ترجمة: كريم سعد
أصوات: على عكس كثير من وجهات النظر العسكرية الصرفة والدقيقة، من قيادات عسكرية كبرى في الغرب، مثل رئيس الأركان الأمريكي الجنرال ميلي، الذي يرى أنه من غير المرجح أن تكون أوكرانيا قادرة في أي وقت، على استعادة كل أراضيها، وإلحاق هزيمة تامة بروسيا، يميل تقرير الإيكونوميست المُترجم هنا إلى موقف متطرف في “التفكير بالتمني” ويرى أن انتصارا أوكرانيًا حاسما، هو أمر ممكن. وأن هزيمة روسية كاملة، هو أمر ممكن؛ ولكنه في كل الأحوال تحليل يستحق القراءة، ووضعه علي محك التطورات المقبلة في هذه الحرب التي أنهكت العالم بأسره.
———————————-
لا يًعد تحرير خيرسون في 11 نوفمبر نهاية الحرب. حيث لا تزال روسيا تحتل 70٪ من مقاطعة خيرسون التي تقع شرق نهر دنيبر، ناهيك عن مساحات شاسعة من زاباروجيا المجاورة، ودونيتسك ولوهانسك في الشرق.. لكنها كانت “بداية النهاية”، كما أعلن الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وهو يتحدث بـ “ازدهاره التشرشلي” أثناء سيره في شوارع خيرسون في 14 نوفمبر.
ولا تزال الخطوط الأمامية في المقاطعة في حالة تغير مستمر. حيث تنتشر القوات المسلحة الأوكرانية عبر الضفة الغربية لنهر الدنيبر، بحثا عن أي روس محاصرين على الجانب الخطأ. وهناك حكايات تفيد بأن أوكرانيا شنت غارات عبر النهر ضد أوليشكي، مقابل مدينة خيرسون، ونحو نوفا كاخوفكا، موقع السد الرئيسي، وكذلك على كينبورن سبيت، وهو عبارة عن إصبع رفيع من الأرض يمتد إلى البحر الأسود. ولكن لا يوجد دليل على أن عمليات “المتعنترون” هذه حقيقية.
والسؤال هو ما إذا كان خيرسون تمثل الرمق الأخير من هجمات أوكرانيا المذهلة، أو كما يقترح زيلينسكي، مجرد علامة فارقة أخرى في الانهيار المطرد للخطوط الروسية. وبصفة عامة، أمام أوكرانيا الآن ثلاثة خيارات.
الأول هو ملاحقة روسيا شرقا فوق نهر الدنيبر، وهذا أمر مستبعد نسبيا. حيث فجرت روسيا الجسور الرئيسية أثناء تراجعها. ولا يزال لديها بعض من أفضل قواتها والكثير من المدفعية في المنطقة. وهناك نفس القيد الجغرافي الذي جعل الحياة صعبة على القادة الروس – وهو نهر يبلغ عرضه حوالي 2 كم – سوف يربك القادة الأوكرانيين.
ويتمثل الهدف الآخر في تعزيز هجوم واعد يجري تنفيذه في الشرق. وفي مقاطعة لوهانسك، حيث تضغط أوكرانيا على الخطوط الروسية الوعرة حول بلدة سفاتوف التي تقع على قمة خطوط إمداد حيوية إلى الجنوب. ويبدو أن الروح المعنوية الروسية منخفضة بشكل خاص في هذا القطاع، مع وجود أدلة على أن المجندين الذين تمت تعبئتهم حديثا يواجهون صعوبات بالغة وخسائر فادحة في مواجهة القصف الأوكراني.
ولا يزال الخيار الثالث أكثر طموحا: هجوم كبير جنوبا من زاباروجيا باتجاه ميليتوبول وما وراءها لقطع ما يسمى بالجسر البري الروسي إلى شبه جزيرة القرم، وربما من ثم على طول ساحل بحر آزوف إلى ماريوبول.
وكان زيلينسكي قد ضغط من أجل شن مثل هذا الهجوم في الصيف، لكن جنرالاته تحدثوا عنه، بعد أن أظهرت ألعاب الحرب الأمريكية والبريطانية مدى صعوبة وتكلفة مثل هذا الضغط.
ومن الواضح أن روسيا ترى في ذلك احتمالا؛ حيث إنها تقوم بإخراج أهرامات خرسانية مصغرة، تعرف باسم أسنان التنين، وربما تضعها حول ماريوبول لمنع الدروع القادمة. وتظهر صور الأقمار الصناعية حفارات تحفر خنادق متعرجة عند مدخل شبه جزيرة القرم. ويقول مسئول غربي إن هذه التحصينات والتحصينات “قديمة الطراز وثابتة”، “ولكنها مناسبة أيضا للغرض”.
وليس هناك شك في أن الجيش الروسي في حالة سيئة. وتقول المخابرات الأوكرانية إن روسيا لا تملك سوى نحو 120 صاروخا باليستيا من طراز إسكندر في ترسانتها. والأسوأ من ذلك هو وضع ذخيرة المدفعية. حيث قال مسئولون غربيون لمجلة “الإيكونوميست” أن ما تبقى لدى روسيا لن يصمد أكثر من شهر – وهو أحد الأسباب التي جعلتها تقرر التخلي عن جبهة خيرسون.
لكن أوكرانيا تواجه بعض القيود نفسها. فهي تفتقر إلى العديد من أنواع الذخيرة المختلفة، بما في ذلك صواريخ الدفاع الجوي الاعتراضية اللازمة لصد الطائرات بدون طيار التي توفرها إيران والصواريخ الروسية. وهي تشن هجوما منذ أغسطس. كما تكبدت خسائر فادحة. وقال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية في 9 نوفمبر، إن أوكرانيا شأنها شأن روسيا، تكبدت نحو 100 ألف ضحية، بين قتيل وجريح.
ويجادل المتشككون – بمن فيهم الجنرال ميلي- بأن الهجمات الرئيسية في أوكرانيا ربما تكون قد انتهت في فصل الشتاء. وهم يجادلون بأن الهجمات البرية الأوكرانية في خيرسون لم تكن مختلفة كثيرا عن الهجمات الروسية في دونباس – بطيئة وفظة وغير فعالة نسبيا – وأن الاختراق السابق في خاركيف حدث فقط لأن الخطوط الروسية كانت تعاني من نقص حاد في الأفراد، وهو شرط من غير المرجح أن يحدث في مكان آخر مع وصول المجندين المعبئين بأعداد أكبر وإعادة نشر روسيا لأكثر من 30 ألف جندي تم تحريرهم من خيرسون.
يشير المتفائلون إلى مزايا أوكرانيا، حيث أن لديها 200،000 إلى 300،000 جندي قادر على القتال، مقابل أقل من 100،000 روسي في الميدان، والروح المعنوية بين القوات الأوكرانية مرتفعة للغاية، وهو عامل رئيسي في حرب الشتاء، حيث يتعين على الجنود أن يتحملوا مصاعب حادة، كما أن لديها ميزة في قوة النيران الدقيقة، وذلك بفضل القذائف والصواريخ الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (gps)، مثل قذائف المدفعية “اكسكاليبور”.
وكما يقول مايكل كوفمان من “مركز كان”، وهو مركز بحثي، إن نجاح أوكرانيا في خيرسون يقدم في نهاية المطاف أسبابا للتفاؤل والحذر ويظهر ذلك أن أوكرانيا، إذا تم تزويدها بالإمدادات الكافية، يمكنها استعادة الأراضي بمرور الوقت، ولكن أيضا أن الهجمات المستقبلية من المرجح أن تكون معارك بطيئة واستنزافية أكثر من الحرب الخاطفة الشبيهة بخاركيف. وأن الذخيرة والمدفعية والدفاع الجوي، هم “العوامل الأكثر حسما”، كما يقول كوفمان. فالوحدات الأوكرانية في الهجوم سوف تنتهي بشكل أسرع من معدات الدفاع الروسية. حيث إنهم يستهلكون بالفعل غالبية الإنتاج الشهري الأمريكي من (جملرز)، الصواريخ الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (gps)، وفقا لأحد المصادر.
ولكن الخبر السار هو أن أمريكا وحلفاءها الأوروبيين بدأوا في توسيع إنتاج الذخيرة. والخبر السيئ هو أن أوكرانيا قد لا تشعر بالفائدة حتى الصيف المقبل. وقد يشير زيلينسكي إلى أنه بعد أن أعلن تشرشل بشكل أكثر تواضعا بداية النهاية بعد معركة العلمين الثانية في عام 1942، كان ما يزال أمام الحرب المستمرة ثلاث سنوات طويلة أخرى.