تعتبر الهند ثاني أكبر دولة في العالم بعد الصين، من حيث عدد السكان؛ حيث يقطنها نحو مليار وثلاثمئة مليون نسمة، من بينهم مئة وخمسون مليون مسلما، يشكلون ثالث أكبر تجمع للمسلمين في العالم، بعد إندونيسيا وباكستان. كما أن الهند تُعدّ حاليا ضمن أكبر عشر اقتصادات في العالم، وثالث أكبر مستورد للنفط، ورابع أكبر مستورد للغاز الطبيعي المُسال؛ علاوة على أنها تملك قدرات عسكرية ونووية لا يُستهان بها.
وترتبط الهند مع الدول العربية بعلاقات تاريخية تعود إلى قرون عديدة، تطورت بشكل ملحوظ خلال العقود الماضية؛ لتشمل كافة النواحي، وبخاصة الاقتصادية التي تشهد نموا متزايدا؛ بل إن الهند قد أصبحت شريكا اقتصاديا مهمًا للدول العربية – ولاسيما الخليجية منها- إذ تلعب الاستثمارات المتبادلة دورا رئيسًا في تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي.
وقد تمكنت الهند – منذ العقد الأخير من القرن العشرين- من تبيان ذاتها كقوة فاعلة، على المستويين الإقليمي والدولي. وقد اعتمدت في سياستها هذه على رافعة تحسين علاقاتها مع دول العالم، خاصة تلك التي لها دور مهم ومؤثر على الصعيد الدولي، فضلا عن الإقليمي، من أجل تحقيق مصالحها باعتبارها قوة إقليمية كبرى.
من هنا تأتي أهمية العلاقات العربية الهندية عمومًا، والعلاقات الهندية الخليجية بشكل خاص، على الأقل اعتمادًا على المنظور النفطي، بالغ الأهمية بالنسبة للهند.
العلاقات العربية الهندية
في ظل الدور المتزايد الذي يضطلع به الطرفان، بخصوص الساحة الإقليمية، أصبحت العلاقات الهندية العربية من الملفات الحيوية ذات الأهمية المتنامية خلال السنوات القليلة الماضية. فالهند، تُعد من القوى العالمية الناشئة، التي سوف يكون لها تأثير على الساحة الدولية في المستقبل المنظور، بينما تظل المنطقة العربية، ومنطقة الخليج العربي بوجه خاص، ذات أهمية “جغراسياسية” واقتصادية كبرى، نظرًا للممرات المائية المهمة، وأيضًا باعتبارها مخزونًا للطاقة؛ فضلًا عن المكانة الاقتصادية التي باتت تحتلها المنطقة العربية، وجوارها الجغرافي الشرق أوسطي.
لذلك تأتي المنطقة العربية ضمن أهم المناطق في العالم، التي عملت الهند على تطوير علاقاتها معها، بحكم موقعها الجغرافي وأهميتها الاقتصادية. يكفي أن نشير هنا إلى أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين (الهندي والعربي) وقد وصل إلى أكثر من 45 مليار دولار مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الحالي، بعد أن كان حوالي 12 مليار دولار في عام 2003، أي بزيادة تتجاوز 32 %.
لكن، رغم أهمية المنطقة العربية عمومًا بالنسبة للسياسة الخارجية الهندية، فإن منطقة الخليج العربية تأتي لتتميز بأهمية خاصة بالنسبة إلى الهند. إذ تحتل منطقة الخليج مكانة استراتيجية بارزة في السياسة الخارجية للهند، ليس فقط لأن دول مجلس التعاون الخليجي تتربع على قمة الدول المُصدّرة للنفط والغاز الطبيعي المُسال في العالم، ولأن دول المجلس تعتبر في الوقت الحالي الشريك التجاري الأول للهند، نتيجة تنامي اعتماد نيودلهي على واردات الطاقة؛ إضافة تزايد الصادرات الهندية إلى أسواق الخليج، علاوة على وجود نحو سبعة ملايين مواطن هندي يعملون في دول الخليج العربية، تصل تحويلاتهم السنوية إلى مليارات الدولارات.
توجهات الشراكة
بعدما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، إلغاء الإعفاءات المفروضة على الدول التي تستورد النفط من إيران، اضطرت نيودلهي مثل كثير من الدول التي تستورد النفط، إلى محاولة تنويع مورّديها النفطيين. فقد أجبرت العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، إضافة إلى التوترات المستمرة في خليج هرمز، نيودلهي على محاولة تأمين احتياجاتها النفطية المتزايدة؛ فحصلت على ضمانات من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وعدت بتغطية أي نقص قد تواجهه الهند بسبب الوضع الحالي.
والملاحظ، أن تزايد الطلب الهندي على النفط يأتي نتاجًا للطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد، على مدى العقود الثلاثة الماضية، التي شهدت خلالها نموًا اقتصاديًا قويًا، وتوسعًا في التجارة الخارجية، وارتفاعًا في النمو السكاني، فضلًا عن التصنيع والتوسع العمراني؛ إلى الدرجة التي وصلت فيها إلى أن تصبح “رابع” أكبر مستهلك للنفط في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان، و”ثالث” أكبر مستورد للنفط بعد الولايات المتحدة والصين. وتعتمد الهند حاليا على دول الخليج العربية في استيراد أكثر من “ثلث” احتياجاتها النفطية، ونحو “ثلثي” وارداتها من الغاز الطبيعي المُسال؛ خاصة أن هذه الاحتياجات مُرشحة للتنامي بصورة كبيرة، مع تصاعد القوة الاقتصادية للهند.
فبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، في عام 2016، فإن الهند احتلت المركز “السابع” ضمن أكبر الاقتصادات على مستوى العالم. وبحسب دراسة أجراها مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال التجارية، في بدايات العام 2018، فإن الاقتصاد الهندي سيحل في المركز “الخامس” مع منتصف العقد الثالث من القرن الحالي. وكشفت الدراسة عن أن الهند مُرشحة لأن تتجاوز اقتصاديًا دول عملاقة مثل بريطانيا وفرنسا.. بل إن نمو الناتج المحلي الإجمالي لها بمعدل 6.5 % خلال الفترة 1990-2017، والمتوقع استمراره بهذه النسبة، أدى إلى أن تتوقع الدراسة أن تصبح الهند “ثالث” أكبر اقتصاد في العالم، و”ثاني” أكبر مستورد للنفط، خلال العقدين القادمين، متفوقة بذلك على اليابان.
رغم ذلك، ورغم الأهمية الاستراتيجية للنفط والغاز بالنسبة إلى الهند، إلا أن العلاقات الهندية مع دول الخليج العربية لا تتوقف فقط عند حدود استيراد النفط والغاز. إذ، إن واقع العلاقات بين الجانبين يتوجه منذ سنوات عديدة إلى التعاون التجاري والشراكة الاقتصادية.
يكفي أن نشير هنا إلى أن دول الخليج العربية مجتمعة، في عام 2014، كانت أكبر شريك تجاري للهند؛ وعلى مستوى الدول جاءت كل من الإمارات والسعودية ضمن أكبر “خمس” شركاء تجاريين للهند. وفي المقابل احتلت الهند الترتيب “الرابع” كأكبر شريك تجاري لدول الخليج العربية، و”رابع” أكبر سوق لصادراتها، بعد اليابان والصين وكوريا الجنوبية، بما يشكل أكثر من 10% من إجمالي صادراتها إلى العالم.