مختارات

هل تغامر واشنطن بالمزيد من تدهور هيمنتها على المنطقة؟

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن صحيفة عُمان

حسين عبد الغني

في الوقت الذي ينشر فيه هذا المقال تكون قاعات الجامعة العربية مشغولة بسلسلة اجتماعات ضمن مبادرة عربية تتوخى حسم مسألة إنهاء عزلة سوريا عن أمتها العربية وذلك قبل نحو عشرة أيام فقط من انعقاد القمة العربية المقبلة في الرياض في التاسع عشر من الشهر الجاري.

خلقت هذه المبادرة تيارا جارفا يشير إلى أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية باتت مرجحة وقريبة. أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط تحدث عن أن عودة سوريا للجامعة في اجتماع القمة القريب في الرياض وارد جدا. وتحدث وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عن أن هناك أصواتا كافية بين الدول الأعضاء لإعادة دمشق لمقعدها في الجامعة.

السؤال المطروح الآن هو ما الذي يمكن أن يمنع حدوث هذا التطور الجيوسياسي المهم الذي تنتظره المنطقة ويساعد على تحسين مناخ الاستقرار في المنطقة وسيفتح نافذة أمل مجددة للشعب السوري للخروج من محنته.

الجواب هو المعارضة الأمريكية لإنهاء عزلة سوريا.

فلماذا تقاوم أمريكا هذا التطور رغم ما سيؤدي إليه من نتائج إيجابية لاستقرار المنطقة؟ وهل هناك حلول سياسية تفاوضية يمكن أن تقنع واشنطن بعدم الظهور كطرف يعيق الاستقرار والتسوية السياسية لنزاعات الشرق الأوسط؟

مصالح استراتيجية أمريكية وليس موقفا أخلاقيا:

كما أثبتت التطورات اللاحقة لأزمات العراق وليبيا بسقوط كل الادعاءات الأخلاقية التي تم بها تبرير التدخل به في شؤونها من قبل الغرب والناتو.. فإن تطورات الأوضاع في سوريا آلت إلي نفس المصير خاصة بعد أن قاد دعمها لكل من ادعى معارضة إلى سيطرة داعش في لحظة معينة على أراض شاسعة في سوريا والعراق وقيام الجماعات المتطرفة بمذابح تتفوق على أي مظالم أخرى.

فإذا نحينا هذه الادعاء جانبا لا بد من الاعتراف بأن سلوك واشنطن المعادي للتطبيع مع الدولة السورية إنما يستند إلي مصالح أمريكية شديدة الأهمية على الأقل من منظور مؤسسة الأمن القومي الأمريكي التي تعتبر العالم كله مجالا حيويا للأمن الأمريكي!!.

سوريا الشقيقة
خراب سوريا

هذه المصالح يمكن تلخيصها في الآتي:

١- الوجود العسكري الأمريكي:

الولايات المتحدة لها وجود عسكري كبير ومؤثر مباشر بنحو ألف عنصر عسكري وقواعد ووسائل استطلاع وردع مدعوم بالقواعد الأمريكية وقيادة المنطقة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك الوجود المباشر هناك القوات الكردية السورية المدعومة من واشنطن وقد أنتج هذا الوجود عدة مكاسب استراتيجية يصعب على واشنطن التفريط فيها.. المكسب الأول هو استيلاء الأمريكيين وحلفائهم الأكراد على منطقة الشمال الشرقي السوري وهي منطقة واسعة تسمح لواشنطن بالقيام بعمليات نوعية مثل اغتيال «القرشي» زعيم داعش والتي استنتجت العسكرية الأمريكية بعدها ضرورة الإبقاء على هذا الوجود في سوريا وعدم ارتكاب ما سمي بخطأ الانسحاب الشامل من أفغانستان. المكسب الثاني من الوجود العسكري هو مكسب مادي مباشر ويتعارض مع أي زعم أخلاقي ويتمثل في أن منطقة الشمال الشرقي الأمريكية/ الكردية الحالية هي المنطقة الغنية بالنفط السوري وهناك تقارير شبه مؤكدة تتحدث عن أن واشنطن وحلفاءها المحليين يستخرجون النفط السوري ويستحوذون على عوائده.هذا الوجود الحاكم في المنطقة القريبة يسمح لواشنطن بحماية وجودها ومصالحها في العراق وبتروله صاحبة الكلمة العليا فيه منذ غزوها له ٢٠٠٣.

٢- التفسير الأمريكي المتشدد والخاص للقرار الأممي وقانون قيصر للمقاطعة:

إذا كانت المصالح أو على الأصح المكاسب الأمريكية من وجودها العسكري والمباشر في سوريا وعدم الرغبة في فقدها يجعل واشنطن الطرف الأساسي الذي يعيق إنهاء قطيعة سوريا بما يعنيه ذلك من تمهيد الأرض لإنهاء الحرب الأهلية والوصول إلى سلام في هذا البلد فإن هناك عاملين آخرين يعقدان تجاوبها مع التيار التصالحي الراهن مع سوريا. العامل الأول هو تفسيرها الذاتي المتشدد للقرار الأممي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ بخصوص سوريا

وهو تفسير يجعل للقرار معنى واحد هو: اعتبار إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد هو الشرط لأي تسوية سياسية.

لا تشارك معظم دول العالم واشنطن في هذا التفسير الأحادي الذي يمكن أن نفهم في إطاره لماذا فشلت كل محاولات التسوية السياسية للنزاع.

زلزال سوريا

إضافة إلى تفسيرها الخاص للقرار الأممي الذي تحاول فرضه على العالم يعيق واشنطن عن التخلي عن موقفها المتصلب إصدارها لقانون قيصر الذي يفرض عقوبات مخيفة على الدولة السورية والأخطر من ذلك يفرض عقوبات على أي دولة أو جهة تتعامل مع النظام السياسي السوري في وضعية الصراع القائم في هذا البلد.

أمريكا مهددة بفقدان جزء آخر من هيمنتها التقليدية إذا استمرت في مقاومة التيار الجارف الذي يقوده بعض أقرب حلفائها

اللافت للنظر من منظور التحليل السياسي أن قانون قيصر نفسه الذي يمثل تحديا لتيار إعادة سوريا للمجتمع العربي والدولي يمثل فرصة لهذا التيار من زاوية تقليل المقاومة الأمريكية خاصة إذا اتصفت إدارة بايدن بالرشادة السياسية وعدم الخضوع للمتشددين في الكونجرس وصقور الأمن القومي.

كيف يكون ذلك؟

الجواب في حقيقة أن كثيرا ممن يتحمسون الآن إلى عملية التطبيع مع سوريا عربيا مثل السعودية وإقليميا مثل تركيا هم حلفاء واشنطن الاستراتيجيون أي أن قانون قيصر وقسوة عقوباته لم يثنهم عن تلمس طريق مختلف عن واشنطن للحوارات مع دمشق لأن مصالحهم الوطنية كدول هي في استقرار إقليمي تكتوي به هذه الدول مباشرة عندما يغيب وتنعم به رفاهة إذا حضر.

بعبارة أخرى تغامر واشنطن هنا بفقدان جزء آخر من نفوذها على الإقليم وعلى عواصم مثل الرياض وأبوظبي والمنامة وعمان والقاهرة وبغداد إذا استمرت في مقاومة وصول هذه الدول إلي استنتاج ابلغوه واشنطن (جربنا القطيعة والعزل مع دمشق فلم ينفع فدعونا نجرب الحوار والإدماج) وهي رسالة عاقلة وحازمة معناها أن هؤلاء الحلفاء لواشنطن مصممون على المضي قدما حتى لو أغضب ذلك الأمريكيين وحتى لو كان سيف عقوبات قيصر مسلطًا عليهم.

مؤشرات عديدة توحي بأنه رغم استمرار (الخطاب الرسمي الأمريكي المعارض للتطبيع مع سوريا) على تصلبه منذ ٢٠١١ إلا أنه بدأ في التفكير في عدم المغامرة بالوقوف أمام تيار التطبيع مع الأسد وإلا سمح بأن يبدو كطرف عاجز عن التأثير على الأحداث في سوريا وهو لو تم سيكون مكسبا صافيا لروسيا والصين في إطار الصراع العالمي الذي تمثل حرب أوكرانيا بؤرته المشتعلة حاليا.

الأمريكيون بدلوا خطابهم للحلفاء الذين يحركون بسرعة ملف عودة سوريا من نحن ضد هذا التحرك وسنقاومه إلى «تأكدوا من أنكم ستحصلون على مقابل من الأسد على هذا التقارب. من الأمور التي اقترحها الأمريكيون كتحدٍ صعب على الحلفاء أن يحصلوا عليه هو التزام سوريا بالعمل على منع تهريب مخدرات «الكبتاغون» إلى دول الخليج. في اجتماع وزراء خارجية عدة دول عربية مع نظيرهم السوري في الأردن الشهر الماضي بدا واضحا أن سوريا مستعدة للالتزام وبذل كل جهد لتحقيق هذا الشرط.

بشار الأسد
بشار الأسد

هنا يبرز على نحو فريد الاستفادة من الموقع شديد المصداقية لسلطنة عمان في القضية السورية والذي مكن موقفها المبدئي منذ اندلاعه من أن تصبح القناة العلنية وغير العلنية الموثوق بها من زميلاتها الخليجيات والعربيات والأطراف الدولية للتواصل مع دمشق التي تحظى مسقط بثقتها الكاملة كوسيط نزيه.

تستطيع مسقط أن تساعد في تذليل العناد الأمريكي بمساعدتها في حل قضية الصحفي الأمريكي الذي تقول إنه مسجون في سوريا منذ عشر سنوات كما نجحت من قبل في إعادة رعايا أمريكيين من إيران واليمن وغيرها. تستطيع دمشق أن تساعد بطرح حلول لموضوعات إطلاق سراح السجناء من كل الأطراف وليس طرف الحكومة السورية فقط.

تستطيع دمشق أن تقدم للأكراد ما يجعلهم يندمجون-كجماعة ثقافية – إثنية في الدولة الوطنية السورية على قاعدة المواطنة الكاملة والإدارة المحلية الذاتية في مناطق تمركزهم.. وتدمج قوات سورية الديمقراطية «قسد» في الجيش الوطني السوري.

إذا قدمت حلول عن طريق وسطاء نزيهين فقد ترى واشنطن أن من مصلحتها ألا تسبقها الأحداث ويتم مسار إنهاء عزل سوريا بها أو بدونها. وقد يتمكن عقلاء الإدارة من كبح جموح الصقور وتهديد مكانة تتداعى تدريجيا في عالم لم تعد فيه القطب الواحد المهيمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock