه عدد أكبر من المشرعين من الأقليات (41) مقابل (22) عند المحافظين، وعلى الرغم من أن لديه عددا أقل من المقاعد في البرلمان. فحزب العمال يحصل على حصة الأسد من أصوات الأقليات في بريطانيا، بنسبة 64٪ تقريبا، وفقا لمؤسسة استطلاعات الرأي إبسوس موري.

كيف غير التنوع حزب المحافظين؟

لم تقابل زيادة التمثيل في الرتب العليا لحزب المحافظين بزيادة في الاعتراف بالعنصرية الهيكلية. وكانت كيمي بادنوخ، التي خرجت من السباق الانتخابي، قد كتبت أن بريطانيا “تتعرض لانتقادات كاذبة باعتبارها قمعية للأقليات”. في حين أنها هي والمرشحون الآخرون يدعمون خطة المملكة المتحدة المثيرة للجدل لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا. وقد حظي عرض بادنوخ بتأييد حزب بريطانيا أولا، وهو حزب فاشي يميني متطرف يقوم بحملات ضد التعددية الثقافية والهجرة.

وكما يقول ليام شريفاستافا من معهد العلاقات العرقية، وهو مركز أبحاث بريطاني، وهو أيضا عضو في المجلس المحلي لحزب العمال المعارض..

 “أحد الأشياء الرئيسية التي نرى المرشحين السود والملونين يفعلونها؛ هي تعبئة هويتهم الخاصة من أجل سرد قصة تقدمية على ما يبدو عن الجدارة البريطانية والعمل الجاد، مع إخفاء وضعهم الطبقي وقوتهم الاقتصادية، ومن خلال القيام بذلك، يمكن لهؤلاء المرشحين استحضار المفاهيم الليبرالية عن “التجربة الحية” مع دفع سياسة رجعية ترفض مفاهيم العنصرية المؤسسية والمطالبة بالعدالة باعتبارها “هراءات حركة الووك”، وهذه الرسائل للـ[المشرعين] والأعضاء المحافظين، في حين أنهم قد تجعلهم يدعمون تنوعا أكبر ويكونون ضد التعصب العنصري العلني، فإنها تعفيهم من الاضطرار إلى فعل أي شيء حيال عدم المساواة العرقية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمجتمع”.

مصدر الترجمة

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock