رؤى

ماذا بعد رفض البرهان الصلح مع “الدعم السريع”؟

في وقت تتصاعد فيه المعارك بالعاصمة السودانية الخرطوم، في موازاة توتر وتعبئة واستنفار وتسليح شعبي بولايات أُخرى، أغلق رئيس مجلس السيادة السوداني، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، باب الصلح أو الاتفاق مع قوات “الدعم السريع” بل وقرر المُضي قُدمًا في الحرب حتى نهاية أحد الطرفين.

وبالتالي، يبدو أن الصراع الدموي في السودان سوف يستمر، دون أدنى مؤشرات على قُرب نهايته. ومن ثم يثور التساؤل حول: هل يتحول الصراع العسكري بين الجيش والدعم السريع، إلى حرب أهلية طويلة الأمد؟.. أم ينتهي بتقسيم البلاد مرة أخرى؟.. أم ينتصر أحد طرفي الصراع؟ وكيف يؤثر الصراع السوداني ومستقبله على مناطق الجوار الإقليمي له؟

تداعيات إقليمية

من اللافت أن السودان بموقعه الجيوسياسي المتميز، يرتبط بجوار إقليمي مُعقد؛ يجمعه بإثيوبيا وإريتريا شرقا، بما يضعه في دائرة التفاعلات الخاصة بمنطقة القرن الأفريقي، هذا بجانب جواره الغربي مع كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، وهو الجوار الذي يُعزز من مكانة السودان بوصفه مؤثرا مهما في إقليم الساحل الأفريقي.

هذا فضلا عن جواره الشمالي حيث الدولة المركزية مصر، بما يضعه في دائرة التفاعلات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وأبعادها الإقليمية والدولية؛ ثم جواره الجنوبي المتمثل في جنوب السودان الذي يربط السودان بتفاعلات منطقتي شرق أفريقيا والبحيرات العظمى.

أضف إلى ذلك أن السودان يتأثر بنمط عدم الاستقرار الإقليمي، وكافة ارتدادات عدم الاستقرار هذا على الداخل السوداني؛ فهناك قضايا اللجوء والتأثير في الاقتصاد والتجارة والأمن الغذائي والإنفاق العسكري.. وغيرها مما ينعكس بشكل سلبي على تنمية البلاد المتعثرة أصلا. هذا ناهيك عن قضايا النزوح واللجوء إلى دول الجوار، الناتجة عن الصراع العسكري المستمر منذ ما يزيد على خمسة أشهر.

في هذا الإطار، يمكن توقع أن تُفرز الأزمة السودانية صياغة “عقد اجتماعي جديد”، تزداد فيه النزاعات والصراعات الإثنية؛ بل إن بعض الإثنيات في دول الجوار الجغرافي للسودان، سوف يستفيد من هذا الوضع، خاصة تلك الإثنيات ذات التداخلات العرقية في مناطق التماس الحدودية مع السودان؛ وهو ما يمكن أن يُشكل تهديدا كبيرا لاستقرار دول الجوار. فالقبائل ذات الأصول الأفريقية في غرب السودان، وخصوصا في المناطق الملتهبة مثل دارفور، تجد فرصتها في الالتحام بقبائل المنطقة، مستفيدة في ذلك من الهشاشة الأمنية المتزايدة؛ وكذلك، ستفعل القبائل في شرق السودان، خاصة تلك المتداخلة مع القبائل الإثيوبية، ما يجعل مناطق النزاعات والصراعات المتجددة، في منطقة الفشقة وغيرها، بيئة خصبة لتوالد مجتمع بإمكانه فرض واقع جديد على السودان.

مثل هذا التأثير، يعتمد على مجموعة من العوامل، لعل من أهمها: مدى استمرارية الأزمة السودانية بوضعها الحالي، نتيجة استمرار الصراع المسلح؛ ومدى تأثير حجم الحدود الطويلة، الممتدة على طول غرب السودان وشرقه. أضف إلى ذلك، نتيجة الصراع المسلح الحالي، سواء بانتهائه أم باستمرار تداعياته، وتوسع رقعته التي ربما تمتد إلى إقليم دارفور غربا وإثيوبيا شرقا ودولة جنوب السودان جنوبا؛ هذا ناهيك عن إمكانية دخول الحركات المسلحة السودانية، على خط الصراع المسلح الحالي، وانحيازها إلى أحد طرفي الصراع.

ولعل ذلك نفسه، ما سوف يؤثر على مستقبل الصراع السوداني.

احتمالات مستقبلية

وتبدو كافة الاحتمالات المستقبلية، بأنها تحمل قدرا كبيرا من المخاطر، على مستقبل السودان؛ خاصة مع فشل جهود الوساطات المتكررة، وتحول الصراع إلى ما يُمكن تسميته “مواجهة صفرية”، بما يتنامى مع تلك الاحتمالات، ومخاطرها، إشكاليات التدخلات الخارجية، سواء الإقليمية أو الدولية.

وهنا، يمكن الإشارة إلى ثلاثة من السيناريوهات المحتملة، في المستقبل القريب:

الأول: استمرار الصراع والتحول إلى حرب أهلية ممتدة؛ فمع اقتراب الصراع من الشهر العاشر له، منذ اندلاعه في 15 أبريل الماضي، لا توجد أي مؤشرات على التهدئة أو التوصل إلى حل سلمي قريب. وفي الوقت نفسه، يُمثل تدخل الجهات الخارجية جانبًا حاسمًا آخر، من الصراع السودان؛ خاصة أن تلك الجهات تدعم أحد الفريقين المتحاربين، بما يخدم مصالحها؛ وبالتالي، سوف يؤدي ذلك إلى إطالة أمد العنف، وطول فترة الصراع، وتعقيد جهود التوصل إلى حل سلمي لهذا الصراع.

الثاني: انتصار أحد الأطراف على الآخر؛ وهو الاحتمال الذي يحتمل جانبين، أحدهما انتصار الجيش بقيادة البرهان على الدعم السريع؛ وتتعزز سيطرة الجيش على البلاد، بما يؤدي إلى تفكك قوات الدعم، والانقسام بين الفصائل السودانية المسلحة، بين الانضمام للجيش أو البقاء في وضع المعارضة المسلحة. أما الجانب الآخر، فهو أن يتمكن الدعم السريعمن تحقيق هزيمة كبرى للجيش السودان؛ وفي هذه الحال ستُعزز قوات الدعم السريع نجاحها بتشكيل تحالفات مع الجماعات المسلحة الأخرى، بما سيُتيح للدعم السيطرة على أجزاء واسعة من السودان.

الثالث: انتهاء الصراع بالتقسيم الفعلي للسودان؛ حيث سيأخذ الصراع الجاري منعطفًا محتملًا، يؤدي إلى تقسيم السودان؛ إذ سيؤجج صراع السلطة المتصاعد، الانقسامات العرقية والإقليمية القائمة، مما يدفع السودان إلى حالة من التفكك؛ بل، سيتحول صراع السلطة بين البرهان وحميدتي إلى نقطة أساسية في الصراع، من منظور تحرك كل منهما مدفوعًا بطموحاته الشخصية؛ بما يؤدي إلى المزيد من تفاقم التوترات، وزيادة استقطاب الفصائل المسلحة الأخرى، وسعي كل منها إلى محاولة السيطرة على الأراضي أو الموارد أو النفوذ السياسي.

في هذا السياق، يمكن القول بأن مستقبل السودان منفتح على سيناريوهات متعددة، لكنها جميعًا تحمل العديد من المخاطر على السودان ومستقبله. وبكلمة، فإن مستوى الخطورة للأزمة السودانية، يحمل فرصًا حقيقية لإمكانية إدخال السودان في حالة من الاحتراب الداخلي الشامل؛ بل، وإمكانية تحول الأزمة إلى صراع إقليمي متعدد الأطراف.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock