مختارات

هل اتخذ القرار الدولي بالسماح للسودان بأن يصبح دولة فاشلة؟؟

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن صحيفة عُمان

حسين عبد الغني

يبدو لي أن الوضع الراهن في السودان له علاقة بتآمر أبناء بلد ما على أنفسهم مما يسهل تآمر الغير عليهم واستغلالهم. فهو يتجاوز فكرة أنها حرب بين جنرالين على السلطة والثروة – حتى لو كانت على حساب جماجم أبناء السودان – إلى فكرة أكثر سوادا للأسف مفادها أن السماح لهم من قبل حلفائهما الإقليميين والدوليين كلا على حدة بالدخول في الحرب كان بمثابة قرار دولي بترك السودان يتحول إلى دولة فاشلة بشكل تام بما يفتح الباب لتمزيق السودان العربي الإفريقي لثلاث دول في الغرب والشرق والشمال بعد أن سبق وانسلخ الجنوب منه قبل ١٢ عاما.

علينا أن نتذكر هنا أن السودان يدفع الآن فواتير أربعة أثمان أو كوارث فادحة:

١- الثمن الأول هو ثمن إخفاق دولة الاستقلال منذ ١٩٥٦في حل المشكلات العرقية والدينية واللغوية والقبلية التي أوجدت أزمة هوية وطنية مزمنة عما إذا كان السودان عربيا أو إفريقيا عن كونه دولة مسلمة أو دولة تقوم على المواطنة وتحترم التعدد الديني. كأن نحو سبعين سنة كاملة منذ قرار السودانيين الحر في الاستفتاء على تقرير المصير والاستقلال لم تكن كافية لنخبتها الحاكمة في الخرطوم لكي تنجز مهمة بناء دولة وطنية حديثة، نخبة تقاذفت السودان بين يديها كلعبة تتدحرج تارة إلى النخبة المدنية وتارة أخرى إلى النخبة العسكرية، ثم حدثت الطامة الكبري عندما جمعت منذ انقلاب البشير – الترابي ١٩٨٩ – ٢٠١٩ ولمدة ٣٠ عاما كاملة بين أسوأ مزيج ممكن لنخبة حاكمة وهو الجمع بين الطابع العسكري والطابع الأيديولوجي الحركي لمشروع الإسلام السياسي الشمولي.

هذه النخبة لم تفشل فقط في بناء دولة المواطنة العابرة المذاهب والأعراق والأديان والقبائل ولكنها أضافت تعقيدات ومرارات ضاعفت من ميراث الاستعمار البريطاني وسياسة «فرق تسد» الشهيرة التي اتبعها بين الأطراف السودانية والتي أوجدت قبل الاستقلال صراعات هوية من نوع الزنوجة والعروبة أو صراعات سياسة من نوع الختمية الميرغنية أم الأنصار المهدية أو الأمة أم الاتحادي.. فهي أضافت إليها مسألة المركز والهامش حيث قام الشمال الحاكم المتطور نسبيا بتهميش مناطق الغرب والشرق والجنوب واستحوذ على الجزء الأكبر من موارد البلاد ومن مناصب الجيش ومؤسسات الحكومة في دولة ما بعد الكولونيالية.

عمر البشير وعمر الترابي
عمر البشير وعمر الترابي

٢- ثمن المذابح وجرائم الحرب الأهلية: الانقلابات العسكرية شبه الدورية على حكومات السودان المدنية أوجد تفاعلا مجرما بين الألغام والفتن المزروعة بيد المحتل البريطاني ومرارات التهميش في الثروة والسلطة التي خلقتها نخبة ما بعد الاستقلال. وكانت نتيجتها أن الحروب الأهلية لم تكن تتوقف في هذا البلد العزيز إلا لتبدأ من جديد. حروب أهلية بين السلطة المركزية في الشمال مع الجنوب ومع الغرب على الحدود مع تشاد خصوصا ومع الشرق على الحدود مع أريتريا خصوصا. حروب تداخلت فيها ١١ دولة تجاور السودان في الحدود وأصبحت لها ولاءات جماعات محلية سودانية مرتبطة بها علي حساب ولاءها للسودان الواحد. حروب قتل فيها فوق أربعة ملايين سوداني أي ما يزيد عن مجموع حروب العراق وأفغانستان واليمن وسوريا وليبيا مجتمعة. ونزح داخليا أو خارجيا بسببها أكثر من عشرة ملايين مواطن سوداني. الأخطر من ذلك كله الوحشية التي كانت تدار بها هذه الحروب، فحرب مثل حرب دارفور ارتكبت فيها الأطراف المتحاربة هناك خاصة ما يسمى «الجنجويد» التي كانت موجهة من قبل نظام البشير ومن البشير شخصيا «التكوين الأولي الذي بنيت عليه قوات الدعم السريع المنخرطة حاليا في الحرب مع الجيش والبرهان».. جرائم حرب ومذابح وفظائع يشيب لها الولدان. وبدلا من فجوات العرق أو الدين أو المذهب أو القبيلة أو المنطقة أصبحنا أمام الثأر الذي يشمل عائلات ومناطق بأسرها لا تقبل بالعيش في بلد واحد أو حتى الموافقة على إلقاء السلاح ووقف الحرب قبل أخذ ثأرها أو على الأقل جبر الضرر وتحقيق عدالة انتقالية تقتص من مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية هو مطلب عادل آخر أخفقت نخبة الخرطوم المدنية والعسكرية في تقديمهم للعدالة بل وأخفقت في أحيان كثيرة بالاعتراف أصلا بهذه الجرائم.

٣- ثمن الحكم الإسلامي العسكري: تمكن اجتماع أيديولوجية الترابي الخارج من صفوف الإخوان المسلمين مع قادة الجيش المتشددين خاصة البشير على الانقلاب على الحكومة المدنية على القضاء على ما تبقى من أمل في أن تسوي دولة الاستقلال أزمات السودان المزمنة التي تعوق تحويله لدولة واحدة لكل مواطنيها.

السودان

– الحركة الإسلامية السودانية اجتمع لها للمرة الأولى السيطرة الكاملة على القوات المسلحة والحكومة وطبقت نظريتها الكارثية في تحويل السودان قسرا إلى هوية إسلامية وتحويل السودان كقاعدة لحركة إسلامية عالمية تدخلية استضافت كل المتطرفين الأصوليين المتشددين من بن لادن إلى متطرفي الجماعات الجهادية.

أجج هذا الوضع حروب المركز في الخرطوم مع مناطق الغرب والشرق والجنوب السوداني خاصة الجنوب إلى حروب ضارية رفعت فيها للأسف – زورا وبهتانا – أعلام الدين الإسلامي والهوية العربية ومضت النخبة العسكرية – الإسلامية في غيها لفرض أيدلوجيا شمولية على بلد متعدد تعددا غير مسبوق إلى حد التضحية بوحدة السودان باستهتار سياسي ووطني من أجل نظرية أيدلوجية معادية لحركة التاريخ فقبلت في ٢٠٠٥ باتفاقية «نيفاشا» الذي كانت تعني عمليا عند التطبيق شيئا واحدا هو القبول بانفصال الجنوب وهو ما حدث فعليا عام ٢٠١١ عندما استقل الجنوب بدولة منفصلة حاملا معه في أراضيه معظم ثروة السودان من النفط والذي كان قد بدأت موارده للتو في إنعاش الاقتصاد السوداني الفقير.

– وما زالت الحركة الإسلامية السودانية أو ما يطلق عليها في الأدبيات السودانية بفلول النظام البائد مستمرة في إغراق البلاد في الحرب الأهلية هذه المرة رغبة في إفشال الثورة السودانية والعودة إلى الحكم مرة أخرى مستغلة احتياج البرهان إليها لموازنة ما يبدو أنه تقارب بين جزء من القوى المدنية وقائد الدعم السريع حميدتي مع زعم الأخير بأنه ملتزم بالاتفاق الإطاري الموقع في ديسمبر ٢٠٢٢ لإعادة السلطة السياسية كاملة للمدنيين وخروج العسكريين الكامل من الحكم.

السودان

٤- ثمن اتفاقيات التسوية غير المتوازنة: الثمن الرابع الذي يدفعه السودان وشعبه الآن في حرب عنوانها البرهان/ حميدتي ولكن حقيقته ممتدة في عشرات الاتفاقيات التي تحاول السلطة المركزية بالتوقيع عليها الخروج من مأزقها مع عشرات الحركات المسلحة في الغرب والشرق والنيل الأزرق وكردفان.. إلخ مثل اتفاق جوبا للسلام القديم ٢٠٢٠ والمحدث في ٢٠٢٣. وهي اتفاقيات تنص على حكم فيدرالي لبعض المناطق وتحويل معظم ثروة المنطقة والإقليم لحكومة محلية «حكم ذاتي» وتعويض مالي للضحايا في المذابح والمجازر في الحرب الأهلية وعادة ما تسعى الحكومة المركزية إما للتنصل من هذه الاتفاقيات وتحويلها إلى حبر على ورق أو تعجز عن الوفاء بالتزاماتها فيها لأسباب سياسية واقتصادية وتكون النتيجة هي إعطاء كل مبرر للمناطق والحركات المسلحة والمتمردة للمضي قدما بالتحالف مع قوى دولية وإقليمية في خطط الانفصال عن الدولة السودانية. بعبارة أخرى قد لا تكون حرب الجنرالين سوى البداية في ترك الدولة السودانية تتحول لدولة فاشلة يسهل تقسيمها إلى ثلاثة دول شمال وشرق وغرب بعد أن انقسمت من قبل إلى دولتي شمال وجنوب. أن موارد السودان الطبيعية الهائلة في الذهب واليورانيوم والنحاس وغيرها وكونه البوابة العربية لإفريقيا تجعل الكثير من دول الإقليم ومنها إسرائيل راغبة في دويلات تحل محل السودان الكبير بما يسهل الاستيلاء على ثرواته بالتعاون مع ميليشيات وقوى محلية أو بالتحكم في موانيه وموقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر ووصله بين الساحل والصحراء وبين شمال وكل من شرق وغرب ووسط القارة الإفريقية.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker