رؤى

إشكاليات الدعوة الجزائرية.. إلى “تكتل اقتصادي عربي”

في كلمته أمام القمة العربية الحادية والثلاثين، في الأول والثاني من نوفمبر، أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على أن هذه القمة “تنعقد في ظروف إقليمية ودولية صعبة، وتفاقم كبير لظاهرة الاستقطاب”؛ إلا أنه أشار إلى إمكانات منطقتنا (المنطقة العربية) وما تزخر به من قدرات طبيعية، تسمح لنا بأن نكون قوة اقتصادية، وأنه يجب بناء تكتل اقتصادي عربي”.

واستطرد تبون بأنه “أصبح من الضروري القيام بإصلاحات جذرية، لمنظومة العمل العربي  المشترك، وضرورة إشراك المواطن العربي في صياغة العمل العربي المشترك، ووجوب تفعيل آليات الصناديق العربية لمساعدة الدول العربية المحتاجة”.

ضرورة التكتل

اللافت، أن دعوة الرئيس تبون للقمة العربية، بتبني مسألة إقامة “تكتل اقتصادي عربي”، ترتكز على عدد من الضرورات، بالنسبة للرؤية الجزائرية؛ تبدو من خلالها كـ”نوعين” من الضرورات، إحداها تتعلق بالموارد الطبيعية للمنطقة العربية؛ والأخرى تختص بالدوافع الجزائرية إلى هذه الدعوة.

من جانب، يبدو التأكيد على أهمية العمل العربي المشترك؛ إذ لم يكتف الرئيس تبون بالتأكيد على ضرورة إصلاح منظومة العمل العربي المشترك، ولكنه لفت إلى أن “منطقتنا العربية لديها إمكانيات ومقدرات بشرية وطبيعية ومالية هائلة، تؤهل المنطقة لأن تكون فاعلة كقوة اقتصادية عالمية”. ولأن “احتياطيات بلادنا العربية من النقد يعادل احتياطي أوروبا، أو مجموعات اقتصادية آسيوية، أو أمريكية كبرى”؛ لذا، لابد أن “لا نقبل أن يقتصر دورنا الاقتصادي على التأثر، ولابد أن نكون مؤثرين في المشهد العالمي والاقتصادي الدولي”.

ومن ثم، وبناءً على هذه الرؤية التي قدمها تبون في كلمته، أمام القمة العربية، دعا إلى بناء تكتل اقتصادي عربي، يحفظ المصالح المشتركة للعرب، ويقوم على تحديد الأولويات، مع التركيز على مجالات العمل العربي المشترك، التي يكون لها أثر إيجابي سريع تشعر به الشعوب العربية.

وبالتالي، يأتي التأكيد على الإمكانات الطبيعية للمنطقة العربية، كنوع من الإشارة إلى ضرورة أنه “يجب بناء تكتل اقتصادي عربي”؛ وذلك نتيجة الإمكانات التي تتمتع بها هذه المنطقة من العالم. بل، التي تتوافر فيها جميع مقومات التكامل الاقتصادي، مما لم يأتي ذكره في القمة.. إذ، تعد المنطقة من أغنى مناطق العالم في احتياطي النفط الخام، حيث تشكل حصة الدول العربية من إجمالي الاحتياطي المؤكد في العالم بما يصل إلى 55.7 % هذا فضلا عن أن حصتها من إجمالي الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي تصل إلى 26.5%، تبعا لتقديرات عام 2020.

أيضا بلغت مساحة الأراضي القابلة للزراعة نحو 197 مليون هكتار، ويشكل إجمالي مساحة المراعي الطبيعية نحو 375.9 مليون هكتار، بينما قدرت مساحة الغابات بنحو 37.4 مليون هكتار؛ أضف إلى ذلك، أن المنطقة العربية تعد سوقا واسعة قوامها 361 مليون نسمة. ومن ثم فهي سوق مؤهلة لتحقيق التكامل الاقتصادي؛ حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية 2.43 تريليون دولار أمريكي عام 2020،  وذلك بحسب الأرقام التي ذكرها التقرير الاقتصادي العربي الموحد عام 2021.

من جانب آخر، محاولة تنشيط الدور الإقليمي للجزائر عربيا وأفريقيا؛ ففي إطار سعي الجزائر لأجل تعزيز حضورها خارج المنطقة المغاربية، وفي ظل التعثرات الدبلوماسية بالمنطقة، أصبحت الجزائر تفكر في البحث عن تحالفات دولية وإقليمية جديدة؛ بما يشمل الدوائر العربية والأفريقية؛ وهي التحالفات الهادفة إلى تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي، للجزائر مع هذه الدوائر، في محاولة للتأكيد على أهمية دورها كـ”لاعب إقليمي” مهم، عربيا وأفريقيا، وأيضا في جنوب أوروبا.

وفي ما يبدو، فقد أسهمت التحولات الراهنة التي طرأت على دول الجوار الإقليمي للجزائر، إلى تعرض دوائرها الجيوسياسية لتحديات متزايدة، أهمها: انهيار الدولة في ليبيا، وصعوبة إعادة الاستقرار إلى مالي، وطول المرحلة الانتقالية في تونس؛ فضلا عن قضية الصحراء الغربية، والمشكلات المثارة مع المغرب بشأنها، مع تنامي الوجود العسكري الأجنبي (الفرنسي) في الساحل الأفريقي.

ومن ثم، تجد الجزائر نفسها مضطرة إلى تنشيط وتفعيل دورها الإقليمي، بشكل يتناسب مع إمكاناتها، خاصة المتعلقة بالطاقة، في جنوب المتوسط وشمال أفريقيا؛ فهي، وإن كانت أكبر مُصَّدِر للغاز في أفريقيا، إلا أنها في الوقت نفسه، تضع نصب أعينها الوضع التنافسي، سياسيا مع مصر، وفي كافة المجالات مع المغرب، في منطقة الشمال الأفريقي.

معوقات التكامل

رغم كافة المبررات التي جاء ذكرها، من جانب الرئيس تبون، لأجل إقامة تكتل اقتصادي عربي، لأجل حماية المصالح العربية وإحداث تأثير في الاقتصاد الدولي؛ إلا أن الخبرة التاريخية، للمحاولات العربية في هذا المجال، توضح أن هناك عددا من المعوقات التي يمكن أن تكون حائلاً دون تحقيق إقامة هذا التكتل.. لعل أهمها ما يلي:

من جهة، هناك المعوقات الاقتصادية لإقامة تكتل اقتصادي عربي؛ وفي مقدمتها تأتي غلبة الاتفاقيات الثنائية، وضعف فاعلية الاتفاقيات متعددة الأطراف، الأمر الذي يزيد من حجم الصعوبات التي تواجه الجهد الاقتصادي العربي المشترك. هذا، فضلاً عن غياب التصور الشامل الذي يحدد الأهداف والبرامج الزمنية للتنفيذ بصورة واضحة، مما يؤدي إلى عجز الفنيين والخبراء عن تقديم توصيات محددة للأطراف كافة.

أيضاً، بالنسبة للاستثمارات العربية، فهي تصطدم بمعوقات ناشئة عن البني الاقتصادية المجزأة، خاصة وأن هذه البني تتسم بما يمكن تسميته “عدم التجانس” في ما بينها. وتصطدم، كذلك، بجملة من المصاعب الخاصة بضعف الخدمات الفورية، مع محدودية السوق المحلية، بسبب انخفاض مستويات الدخل الفردي، في أغلب الدول العربية.

من جهة أخرى، هناك المعوقات السياسية لإقامة تكتل اقتصادي عربي؛ حيث إن غياب الإرادة السياسية اللازمة لتفعيل التعاون والتكامل الاقتصادي العربي كان ومازال هو العامل الأساسي الذي أدى إلى تواضع ومحدودية النتائج التي حققها العمل العربي في هذا المجال، وذلك في ظل الجامعة العربية، منذ إنشائها وحتى الآن؛ بل وإلى عدم تحقيق هذا العمل للأهداف المرجوة منه. والملاحظ، أنه رغم وجود بعض العوامل التي أوجدت آثارا سلبية تعوق العمل الاقصادي العربي، إلا أنه كان من الممكن علاج هذه الآثار والتغلب عليها جميعاً في حال توافرت الإرادة السياسية.

ثم، من جهة أخيرة، هناك المعوقات الخلافية لإقامة تكتل اقتصادي عربي؛ فكل المعطيات على الصعيد السياسي، والاقتصادي أيضًا، تشير إلى أنه لا توجد مواقف عربية متماسكة إزاء أزمات المنطقة، سواء تعلق الأمر بالتدخلات الخارجية كما هي الحال في العراق وسوريا وليبيا، وربما اليمن، أو بالقضية الفلسطينية. إضافة إلى الاختلاف حول العلاقة بالآخر، من منظور عربي شامل.

لقد أقرت الجزائر في اجتماعات المندوبين، ثم وزراء الخارجية، قبل انطلاق اجتماع القادة العرب، وممثليهم، كما جاء في تصريحات دبلوماسييها، بأن هناك خلافات سُجلت بين مندوبي الدول الأعضاء في الجامعة العربية، إزاء مسائل إقليمية محددة.. أبرزها: علاقة الدول العربية مع كل من تركيا وإيران، معتبرة أن النقاش هو الطريق للوصول إلى تصور مشترك حول مستقبل هذه العلاقات.

دعوة عامة

رغم أهمية دعوة تبون إلى إقامة تكتل اقتصادي عربي، ورغم الضرورات التي تفرضها هذه الدعوة، في هذا التوقيت الذي يتسم بالتشابكات الدولية  الحادة، ورغم المبررات المنطقية التي أوردها تبون في كلمته، خاصة تأكيده على أنه “لا نقبل أن يقتصر دورها [أي: المنطقة العربية]، على التأثر”، و أنه “يجب إحداث تأثير في المشهد العالمي والاقتصاد الدولي”.. رغم ذلك، ورغم أن مثل هذا التكتل يمكن أن يساعد العرب في تغيير الوضع الراهن، على الأقل من منظور الأمن الغذائي العربي؛ حيث تستورد الدول العربية مجتمعة 100 مليار دولار سنوياً من المواد الغذائية، وقرابة 40 مليون طن من الحبوب التي تمثل نصف احتياجاتهم..

رغم كل ذلك، فقد جاءت الدعوة الجزائرية دونما تحديد ملامح لهذا التكتل، وكيفية إقامته؛ أو على الأقل ذكر الجهة المنوط بها تفعيل الدعوة أو الاقتراح، مثلما حدث مع المطالبة الجزائرية بأن تكون فسطين “عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة”، حيث تم الحديث، من جانب الرئيس تبون نفسه، عن الكيفية وعن استعداد الجزائر لمخاطبة المنظمة الدولية بهذا الشأن.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock