بقلم غادة الكرمي، ترجمة وتحرير نجاح خاطر، نقلًا عن موقع بالعربية
قبل خمسة وسبعين عاما، فُرضت على الشرق الأوسط العربي دولة شاذة غريبة بكل معنى الكلمة على ثقافة المنطقة وعلى مفهوم النضال ضد الاستعمار.
ولم يكن لإقامة هذه الدولة سوابق تاريخية في العالم العربي، رغم الترويج المستمر للأساطير التوراتية للإيحاء بغير ذلك.
منذ البداية، كانت إسرائيل خليقة غربية: دولة استيطانية استعمارية أقيمت بهدف استيعاب يهود العالم أو أكبر عدد من اليهود الذين كانوا ربما يفضلون الولايات المتحدة أو أوروبا كمكان للعيش.
استمرت الدولة الجديدة في انتهاك القانون الدولي بشكل متكرر، ومهاجمة جيرانها، واضطهاد السكان الفلسطينيين الأصليين، وفرض نظام الفصل العنصري عليهم.
والمثير للدهشة أن هذه الدولة أخذت تتلقى دعمًا غير محدود من الدول الغربية القوية، والتي لم تعر تجاوزاتها كثيراً من الاهتمام.
تمت معاقبة روسيا على جرائمها في أوكرانيا بسرعة بالعقوبات الغربية الشرسة، بينما تم العفو عن إسرائيل على جرائم مماثلة ضد الفلسطينيين ولم تتغير مكانتها المتميزة في التقدير الغربي.
فحتى الآن، قتلت إسرائيل هذا العام أكثر من 130 فلسطينيا، وواصلت حصارها لغزة التي أصبحت الآن ضحية لمزيد من القصف الإسرائيلي.
واستمرت إسرائيل في عمليات الاستيلاء على الأراضي وعمليات الإخلاء للفلسطينيين الأصليين، لكن علاقاتها بالغرب بقيت على حالها.
وبعد 75 عامًا من التحيز الغربي الصارخ المؤيد لإسرائيل، كان تأثير ذلك حمايتها من الانتقام، مما منحها الإفلات من العقاب على تصرفاتها.
ولو تُركت إسرائيل لتدافع عن نفسها بنفسها، لكان النضال الفلسطيني من أجل الحرية قصيرًا، وكان سيتم استيعاب مجتمع المستوطنين في فلسطين تدريجيًا وبسلام في المنطقة.
استغلال فلسطين
لكن هذا لم يكن ليتم السماح بحدوثه بالنسبة للدول الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية وآثارها المدمرة على سكانها اليهود، فكانت فلسطين هبة من السماء يجب استغلالها.
كان الاضطهاد طويل الأمد لليهود في أوروبا بحاجة إلى حل عاجل، ولكن ليس في أوروبا أو الولايات المتحدة، التي رفضت بالفعل قبول اليهود الفارين من الاضطهاد النازي في عام 1938، بل في فلسطين التي كان الحكم الاستعماري البريطاني يقيد قيام أي مقاومة فعالة للتدفق الأجنبي لليهود إليها.
كان الفلسطينيون مدركين جيدًا لخطر الصهيونية على بلدهم منذ البداية، مستائين من استخدامها كحل للاضطهاد اليهودي في أوروبا.
ونجح الضغط الغربي القوي بعد الحرب العالمية الثانية باستصدار قرار قبول إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة عام 1949، على الرغم من العديد من التحفظات.
لا شيء آخر يفسر قبول الأمم المتحدة بدولة تنتهك ميثاقها، وليس لها حدود ثابتة، وأنشأها العنف والتطهير العرقي، ولم يكن لديها قدرة واضحة على العيش بسلام، ولم تكن قادرة على إعطاء تأكيدات بأنها ستحترم قرارات الأمم المتحدة بشأن مكانة القدس أو عودة اللاجئين الفلسطينيين.
كانت فلسطين هي الهدية الغربية كتعويض لليهود على معاناتهم، ولا يزال إرث الشعور بالذنب بشأن معاناة اليهود، وفكرة أن اليهود مدينون بدولة ينغرس عميقاً في علم النفس الغربي وهو في أوضح صوره في ألمانيا، وفي أماكن أخرى في أوروبا وبين الأمريكيين من أصل أوروبي.
الوضع الخاص
وإلى جانب استمرار معاداة السامية، منح هذا الوضع إسرائيل مكانة خاصة يجب الحفاظ عليها كدولة يهودية.
ويضيف اعتبار إسرائيل كامتداد للإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط وخارجه، وكمصدر لتكنولوجيا المراقبة والأسلحة المختبرة ميدانيًا (على الفلسطينيين) الكثير إلى جاذبيتها للغرب.
لهذا السبب يلتزم الغرب بشدة بحل الدولتين على الرغم من كل الأدلة التي تنفي إمكانيته على الإطلاق، وهو أيضًا السبب الرئيسي في أن حل الدولة الواحدة، على الرغم من مزاياه الواضحة والحتمية لم ينطلق أبدًا على المستوى الرسمي، ومن غير المرجح أن يحدث ذلك بينما تستمر العقلية الحالية في الدول الغربية.
تظهر نظرة سريعة على الخريطة استحالة أي شيء آخر غير حل الدولة الواحدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فمنذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، أصبحت المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط بحكم الواقع دولة واحدة، تحكمها إسرائيل بالكامل، رغم أن نصف سكانها من العرب الفلسطينيين والنصف الآخر من اليهود الإسرائيليين.
بسبب نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، لا يستفيد النصف العربي من حقوق متساوية مع اليهود، ولا يتمتع غالبية العرب بحقوق على الإطلاق.
لقد جادلت في كتابي الجديد “دولة واحدة: المستقبل الديمقراطي الوحيد لفلسطين-إسرائيل”، بأن الطريقة الواضحة للمضي قدمًا في وضع مثل هذا هو استعادة حقوق الجميع، وإنهاء الفصل العنصري والحكم القمعي في إسرائيل، وتحويل الدولة غير العادلة إلى ديمقراطية واحدة يتقاسمها كلا الشعبين في شراكة منصفة.
ومع ذلك، لا توجد دولة ديمقراطية كهذه ممكنة دون حل دولة إسرائيل الحالية، الأمر الذي يخشاه الغرب، ولكن إذا ما حدث ذلك، فهذا يعني نهاية الصهيونية، وكذلك نهاية التفوق اليهودي والظلم في البلاد.