رؤى

دوافع زيارة وزير خارجية أوكرانيا.. إلى العراق

رغم البعد الجغرافي للصراع الروسي الأوكراني، إلا أن تأثيراته تجاوزت مساحة الحرب، ووصلت إلى العاصمة العراقية بغداد، التي تحاول البحث في إيجاد أرضية مناسبة للحوار بين طرفي النزاع لاحتواء الأزمة؛ حيث يحاول العراق لعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، وهي المحاولة التي تبدت من خلال إعلان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، عن “استعداد بلاده في التوسط لإحلال السلام بين موسكو وكييف”، وذلك أثناء استقباله نظيره الأوكراني، ديمتري كوليبا.

ورغم أن الوزير الضيف، قد شكك بفرص نجاح جهود السلام في الوقت الحالي، إلا بعد انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية؛ رغم ذلك فإن زيارة كوليبا، التي تأتي بعد أقل من أسبوع من تلقي رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، اتصالا هاتفيا من الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي؛ هذه الزيارة تُثير تساؤلات متعددة حول دوافعها، وتوقيتها؛ بل وحول إمكانية نجاح المساهمة العراقية في الوساطة بغية حل الأزمة.

أسباب متعددة

زيارة تأتي بعد أقل من أسبوع، على اتصال هاتفي بين زيلينسكي والسوداني، في 10 أبريل، أكد من خلاله الأخير على “أهمية التوصل إلى حل سلمي في أوكرانيا، والعمل على اتخاذ الحوار سبيلا لإنهاء الأزمة”.. زيارة كهذه، وفي هذا التوقيت، تستند إلى عددٍ من الأسباب.

ولعل أهم هذه الأسباب، يبدو كما يلي:

أولًا: تفعيل التوجه العراقي إلى الوساطة في الأزمة؛ قبل زيارة كوليبا إلى بغداد بيومين، السبت 15 أبريل، نشرت صحيفة “هيلسنكي سومات” الفنلندية، تقريرا ذكرت من خلاله إن السلطتين الروسية والأوكرانية تبحثان الآن مفاوضات سلام مباشرة، من خلال وساطة عراقية تُعقد جلساتها في بغداد؛ وقد اعتمدت الصحيفة في تقريرها هذا، على مصادر مُطلعة من داخل “الاتحاد الأوروبي”، مؤكدة أن بغداد تحظى بعلاقات إيجابية بين الطرفين، بالإضافة إلى كونها من الدول التي امتنعت عن التصويت لإدانة الغزو الروسي، قبل أكثر من عام، ولم تتخذ موقفا معاديا من أوكرانيا في الوقت نفسه.

في هذا الإطار، يأتي تأكيد فؤاد حسين، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأوكراني كوليبا، الاثنين 17 أبريل، بأن “العراق مع وقف إطلاق النار بشأن الحرب الأوكرانية الروسية، وأبلغنا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بذلك عندما زار بغداد”؛ موضحا أن “العراق بات اليوم جزءًا من دور دولي، ضمن مجموعة الاتصال للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وبدء مباحثات بين موسكو وكييف”.

وكان لافروف قد زار بغداد، في 5 فبراير الماضي، وأجرى مباحثات مع كبار المسئولين العراقيين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء، السوداني، حيث تطرقت المباحثات إلى إمكانية وقف الحرب، ومدى استعداد موسكو لقبول وساطات دولية.

ثانيًا: دفع العراق إلى محاولة الوساطة مع إيران؛ لم تأت زيارة كوليبا إلى بغداد بعد أقل من أسبوع، على الاتصال الهاتفي بين زيلينسكي والسوداني؛ بل أيضًا تأتي بعد حوالي شهرين من زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى بغداد. وبالتالي لا تتوقف أسباب الزيارة ودوافعها، عند حدود الوساطة بين موسكو وكييف؛ ولكنها تستند، في الوقت نفسه، إلى احتمال دفع العراق إلى الوساطة بين كييف وطهران.

واللافت أن كييف تعتمد في ذلك، على النجاح الذي حققه العراق في لعب دور الوساطة، بين السعودية وإيران، التي تُوِجَت بالاتفاق بين البلدين. إذ، تدرك كييف جيدًا، أن الاتفاق السعودي الإيراني، في 10 مارس الماضي، جاء كثمرة لجهود قامت بها ثلاث دول، هي العراق وسلطنة عُمان بالإضافة إلى الصين؛ وبالتالي، فإن النجاح العراقي في استضافة خمس جولات حوارية بين الرياض وطهران، ساهمت في التوصل إلى توقيع الاتفاق برعاية صينية. هذا النجاح بات يؤهله لإمكانية لعب دور الوسيط في ملفات دولية أخرى، من بينها الوساطة بين كييف وموسكو، وبين كييف وطهران.

وتأتي هذه المحاولة، لأجل تخفيف حدة التدخل العسكري الإيراني إلى الجانب الروسي، في الحرب الأوكرانية؛ خاصة أن هذا الدور إنما يُثير حفيظة الجانب الأوكراني؛ من حيث إنه أدى إلى تداعيات كبيرة على مستقبل المنظومة الأمنية في أوكرانيا، وفي أوروبا عمومًا، في ظل عقيدة “الحرب الهجينة” التي بدأ يعتمدها الروس في هذه الحرب. هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، فإن التناقضات بين كييف وطهران لا تصل إلى حد التناقضات التي كانت تنتاب العلاقات بين الرياض وطهران، قبل الاتفاق الأخير.

ثالثًا: استثمار تصويت العراق في الجمعية العامة؛ منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية قبل أكثر من أربعة عشرة شهرًا، في 24 فبراير 2022، اتخذ العراق موقفًا حياديًا، وامتنع عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمصلحة قرار يُدين الحرب الروسية في أوكرانيا. إلا أنه، بعد عام من بداية الحرب، وفي تصويت أيضًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس 23 فبراير الماضي، في الجلسة الطارئة رقم 11 للجمعية العامة بشأن أوكرانيا، اصطف العراق مع 141 دولة، حيث صوت ممثل العراق على مشروع قرار الأمم المتحدة، الذي يدعو إلى سحب القوات الروسية من أوكرانيا بشكل فوري.

ورغم أنه ليس لتصويت الجمعية العامة في الأمم المتحدة، أي قوة إلزام؛ لكنه – وهذا هو الأهم- يُعتبر مقياسًا مهمًا للرأي العام الدولي. ومن ثم، تأتي زيارة كوليبا إلى بغداد، في محاولة لاستثمار السلوك التصويتي العراقي الأخير، أمام الجمعية العامة؛ وذلك في اتجاه تفعيل العلاقات السياسية والدبلوماسية، بل والاقتصادية معه.

رابعًا: تفعيل التعاون الاقتصادي والاتفاقيات المشتركة؛ فمنذ عدة أشهر، تحاول أوكرانيا، التي تتمتع بدعم من شركائها الغربيين، تعزيز علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وفي هذا الإطار، إطار التعاون الاقتصادي، يأتي أحد الأسباب التي تستند إليها زيارة كوليبا إلى بغداد. وكانت الخارجية الأوكرانية، قد قالت في بيان لها، الأحد 16 أبريل، إن كوليبا سيناقش خلال الزيارة تطوير الحوار السياسي، وزيادة حجم التجارة والتفاعل في المنظمات الدولية. وبدوره، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف، إن زيارة كوليبا تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية، ومناقشة سُبل التعامل مع مختلف القضايا الإقليمية والدولية.

وتبعًا للأرقام المتوافرة، وفقًا لإحصاءات الإدارة الحكومية الأوكرانية، مايو 2019، فإن حجم التبادل التجاري بين أوكرانيا والعراق، في عام 2018، قد وصل إلى 644 مليون دولار أمريكي، والخدمات إلى 25 مليون دولار أمريكي، مع ميزان تجاري إيجابي لصالح أوكرانيا. ويحتل العراق المرتبة السادسة من بين أكثر 15 دولة تنامت فيها صادرات البضائع من أوكرانيا أكثر من غيرها، والتي تبلغ 164.9 مليون دولار أمريكي.

فرصة محتملة

في هذا السياق، يُمكن القول بأن زيارة وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا، في ظاهرها زيارة رسمية لتفعيل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع العراق؛ إلا أنها، في الوقت نفسه، تستند إلى أسباب متعددة، تلتقي عند “دور الوسيط”، حيث يبرز دور العراق كوسيط “محتمل”، ليس فقط في الأزمة الروسية الأوكرانية، ولكن أيضا في التقارب بين كييف وطهران؛ وذلك بعد نجاحه في التوسط، “المبدئي”، بين طهران والرياض.

فهل ينجح العراق، في هذه الوساطات المرجو منه القيام بها؛ إلا أن هذا يتوقف على مدى موافقة الأطراف على مثل هذا الدور، وعلى قبول مبدأ الوساطة قبل ذلك.. وهو ما سوف تكشفه الأيام المقبلة.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker