في خطواته الحثيثة لمحاربة الإرهاب على أراضيه، ومحاولات المشاركة في تأمين مداخل البحر الأحمر، يتوجه الصومال إلى المملكة العربية السعودية في سبيل تعزيز التعاون العسكري والأمني؛ وقد جاء ذلك عبر وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، في لقائه مع الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، في جدة، 8 يونيو، أثناء زيارته إلى السعودية. وبحسب وكالة الأنباء الصومالية، فقد تناول اللقاء “العلاقات الثنائية والتعاون الأمني بين البلدين، وملف مكافحة الإرهاب”.
وتأتي هذه الخطوة، لتتكامل مع خطوات أخرى تتخذها الحكومة الصومالية، منذ عدة أشهر، في تعزيز التعاون العسكري والأمني مع عدد من الدول العربية والإقليمية، من بينها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وقّعت معها اتفاقية تعاون عسكري وأمني، في 4 يناير الماضي؛ إضافة إلى جيبوتي، التي وقعت مذكرة تفاهم معها بهذا الخصوص، أثناء زيارة وزير الدفاع الصومالي لجيبوتي، في 25 أكتوبر الماضي.
عوامل متشابكة
في إطار سياستها الواقعية، ومحاولاتها الدائمة للتخلص من معوقات إعادة بناء الدولة، تسعى الحكومة الصومالية إلى تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع السعودية، استنادًا إلى عددٍ من العوامل.. لعل أهمها ما يلي:
توسيع نطاق التعاون العسكري مع دول الخليج؛ حيث يأتي تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع المملكة العربية السعودية، كخطوة تتكامل مع خطوات أخرى، قامت بها الحكومة الصومالية بتعزيز التعاون مع دول الخليج العربية، في المجالات الأمنية والعسكرية، فضلا عن ملف مكافحة الإرهاب.
فقد وقّعت الصومال على اتفاقية تعاون أمني وعسكري، مع دولة الإمارات العربية المتحدة، في 4 يناير الماضي، في أبو ظبي؛ هذا، إضافة إلى مشاركة الصومال، مع دول ساحل البحر الأحمر، في عددٍ من التدريبات المشتركة؛ من بينها التدريبات التي أُطلق عليها “الموجة الحمراء 5″، بمشاركة 6 من الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر، في 8 يونيو 2022.
العامل الثاني يتعلق بتحقيق عدد من المكاسب على المستوى الأمني؛ إذ، يبدو أن تعزيز التعاون العسكري والأمني مع السعودية، ما هو إلا نوع من الاستمرارية في التعاون بين البلدين، لتلافي خطر الحركات الإرهابية في الصومال. ومن ثم، فإن هذا التوافق، مع السعودية، يمكن أن يُساهم في مساعدة الحكومة الصومالية على رفع معنويات أفراد الجيش الصومالي وتعزيز قدراته، بما يُمثله التوافق السعودي الصومالي من البرهنة على أن هناك دول أشقاء تقف خلف الصومال في هذه المرحلة المفصلية في حربه ضد حركة “الشباب”.
أضف إلى ذلك، الاستفادة الصومالية من الخبرة السعودية في محاربة الحركات الفكرية الخطرة؛ فضلًا عما يمكن أن تُساهم به السعودية من تخفيف أعباء الحكومة الصومالية والتزاماتها المالية، وهو ما يعني أن التعاون الأمني مع السعودية، سيؤثر إيجابيًا على الأوضاع الأمنية في الصومال.
ثالثا.. المشاركة في تأمين مداخل البحر الأحمر الجنوبية؛ إذ أنها أحد العوامل الداعمة لتعزيز التعاون العسكري والأمني، وتأتي المحاولة الصومالية في المشاركة لحماية وتأمين مداخل البحر الأحمر؛ من حيث إن ضمان حرية التنقل للسفن التجارية، وناقلات النفط العملاقة، تتصدر اهتمام الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر، فضلًا عن دول الخليج العربية؛ لذا فإن التعاون العسكري والأمني مع السعودية يكتسب أهمية لدى الحكومة الصومالية، في الحصول على موقع متميز لحماية الملاحة البحرية في القرن الأفريقي ومضيق باب المندب.
وكما يبدو، فإن التوجه الصومالي إلى التعاون العسكري والأمني مع السعودية، يرتكز على محاولة البحث عن دور في حماية المياه الدولية، وحرية الحركة البحرية؛ وهو توجُّه لا يساعد الصومال فقط في التغلب على الأزمات الداخلية التي يواجهها؛ ولكن أيضًا في التواجد داخل دائرة التفاعلات الخاصة بحماية مداخل البحر الأحمر.
ومن هذه العوامل، التأكيد على إلغاء الديون الصومالية للسعودية؛ فقد دعت القمة العربية الأخيرة، التي استضافتها السعودية، في 19 مايو الماضي، الدول الأعضاء إلى إلغاء ديون جمهورية الصومال الفيدرالية، دعمًا لاقتصادها وتمكينًا لها من الاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون.
وقد جاءت هذه الدعوة، تنفيذًا لقرارات القمم العربية العادية ذات الصلة، وقرار القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، في دورتها الرابعة في بيروت (قرار رقم 85، بتاريخ 20 يناير 2019).
أضف إلى ذلك، أن التعاون العسكري والأمني مع السعودية، يأتي ليُقدم واحدة من المحاولات الصومالية، في الحصول على الدعم لدفع رواتب أفراد الجيش الصومالي، وزيادة أعدادهم بشكل يُساهم في دحر حركة الشباب وهجماتها داخل الصومال.
وأخيرًا، البحث عن تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري؛ إذ، في سياق التعاون العسكري والأمني، يمكن للحكومة الصومالية مخاطبة السعودية حول التعاون الاقتصادي والاستثماري؛ وهي خطوة مهمة ومُلحة بالنسبة إلى ما يُعانيه الصومال من مشكلات اقتصادية داخلية. ولعل هذا ما عبر عنه السفير الصومالي إلياس شيخ عمر بكر، خلال ترؤسه أعمال الدورة العادية لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، على المستوى الوزاري، التي عُقدت بمقر الجامعة العربية بالقاهرة، الخميس 8 يونيو.
فقد دعا السفير الصومالي، الوزراء ومندوبي الدول الأعضاء في المجلس، إلى زيارة الصومال للإطلاع على إنجازات الحكومة خلال العام الأول من ولايتها؛ والاستثمار في القطاعات الواعدة في السوق الصومالية. والملاحظ، أنه في الوقت الذي كان في السفير إلياس، يدعو الدول العربية إلى الاستثمار في قطاعات الصومال الواعدة؛ في الوقت نفسه، كان وزير الدفاع الصومال يتوجه إلى السعودية لأجل التعاون العسكري والأمني.
خطوة مستقبلية
في هذا السياق، يُمكن القول بأن تعزيز التعاون العسكري والأمني مع السعودية، يأتي بمثابة “خطوة مستقبلية” يبحث من خلالها الصومال عن إعادة اكتشاف الحضور في دائرة التفاعلات العربية والإقليمية الخاصة بالمنطقة الجيواستراتيجية للبحر الأحمر ومداخله الجنوبية عند باب المندب وصولًا إلى سواحل القرن الأفريقي.
وبالتالي، يتبدى بوضوح محاولة الحكومة الصومالية، برئاسة حسن شيخ محمود، في توظيف العديد من المعطيات، بما فيها التوافق الذي تحظى به محليًا، وعربيًا، من أجل تحقيق إنجازات سريعة بشأن تحجيم حركة الشباب، الموالية لتنظيم القاعدة، واستعادة الأمن والاستقرار في العاصمة مقديشيو وبقية أرجاء البلاد.