رؤى

مؤشرات ودوافع التقارب الصومالي.. مع روسيا

في خطوة تعكس نهجًا براغماتيًا جديدًا للصومال، بتوسيع دائرة تحالفاته مع القوى الفاعلة في النظام الدولي، أجرى وزير الخارجية الصومالي، أبشر عمر جامع، خلال الأيام القليلة الماضية، زيارة إلى موسكو؛ حيث عقد اجتماعًا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، لمناقشة سُبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، دون النظر إلى مآلات ذلك على علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تُعد بمنزلة الشريك في قضايا التنمية ومواجهة الإرهاب، خلال السنوات الماضية.

وتتبدى أهمية هذه الزيارة، من خلال إعلان موسكو الاستعداد لتقديم الدعم العسكري واللوجستي للجيش الصومالي، في حربه على الإرهاب، ومحاولة التخلص من حركة الشباب التي لا تزال تُسيطر على بعض الأقاليم الصومالية. هذا، فضلًا عن تقديم روسيا نفسها كـ”بديل استراتيجي” مناسب للنفوذ الأمريكي واشتراطاته، بما يساعدها في إعادة صياغة تصوراتها الجيوسياسية تجاه منطقة القرن الأفريقي.

مؤشرات التقارب

تستند أهمية زيارة وزير الخارجية الصومالي إلى موسكو، في 26 مايو الماضي، إلى عدد من المؤشرات الدالة على التقارب في مسار العلاقات الصومالية الروسية.. لعل أهمها ما يلي:

من جهة، هناك تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين؛ إذ، إن عودة العلاقات الصومالية مع روسيا، في عام 2016، كانت خلال الولاية الأولى للرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود، التي امتدت خلال الفترة بين عامي 2012 – 2016؛ وذلك بعد انقطاع قارب أربعة عقود، منذ عام 1978.

واللافت، أن موسكو لم تصعّد ضد مقديشيو، باستثناء بعض التوترات عقب تصويتها ضد روسيا في الأمم المتحدة، خلال العام الماضي 2022، بشأن الحرب الأوكرانية؛ بل، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد عيَّن جولوفانوف سفيرًا مفوضًا، وفوق العادة، لدى كل من الصومال وجيبوتي، وذلك في إشارة إلى الاهتمام بتطوير العلاقات مع الصومال.

من جهة أخرى، الاهتمام بتطوير التعاون العسكري بين البلدين؛ حيث أكدت موسكو، خلال المشاركة الصومالية في القمة الروسية الأفريقية، في عام 2019، الاستعداد لاستئناف التعاون العسكري مع الصومال. وقبل ذلك في عام 2018، كان لافروف قد دعا إلى ضرورة بناء القوات المسلحة الصومالية، وتعزيز قدراتها العسكرية لهزيمة حركة الشباب، التي تمارس الإرهاب في الداخل الصومالي.

من جهة أخيرة، البحث عن تنمية العلاقات الاقتصادية؛ ففي اللقاء الأخير، بين وزيري خارجية الصومال وروسيا، أعربت موسكو عن تطلع المستثمرين الروس، إلى الاستثمار في الصومال، وخاصة في مجال الطاقة والتعدين والمجالات الأخرى. وخلال اللقاء، جرى تناول بحث إمكانية إنشاء منصات تجارية بين الجانبين، تسمح بتفاعل الشركات التجارية بينهما.

دوافع التقارب

تستند زيارة وزير الخارجية الصومالي إلى موسكو، إلى عددٍ من الدوافع.. لعل أهمها ما يلي:

من جانب، محاولة الحصول على الدعم العسكري الروسي؛ إذ، بسبب عدم كفاية القدرة العسكرية للحكومة الصومالية على مواجهة حركة الشباب المتمردة، قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بمناشدة  الروس، للحصول على الأسلحة التي تتمكن بها القوات الصومالية من مواجهة الحركة.

ولم يكتف الرئيس الصومالي بالمناشدة، بل أشار إلى الرغبة الصومالية في الاستفادة من الخبرات الروسية في مجال مكافحة الإرهاب؛ وذلك في إطار العملية العسكرية الشاملة التي يشنها الجيش الصومالي ضد الحركة، بالتعاون مع الميليشيات المحلية المتعاونة معه.

من جانب آخر، بحث إمكانية إلغاء الديون الصومالية؛ حيث عبّر الرئيس الصومالي، في كلمة له أمام البرلمان الصومالي، في 29 مايو الماضي، أي بعد زيارة وزير خارجيته إلى موسكو بأيام، عن أمله في إعفاء بلاده من الديون بالكامل، التي بلغت حتى نوفمبر 2022، أكثر من 5 مليارات دولار؛ وبالتالي، يسعى الصومال إلى محاولة إقناع موسكو، بإسقاط الديون المستحقة عليه، لا سيما أن روسيا تعتبر ثاني أكبر الدائنين له.

من جانب أخير، مساومة الغرب بشأن حظر السلاح المفروض على مقديشيو؛ إذ، يبدو أن التقارب مع روسيا، هي محاولة صومالية لتحريك المياه الراكدة في مسألة حظر الأسلحة المفروض عليها، من قبل الأمم المتحدة. ومن ثم، يبدو التقارب مع روسيا كـ”ورقة ضغط”، تحاول مقديشيو الاستفادة منها في مواجهة التعنت الغربي بشأن حظر السلاح. وفي هذا الإطار، نفسه، يأتي التأكيد الصومالي على المشاركة في القمة الروسية الأفريقية المُقبلة، المزمع انعقادها في مدينة بطرسبرج الروسية، في يوليو القادم، 2023؛ وذلك باعتبارها فرصة لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع موسكو.

هذا، فضلًا عما يُمثله التقارب مع روسيا من توسيع لدائرة التحالفات مع العالم الخارجي، بل ومع القوى الفاعلة في النظام الدولي؛ بما يمكن أن يُساهم في فتح آفاق جديدة للتعاون بينهما، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي. وكما يبدو، يستغل الصومال في ذلك، محاولات روسيا في كسب المزيد من الحلفاء، والأصدقاء، في القارة الأفريقية، لمواجهة النفوذين الأمريكي والغربي.

تأكيد الحضور

في هذا السياق، يمكن القول بأن الصومال يحاول “تأكيد الحضور” في حلقة التفاعلات الدولية؛ حيث يُدرك أنه يُمثل أهمية استراتيجية بالنسبة إلى روسيا، لاسيما أنه يتمتع بموقع جغرافي وجيوسياسي، يسمح له بالتحكم في مداخل البحر الأحمر عند مضيق باب المندب. هذا، فضلًا عما يمكن أن يُمثله بالنسبة إلى الروس من بؤرة اهتمام استراتيجي، في ضوء الاهتمام بحماية التجارة الروسية الدولية، التي تمر عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي، خاصة تجارة النفط.

أضف إلى ذلك، محاولة الحكومة الصومالية في الاعتماد على حلفاء جدد، خصوصًا روسيا؛ بما قد يُعزز من القدرة على مواجهة التحديات الداخلية، والضغوط الخارجية، وتحديدًا الغربية؛ وهو توجه تعلم الحكومة الصومالية مدى أهميته إلى صانع القرار الروسي، لما ينطوي عليه من أهداف استراتيجية بالنسبة إلى روسيا، في منطقة تساهم، عبر الاقتراب منها والتواجد فيها، من تعزيز مكانة روسيا في النظام الدولي.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock