عام

متابعات عربية: دوافع مشاركة الجزائر.. في مبادرة “الحزام والطريق”

كشفت وزارة الخارجية الجزائرية، بشكل مفاجئ، عن التوقيع على خطتين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجزائر والصين؛ وأشارت في بيان لها إن وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، ورئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين خو ليفانغ، وقعا عن بعد، على الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق” والخطة الثلاثية للتعاون في المجالات المهمة (2022-2026).

وبقدر ما تحمل هذه الخطوة قدرا كبيرا من الطموح الاقتصادي للجزائر، لكونها مع قوة اقتصادية عالمية؛ فإنها في الوقت نفسه، تتضمن رهانا سياسيا يرتبط بالتحولات الاستراتيجية على المستوى الدولي.

ويأتي توقيع الجزائر والصين على هاتين الوثيقتين، الاثنين 5 ديسمبر، بعد إبرام الطرفين في الخامس من نوفمبر الماضي، الخطة الخماسية لـ”الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، في خطوة تؤكد الشراكة القوية بين الطرفين. وفي الوقت نفسه، يأتي التوقيع بمثابة رد، ورسالة ذات مغزى، على الضغط الأمريكي الأوروبي على الجزائر، وما صدر عن نواب من الاتحاد الأوروبي والكونغرس الأمريكي مؤخرًا من مطالبات بفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية بسبب التقارب مع الشرق وأيضا صفقات الأسلحة مع روسيا.

رهان وطموح

تتطلع الجزائر إلى الشراكة مع الصين في مسعى لتعزيز حضورها، ليس فقط الاقتصادي، ولكن السياسي أيضا، خارج محيطها المغاربي والأفريقي؛ وفي السعي إلى هذه الشراكة، تتضح أهم الدوافع التي تعتمد عليها الجزائر.. كما يلي:

تأكيد النهج السياسي المتعلق بالشراكة مع الشرق؛ إذ ترتبط الجزائر بعلاقات قوية مع الصين وروسيا. وبالتالي فالشراكة الجزائرية الصينية المتجسدة في مشاريع عملاقة، تُمثل خطوة سياسية ترمي من خلالها الجزائر إلى تأكيد موقعها الجيوسياسي في شمال أفريقيا، وموازاتها لجنوب أوروبا؛ خصوصا أن الاستثمارات الصينية في الجزائر، تشكل خطوة استراتيجية في اتجاه أوروبا، حيث ستصبح السوق الأوروبية على “مرمى حجر” من البضاعة الصينية، التي ستصل إليها في وقت قياسي.

واللافت أن إصرار الجزائر على سياسة تنويع الشركاء، يأتي في إطار توتر العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة، منذ توقيع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إعلانًا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وهو ما أدى بالجزائر إلى تغيير البوصلة علانية نحو الصين وروسيا؛ هذا فضلا عن عدم الارتياح الجزائري للرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، من منظور أنه كان قد قدم لائحة ضد الجزائر، حين كان نائبا عام 1990، بزعم سعيها لامتلاك سلاح نووي.

ومن جهة أخرى، تقوية الاقتصاد وإنجاز مشاريع تنموية طموحة؛ فالجزائر تراهن على جعل عامي 2022-2023 أعوامًا للمشاريع الاقتصادية الطموحة، وسط توجه إلى مراجعة قوانين مهمة مثل قانون الاستثمار، وقانوني البلدية والولاية اللذين يرتبطان بالتنمية على نحو وثيق. وبحسب معطيات رسمية، نقلًا عن لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، فقد أنهى الاقتصاد الجزائري عام 2021 بأرقام مُشجعة؛ حيث عرفت السنة الماضية ارتفاع الصادرات غير النفطية، التي قاربت 4.5 مليار دولار، في نهاية شهر نوفمبر 2021، محققة طفرة استثنائية (وصلت إلى 160 بالمائة، مقارنة بالعام 2020).

وبالتالي، تأتي الشراكة مع الصين كمحاولة جزائرية في تقوية الاقتصاد؛ إذ يبدو التأثير الواضح للعلاقات الجزائرية الصينية، والنمو المتزايد في حجم التجارة بينهما، التي حولت الصين إلى أهم متعامل تجاري للجزائر خلال العقود الأخيرة.

وبحسب التقديرات التي يذكرها “trade map, 2021” ارتفع حجم التعاملات التجارية بين الجزائر والصين من 292 مليون دولار عام 2001، إلى 5.15 مليار دولار في عام 2010، لتقفز في عام 2020 إلى 6.58 مليار دولار.

بل إن التزايد الكبير للصادرات الصينية نحو الجزائر، توضح كيف أن السوق الجزائرية أصبحت محطة مهمة لصادرات الصين؛ حيث سجلت هذه الصادرات ما قيمته 5.59 مليار دولار في عام 2020، وهو ما يُمثل نسبة 36.27 % من صادرات دول الاتحاد أوروبي إلى الجزائر، التي بلغت 15.41 مليار دولار في نفس العام.

ومن جهة أخيرة، التحول إلى قوة اقتصادية في المتوسط الجنوبي؛ فالجزائر عبر رغبتها في اكتساب مكانة اقتصادية مهمة في ظل “نظام اقتصادي متعدد الأقطاب”، تحاول الاستفادة من الشراكة مع الصين، في تنمية اقتصادها؛ فبالإضافة إلى الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”، التي وقّع عليها بالموازاة مع “خطة التعاون” في المجالات المهمة، فقد  أبرم اتفاق بين مجمع “سوناطراك” النفطي الحكومي وبين شركة “سينوبك” الصينية بهدف التنقيب والإنتاج المشترك للنفط، تقدر قيمته بـ 490 مليون دولار.

أيضا وقّع على عقد لاستثمار سبعة مليارات دولار في مشروع للفوسفات، يستهدف إنتاج 5.4 مليون طن من المخصبات الزراعية سنويا، وذلك بحسب ما يذكر رئيس جمعية المستشارين الجبائيين الجزائريين، بوبكر سلامي، عبر حوار له في “إندبندنت عربية”، السبت 10 ديسمبر 2022.

وهكذا، تجد الجزائر نفسها مضطرة إلى إنجاز خطوات تشاركية مع قوة دولية بحجم الصين، لأجل تنشيط وتفعيل دورها الإقليمي، بشكل يتناسب مع إمكاناتها، خاصة المتعلقة بالطاقة، في جنوب المتوسط وشمال أفريقيا؛ فهي، وإن كانت أكبر مُصَّدِر للغاز في أفريقيا، إلا أنها في الوقت نفسه، تضع نصب أعينها الوضع التنافسي سياسيًا خصوصا مع مصر، في منطقة الشمال الأفريقي؛ حيث ساهمت الخطوات المصرية المتسارعة، للتحول إلى مركز إقليمي لتسييل الغاز وتصديره لأوروبا، بعد الاكتشافات الكبيرة للغاز في شمالها المتوسطي.. ساهمت في بحث الجزائر عن قوى إقليمية منافسة، فكان التقارب الجزائري مع تركيا، وإلى حد ما كبير مع إيران.

دوافع وأهداف

في هذا السياق، يمكن القول بأنه رغم عدم تواجد الجزائر -بصورة مباشرة- ضمن الخطوط الرئيسة لمبادرة “الحزام والطريق”، إلا أنها تظل تحظى بأهمية ضمن المبادرة. وتأتي هذه الأهمية بسبب مسارها التاريخي الحافل مع الصين، وعلاقاتهما الاقتصادية المتميزة التي تترجمها الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالتجارة والاستثمار؛ فضلا عن مكانتها في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، وكذلك بصفتها إحدى البوابات المهمة لغرب أفريقيا.

وهكذا، ففي ضوء التحديات السياسية والأمنية التي تفرض نفسها، على الصعيدين الإقليمي والدولي، وفي إطار كافة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة تلك المتعلقة بمجالات الطاقة؛ تبدو محاولات الجزائر في تصدر المشهد كـ”فاعل إقليمي”، حيوي ومؤثر، سواء بالنسبة لدول جوارها الجغرافي، في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي، أو بالنسبة إلى دول جنوب أوروبا.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock