مختارات

كيف أصبح الصراع العربي الإسرائيلي حربا على حركة الجهاد؟!!

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن صحيفة عمان

حسين عبد الغني

غلاف غزة أو الدفاع عن مستوطنات الاحتلال المتاخمة للقطاع «جنوب فلسطين المحتلة» هو الوصف الذي تطلقه إسرائيل على حملاتها المتكررة وآخرها العدوان الجاري حاليا تحت مسمى «درع وسهم».

يجتهد هذا المقال في أن يقرأ لا في الوقتي والمؤقت لحرب غزة الراهنة ولكن في التطور الاستراتيجي لمعادلة حروب غزة المتكررة المحدودة منذ ٢٠١٩ والتي شهدت تغييرا جوهريا لقواعد اللعبة أعادت صياغة نطاق الصراع وأعادت تحديد أطرافه.

١- تصغير وتهميش الصراع العربي الإسرائيلي:

من أكبر الجرائم الاستراتيجية للأمن القومي العربي التي يكشف عنها العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة الصامدة هو نجاح المخطط الإسرائيلي في مواصلة الاستمرار المخزي في تصغير وتهميش طبيعة وجوهر الصراع بين العرب وإسرائيل؛ فهو لم يعد الصراع الوجودي العربي – الإسرائيلي كما عرفته الأجيال العربية منذ النكبة حتى جاءت فاصلة زيارة الرئيس السادات للقدس المحتلة وتوقيع اتفاق كامب ديفيد، ولم يعد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بل ولم يعد حتى الصراع بين إسرائيل والمقاومة في غزة بل أصبح يختصر في الصراع بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي. على الأقل هذا ما تثبته الجولات الثلاث للعدوان على غزة منذ ٢٠١٩ وحتى جولة مايو الحالي. ففيها – إذا تجاوزنا البيانات المنمقة – تنحصر المواجهة العملياتية بين طرفين هما الجيش الإسرائيلي والمقاومين من حركة الجهاد الإسلامي.

السادات
السادات في الكنيست

٢- الاستفراد بالجهاد

يمكن القول إن المخطط الإسرائيلي لتحييد حماس والاستفراد بالجهاد قد نجح إلى حد ما في السنوات الخمس الأخيرة فبعد أن أخرجت اتفاقية أوسلو ١٩٩٣ السلطة الفلسطينية وحركة فتح «رائدة حركة الكفاح الفلسطيني المسلح» من حلبة المقاومة مع إسرائيل.. يكاد الآن تحول حماس إلى سلطة دائمة لقطاع غزة – منذ ٢٠٠٧ – أن يخرجها هي أيضا من حلبة المقاومة المسلحة ولو على المدى القصير والمتوسط. فقد باتت سلطة أو حكومة بما لأي سلطة من مصالح ومكاسب تخشى عليها، ومسؤوليات وخدمات تجاه رعاية مليوني نسمة من سكان غزة لابد وأن تنهض بها وبالتالي جعل حساباتها غزاويا وفلسطينيا وإقليميا حسابات معقدة تسير على حبل مشدود من المواءمات وليست هذه أبدًا الحسابات البسيطة لحركة الجهاد.

الفكرة التي طورتها إسرائيل هي إقناع حماس والأطراف العربية المؤثرة عليها أنها سلطة مسؤولة يمكن -عبر الأطراف الإقليمية- تبادل الرسائل السياسية والأمنية معها بخصوص التهدئة والهدنة والمعابر.. إلخ، وأن لديها ما تخشى عليه إذا انقطعت التفاهمات من تشديد الحصار وتصعيب الحياة على أهله الصابرين.

مقابل ذلك فإن حركة الجهاد في الفكر الإسرائيلي هي حركة كفاح مسلح لا تريد سلطة ولا ترغب في فرض نفوذها على جزء من الأرض والسكان مثلما تفعل فتح في الضفة وحماس في غزة.

حدد الإسرائيليون الهدف في إبقاء حماس خارج المواجهة أو خارج اللعبة وإذا لم تستطع كسلطة مهيمنة على غزة منع الجهاد من شن هجمات صاروخية وعمليات فدائية تنطلق من القطاع فعلى الأقل لا تشارك في الرد على العدوان الإسرائيلي على مواقع وقادة الجهاد العسكريين. وكذلك عندما تهم حركة الجهاد بالثأر لمقتل قادتها العسكريين «فقدت ٦ من أبرز قادتها في عدوان مايو الحالي» فإنه على حماس أن تكبح رد فعل الجهاد وإلا حولت إسرائيل عملية محدودة ضد الجهاد إلى عملية شاملة ضد القطاع تقتل وتصيب فيه بدم بارد آلاف المدنيين وتعيد تدمير البنية التحتية ومعها كل جهود عملية إعادة الإعمار التي تقودها حماس وتساعد في تمويلها وتشييدها عدة بلدان عربية.

غزة

٣- اتساق الموقف الأخلاقي لحركة الجهاد:

ارتفاع مكانة الجهاد في المعادلة الفلسطينية/ الإسرائيلية وبالتالي في الإقليم باعتبارها حاليا الخطر الفلسطيني الأول على إسرائيل لا يعود فقط إلى نجاحها في تطوير صناعاتها أو وارداتها من الصواريخ التي ترشق بها إسرائيل، فهذا تشترك بل وتتفوق عليها فيه حركة حماس، ولكن قاد إليه ما يمكن وصفه باتساق الموقف السياسي/ الأخلاقي للحركة.

رفضت الجهاد كما رفضت حماس اتفاقية أوسلو لكنّ حماس رفضت الاتفاقية وقبلت بعمليتها السياسية ودخلت حماس الانتخابات التي قررتها لسلطة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة والقطاع وعندما حصلت على الأغلبية في الانتخابات التشريعية، حاولت فتح التحايل على النتائج فاستولت حماس بالقوة على غزة ٢٠٠٧ وحصل الانفصال بين غزة والضفة. وقفت حركة الجهاد في موقف متسق مع نفسها ورفضت عملية أوسلو ورفضت الانتخابات الناتجة عن أوسلو ورفضت بأدب وصمت الانقسام وأخذ غزة بالقوة ورفضت -الجهاد- الانخراط في سفك الدم الفلسطيني الحرام الذي جرى بين فتح وحماس، زهدت في سلطة -هي حقيقة- بلا سلطة يحاصرها العدو من كل الجهات ويتحكم في سماها وأرضها وبحرها ومواردها المالية.

من الناحية الإقليمية اتخذت الجهاد ما يمكن وصفه كذلك بالسياسة الاستراتيجية الأخلاقية غير المتقلبة، فهي لم تنخرط في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي وفي حين كان انتماء حماس الأيديولوجي والمعنوي لحركة الإخوان المسلمين سببا في توتر علاقاتها لفترات متفاوتة بدول مثل سوريا ومصر وغيرها في مرحلة الربيع العربي نأت الجهاد بنفسها تماما.

الربيع العربي

نفس الأمر في العلاقات الإقليمية أبدت الجهاد باستمرار رغبة في الاحتفاظ بعلاقات سياسية مستقرة مع مصر أكبر الدول المؤثرة على الوضع الفلسطيني عموما وفي غزة خصوصا بينما تذبذبت علاقات حماس بالقاهرة صعودا وهبوطا في عهود مختلفة ولأسباب مختلفة.

في العلاقة مع إيران الحليف الأول لحركة الجهاد تعاملت الحركة مع النظام السياسي الإيراني كحليف استراتيجي وليس كحليف سياسي ورغم أن حماس ربما تحظى بحكم حجمها الكبير بالقدر الأعظم من المعونات الإيرانية فإن حركة الجهاد بالنسبة للإيرانيين هي الشريك الفلسطيني الرائد والموثوق الذي بدأ مع ثورة الخميني قبل الجميع واستمر دون أي تذبذب أو مراوحة.

٤- في حرب الاستنزاف الطويلة..المستقبل للمقاومة:

الحرب الراهنة التي تشنها إسرائيل على غزة هي رقم ٢٠ منذ الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة ٢٠٠٥ وهي الثالثة منذ ٢٠١٩ التي يستهدف الاحتلال بها حركة الجهاد ويستفرد بها.. والمعادلة فيهم جميعا لا تتغير لا إسرائيل قادرة علي القضاء على المقاومة ولا المقاومة تستسلم أو ترفع الراية البيضاء. إسرائيل تعلم أن حملاتها هدفها هي تقليم أظافر المقاومة عبر مستهدفين مكررين الأول هو قواعد منصات الصواريخ وورش تصنيع سلاح حركة الجهاد والثاني هو اغتيالات انتقائية شديدة الدقة لقادتها العسكريين «الجعبري أبو العطا.. إلخ» وتحرمها لفترة من العقول الميدانية والتخطيطية. تنجح إسرائيل في الاغتيالات وإلى حد أقل في تدمير قاعدة التسليح للجهاد. ولكن في كل مرة تعيد الجهاد بناء قوتها العسكرية وتزيد من حجم ومدى صواريخها.

وفي مقابل ذلك تنكشف ثغرات كبيرة على المدى الطويل في قدرة إسرائيل كمجتمع مستوطنين ليسوا من أهل الأرض الأصليين تجعل من حرب الاستنزاف المستمرة في غزة وجزئيا في الضفة خاصة في جنين وهو أيضا معقل آخر لحركة الجهاد الإسلامي حرب استنزاف لصالح المقاومة على المدى البعيد وإن كانت خسائرها البشرية هي الأكبر على المدى القصير.

ومن هذه الثغرات: انكشاف أكذوبة القبة الحديدية كنظام دفاع جوي جامع مانع يحمي إسرائيل: ثبت أن ما يستطيع اعتراضه من صواريخ المقاومة في حدود ٤٠٪ وحطم صاروخ «للجهاد» عمارة بأكملها لو كانت عملية إجلاء سكانها تأخرت حتى وصوله لكانت شهادة وفاة حقيقية للنظام الدفاعي الذي تمول تكاليفه الولايات المتحدة.!!

صواريخ غزة
صواريخ غزة تحلق فوق سماء الأراضي المحتلة

بعبارة أخرى قال عالم دفاع أمريكي شهير للجزيرة: إن قلة خسائر إسرائيل البشرية لا ترجع لكفاءة الدفاع الجوي في القبة الحديدية بل لفعالية نظام الملاجئ الإسرائيلي الذي ينذر السكان مبكرا قبل أن تصل الصواريخ الفلسطينية إلى مستوطناتهم في غلاف غزة.

السبب الثاني هو عدم اكتمال دقة صواريخ المقاومة وقصر مداها النسبي عن أن يطول أهدافا موجعة للاحتلال ولكن في هذا العنصر بالذات يعمل المستقبل لصالح المقاومة فمن يقارن صواريخها في عملية ٢٠٠٨ /٢٠٠٩ الكبيرة بمداها وعددها ودقتها في معركة الأيام الأخيرة يمكن أن يقدر بشكل علمي كيف يعمل المستقبل لصالح أصحاب الأرض المقاومين.

الثغرة الثالثة التي تنكشف باستمرار هي ما تكلفه عملية نقل المستوطنين إلى الملاجئ وعملية الفزع وافتقاد الأمن والتكلفة الباهظة لصواريخ القبة الحديدية وعمليات التعبئة للاحتياطي وضرب السياحة لإسرائيل وهي تكلفة تزداد مع إطالة أمد المعركة ولكن هذه الإطالة تحدث فقط عندما تنضم باقي حركات المقاومة إلى «الجهاد» في المعركة ويتوقف الاستفراد بها كما حدث في لحظة استثنائية في معركة سيف القدس ٢٠٢١.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock