بقلم: طارق يوسف، نقلا عن صفحته على على فيس بوك
في عام 1917، كتب أمين صدقي ــ الذي كان مؤلف فرقة نجيب الريحاني وقتئذ ــ مسرحية «حَمار وحَلاوة»، وكان نجيب الريحاني في أوج نجاحه، وقد حظيت هذه المسرحية بنجاح ضخم، فطلب أمين صدقي من الريحاني تعديل طريقة التعامل المالي بينهما، فطلب نصف إيراد المسرحية، وبالطبع رفض الريحاني هذا الطلب، وافترقا. فأصبح الريحاني في مأزق يحتاج إلى مؤلف.. جرب ثلاثة مؤلفين لكنهم لم يوفقوا في التعاون معه، وهنا تأزم موقف نجيب الريحاني.
في هذه الفترة كان بديع خيري يعمل بالتدريس، في مدرسة رفاعة باشا الطهطاوي في طهطا، ثم انتقل إلى مدرسة السلطان حسين في شبرا. وبعد أن استقر في وظيفته، كان يكتب مسرحيات لفرقة «نادي التمثيل المصري»، وكان لا يضع اسمه عليها حتى لا تضيع وظيفته كمدرس.
وذات ليلة حضر الريحاني عرض مسرحية “أما حتة ورطة”، التي كتبها بديع لفرقة نادي التمثيل المصري، بعد ستار النهاية ظل الريحاني يصفق لهم، تقديرًا لأداء الفرقة.. وتلقى “جورج شفتشى” ــ صديق نجيب الريحاني الذي دعاه لحضور المسرحية ــ تهنئة الريحاني بالنيابة عن الفرقة.. وعندما سأله نجيب الريحاني عن اسم مؤلف المسرحية، قال له “شفتشي: “انا المؤلف، هذه المسرحية من تأليفي”.. وبرر لبديع فعلته بأنه بذلك يحافظ له على وظيفته كمدرس، وقال لبديع: “انت تكتب وإنا أبيع للريحاني، ويا بخت من نفع واستنفع، النص بالنص يا عم، واهم قرشين يجولك علاوة على ماهيتك كمدرس، وفي الوقت نفسه ماتضيعش وظيفتك.. اتفقنا.”
وافق بديع خيري على هذه الصفقة فلم يكن أمامه بديل، فمن ناحية يرغب بل يرحب بالتعاون مع العملاق ــ وقتئذ ــ نجيب الريحاني، ومن ناحية أخرى لم يكن بديع يريد أن يخسر وظيفته كمدرس. يقول بديع في مذكراته: “قدمنا ثلاث مسرحيات، الاسم لجورج شفتشي والتأليف لي”، إلى أن وشى أحد أصدقاء شفتشي به عند نجيب الريحاني، نتيجة خلاف دب بينهما، وعندما سمع الريحاني القصة قال للواشي صديق شفتشي: “كده… أنا قلبي كان حاسس… اعمل معروف هات لي بديع خيري ده حالاً.”
ويتابع بديع خيري: “عندما التقيت نجيب الريحاني، أبدى إعجابه بقلمي.. واتفقنا.. وكتبنا العقد.. وكان هذا اليوم هو يوم مولدي الفني، 18 أغسطس سنة 1918.. ومن عجائب المصادفات أن يكون هو نفس اليوم الذي ولدت وجئت فيه للدنيا، 18 أغسطس 1893….. بعد أن نجحت مسرحياتي مع الريحاني قررت أن أستقيل من خدمة الحكومة، وانقطعت للتأليف المسرحي من يومها للآن… وأعلن اسمي كمؤلف للرواية الثالثة (استعراض 1918 ـ 1920)،المسرحية التي كانت تعرض أحداث سنة 1918، والأحداث المنتظرة مستقبلا في سنة 1920.”
وقد صدر عن دار الهلال، في العام 1959، كتاب تحت عنوان: “مذكرات نجيب الريحاني”..
تصدرت هذه المذكرات، مقدمتان: مقدمة كتبها الريحاني نفسه، والأخرى سطرها بديع ــ بطلب من دار الهلال ــ ذكر فيها مآثر الريحاني كما عايشها وعاشها معه..
وفيها يستهل بديع مقدمته بهذه الكلمات: “ليس غريبا أن تفكر دار الهلال — بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاة نجيب الريحاني — في إصدار مذكراته التي خصها بها في حياته، وكتبها لها بقلمه، فشعارها كان دائما — ولا يزال — «لا يصح غير الصحيح، ولا يبقى إلا الأصلح». ونشر هذه المذكرات، وفي هذه المناسبة بالذات، تكريم للفن الأصيل في شخص كرس حياته لفنه.
وحينما دعتني دار الهلال أن أقدم لهذا الكتاب عن مذكرات أخي وصديقي الراحل نجيب الريحاني، غرقت في لجة من الذكريات، وعادت ذاكرتي إلى أيامنا الماضية، ومرت بخاطري صور الكفاح، وأدركت أنه ليس من السهل على المرء في بعض الأحيان أن يعبر عن نفسه، خصوصا حينما طالعت المذكرات، ووجدت أن الراحل الكريم قد وفى كل نقطة حقها، بصراحته المحبوبة وأسلوبه الشائق. ومن بين صفحات مذكراته برزت حياته الحافلة التي كرسها للمسرح وحده، وبرزت صور الكفاح حية نابضة بالحياة.”
وفي المقال المقبل من هذه السلسلة، سنقدم عرضا للمقدمتين، لما لهما من دلالات تساهم في إلقاء الضوء على شخصية الريحاني وتاريخه من جهة، وعلاقة بديع به من الجهة الأخرى..