سجّل الجنيه المصري أمس الأربعاء أدنى مستوى له حيث وصل إلى32.20 للدولار الواحد، بعد تسجيله27.60 عند بداية التعاملات.. وقد بلغت نسبة الانخفاض 13%. فيما رصد مصرفيون اليوم الخميس تدفق مئات الملايين من الدولارات بين البنوك في مصر- تباينت التقديرات بشأنها بين 160: 800 مليون دولار، بعد تراجع طفيف لسعر الدولار عصر اليوم مسجلا 30.55 جنيها.
وكانت الحكومة المصرية قد حددت اليوم الخميس موعدا لمزاد أذون الخزانة، تزامنا مع ضخ عدد من المؤسسات الدولية للأموال في مصر بعد توقف لاستثماراتها بشكل كبير منذ بدايات ربيع 2022.
وقد أرجع مسئولون مصريون أزمة النقد الأجنبي الشديدة التي تعاني منها مصر إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي أضرت بشكل مباشر بعائدات السياحة، ورفعت إلى حد غير مسبوق تكلفة استيراد السلع الأساسية، وأحدثت حالة من عدم الاستقرار دفعت المستثمرين الأجانب إلى سحب نحوٍ من عشرين مليار دولار منذ مارس الماضي، ما أفقد الجنيه المصري حوالي 51% من قيمته.
وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط نقلا عن أحد المصرفيين، أن السوق بين البنوك قد شهدت مساء أمس الأربعاء تداولا قُدّر بـ650 مليون دولار إلى750 مليون دولار.. بعد فترة كانت قيمة المتداول فيها نحو 150 مليون دولار.. وذكرت الوكالة إن أكثر من 250 مليون دولار تدفقت إلى السوق من مؤسسات دولية أمس الأربعاء. وكانت الحكومة المصرية قد تعهدت بالالتزام بسعر صرف مرن للعملة، ودور أكبر للقطاع الخاص، وبمجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية ضمن حزمة من الاجراءات الاقتصادية للحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي تسدد على 46 شهرا، فيما بلغ عبء خدمة الدين الذي يتعين على القاهرة سداده خلال العام المالي 2022/2023 حوالي 49 مليار دولار، حسب بيانات الصندوق يوم الثلاثاء الماضي.. في حين ذكر بيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نفس اليوم: أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية ارتفع في شهر ديسمبر إلى 21.3%، وهو أعلى مستوى يصل إليه التضخم منذ أواخر 2017، متجاوزا كافة التوقعات، موضحا أن أسعار “الطعام والمشروبات” قد ارتفعت بنسبة 38 %.. بينما توقع محللون أن يقفز معدل التضخم الأساسي إلى 23.6 % ومن شأن ذلك أن يضغط على لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي لرفع أسعار الفائدة في اجتماعها التالي في الثاني من فبراير القادم.. في الوقت نفسه طالب صندوق النقد الدولي، الحكومة المصرية بتشديد سياساتها النقدية لمواجهة تداعيات ذلك الوضع الخطير!
وكانت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر إيفان هولر، قد صرّحت بأن “الانخفاض المستمر في قيمة العملة في وقت ترتفع فيه أسعار السلع العالمية.. قد أدى إلى الضغط على الأسعار المحلية وارتفاع التضخم”.
وطالبت هولر الحكومة المصرية بمواجهة هذا التحدي و”استعادة استقرار الأسعار عبر تشديد السياسة النقدية.. وحماية المُعرّضين للخطر، من خلال دعم الميزانية الموجّه بعناية إلى المحتاجين”.
وأشارت إلى أن الإصلاحات الهيكلية التي يتعين على الحكومة المصرية البدء بها “لن تكون سهلة. وسوف تستغرق وقتا لتنفيذها وتحقيق النتائج المرجوة منها للحد من التعرض للصدمات”.
وقالت هولر أن الفجوة التمويلية لمصر تبلغ حوالي 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع القادمة، وأضافت أن تمويل الصندوق من المتوقع أن يحفز تمويلا إضافيا من الشركاء الثنائيين ومستثمري القطاع الخاص، مشيرة أيضا إلى خطة مصر لبيع أصول مملوكة للدولة.. وتوقعت هولر أن يتراجع التضخم بنسبة 7 % بحلول العام المالي 2024/2025.
وكان الصندوق قد خفّض حسب تقرير نشر أول من أمس، توقعاته بالنسبة لمعدل النمو الاقتصادي في مصر للعام الجاري ليبلغ 3,2 % بدلا من 4,4 % في السابق.
وكانت معظم البنوك قد قيدت السحب بالدولار خارج مصر، ورفعت عمولة استخدام البطاقات الائتمانية في عمليات الشراء في الخارج من 3% الى 10%.. وفي محاولة لخفض السيولة النقدية في الأسواق في ظل ارتفاع معدل التضخم، أعلن مصرفان حكوميان إصدار شهادات إيداع بفائدة قدرها 25 % لمدة عام واحد.
ومن جهتها اتخذت الحكومة المصرية عدة قرارات، نشرتها الجريدة الرسمية الاثنين الماضي، لترشيد الإنفاق العام لمواجهة الأزمة من بينها “تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يتم البدء فيها ولها مكون دولاري واضح”.
ومن المعروف أن الاحتياطي النقدي لدى القاهرة لا يتجاوز 34.5 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج الحليفة. بينما تضاعفت ديون مصر الخارجية بأكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة لتصل الى أكثر من 155 مليار دولار.
تبدو الصورة قاتمة وصادمة، كما تبدو الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية -على استحياء- لإصلاح الوضع القائم غير ذات جدوى، في حين تُحكم نصائح صندوق النقد الدولي، الخناق على عنق الاقتصاد المُتداعي، في ظل ظروف دولية بالغة الصعوبة، فهل يشهد العام الجديد انفراجة للأزمة؟ أم أنها ستتفاقم على نحو يصعب توقع آثاره على كافة الاصعدة؟