في خطوة متوقعة من قِبَل لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري في اجتماعها الذي عُقد أمس- ثبتت اللجنة سعر الفائدة عند18.25%.
وقد اتفق عدد من الخبراء والمحللين، أن قرار عدم رفع سعر الفائدة؛ هو الأفضل في الفترة الحالية، لعدة أسباب منها أن الرفع كان سيؤدي بالتبعية إلى رفع تكلفة التمويل، وهو ما سينعكس مباشرة على أسعار السلع، وزيادة التضخم الذي وصل إلى 32.7% حسب معدل التضخم الأساسي السنوي خلال مايو المنقضي، أما على أساس شهري؛ فقد زادت وتيرة التضخم إلى 2.7% عن الشهر السابق أبريل.
من وجه نظر البعض يبدو تثبيت سعر الفائدة مؤشرا إيجابيا لاستقرار الأوضاع الاقتصادية مع بقاء آثار ملحوظة وتداعيات عديدة؛ فجذب الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومي لم يعد أولوية، بعد أن تخطت عوائد أذون الخزانة حاجز الـ 24%، كما أن التثبيت سيساهم -إلى حد ما- في عدم رفع تكلفة الاقتراض على الحكومة.
وما زال سعر الفائدة الحقيقي مستقرا عند سالب 14.45% دون أي تغير يذكر منذ يناير الماضي.
كانت مصر قد رفعت سقف احتياجاتها التمويلية في الميزانية الجديدة للسنة المالية 2023-2024، بنسبة 27% إلى 2.14 تريليون جنيه، مع الاعتماد بصورة أكبر على إصدارات أذون الخزانة على حساب سندات الخزانة، وقد استهدفت الميزانية الجديدة إصدار سندات خزانة بنحو 815.6 مليار جنيه، بما يقل عن العام المالي المنقضي بنحو384.4 مليار، بينما تتطلع لزيادة إصداراتها من أذون الخزانة إلى أكثر من 1.2 تريليون جنيه، بزيادة تبلغ نحوا من 724 مليارا عن العام المالي المنتهي.
ويبدو أن الجدل حول سعر صرف الجنيه المصري لن ينتهي قريبا؛ فبعد تصريح الرئيس المصري الأسبوع الماضي، بأن سعر الصرف في بلاده أصبح “أمنا قوميا”، ولا يمكن للحكومة الاقتراب منه إذا كان سيؤثر على حياة المصريين.. صرّحت مديرة صندوق النقد الدولي في حوار متلفز لموقع الشرق، أن استمرار الحكومة المصرية في دعم العملة المحلية على حساب احتياطي النقد الأجنبي لديها؛ يُعد بمثابة “سكب للماء في وعاء مثقوب” بما يعني أن عدم استجابة مصر لاشتراطات البنك الدولي بخصوص سعر صرف أكثر مرونة للجنيه- لن يؤدي إلى انفراج الأزمة المستحكمة؛ بل تفاقمها.
يُذكر أن البنك الدولي كان هدفا للهجوم الشديد من جانب إعلاميين محسوبين على النظام المصري؛ عقب تصريح الرئيس المصري المشار إليه؛ برغم أن الحكومة المصرية كانت قد استجابت لأحد أهم مطالبات البنك بالاتفاق مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC) التابعة للبنك، للاستفادة من خبرتها، لتسريع عملية خصخصة الشركات المملوكة للدولة.. وهو ما أشادت به المديرة في الحوار ذاته، كما أكدت اقتراب المراجعة الأولى لبرنامج التمويل -المؤجلة من مارس الماضي- مشيرة إلى احتمال إجرائها في سبتمبر المقبل.
رصدا لتصريحات الجانبين، وما سيسفر عنها خلال الشهور القليلة القادمة.. تابع محللو دويتشه بنك الألماني، الوضع الاقتصادي المصري المتأزم؛ وقالوا في تقرير لهم: “إن تخفيضا آخر لقيمة الجنيه المصري ليس “الطريق الصحيح للمضي قدما” بالنسبة لمصر، ويمكن أن يُصعّب مهمة جذب الاستثمار الأجنبي إلى البلاد.. وأوصى التقرير الذي صدر أمس “بأن يتحول التركيز إلى معالجة جذور المشكلة، وهي رصيد الدين المحلي لمصر”، وأن تحاول مصر إطالة آجال استحقاق ديونها.. وإن كان ذلك من الصعوبة بمكان؛ “نظرا للأولويات الحالية لصندوق النقد الدولي”.
وحسب تقديرات دويتشه بنك، فإن الجنيه المصري مُقوّم بأقل من قيمته بنحو 10%، وفقا لسعر الصرف الفعلي الحقيقي. وذلك رغم استقرار سعر الصرف منذ ثلاثة أشهر، بعد تخفيض قيمة الجنيه في يناير من العام الحالي بنسبة 20%.
رغم ذلك فقد توقّع محللو البنك، انخفاض سعر الصرف إلى 37 جنيها للدولار الواحد بنهاية العام، على خلاف توقعات أخرى شبه مؤكدة تشير إلى أن الحكومة المصرية ستعمل على استمرار تداول الجنيه عند 31 مقابل الدولار، حتى منتصف العام المالي الجديد على أقل تقدير.
وأضاف التقرير الصادر عن البنك الألماني أن التخفيضات السابقة قد فشلت في جذب تدفقات استثمارية مستدامة، باستثناء بعض (التدفقات) قصيرة الأجل.. لذلك من المستبعد أن يكون أثر التخفيض الرابع مغايرا لما سبق.. كما اعتبر التقرير أن تمويل استحقاقات الديون طويلة الأجل بديون قصيرة الأجل بمعدلات فائدة أعلى بكثير- أمر خطير “إذ تُستحق نحو 52 مليار دولار من الديون طويلة الأجل في عامي 2023 و2024، إضافة إلى 64 مليار دولار من السندات المتوقع تجديدها”.
لم يغفل التقرير أثر التخفيضات السابقة في تقلص عجز الحساب الجاري الذي حقق فائضا لأول مرة منذ عام 2014، في الربع الأخير من عام 2022، وتوقع المحللون تراجعا جديدا في العجز – وإن كان محدودا- بفضل ارتفاع عائدات السياحة وقناة السويس، وتراجع الطلب على الواردات.
كما توقّع تقرير دويتشه بنك أن يختتم صندوق النقد الدولي مراجعته الأولى لبرنامج التمويل الذي تحصل بموجبه مصر على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار على دُفعات – أواخر الربع الثالث من العام.. هذا في حالة الاتفاق على خفض إضافي لسعر صرف الجنيه.
من خلال الشد والجذب الذي حدث خلال الأسبوع الماضي- بدا أن قليلا من الممانعة في التعامل مع المؤسسات المالية الدولية، من الممكن أن يكون مجديا؛ فما زالت مصر رغم أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، تمتلك العديد من الأوراق التي تمكنها من حلحلة الأزمة دون الانصياع الكامل لاشتراطات صندوق النقد الذي يغتال الأمم اقتصاديا دون هوادة.. حسب تعبير قرصان الاقتصاد السابق جون بيركنز.. فهل من سبيل للنجاة من هذا المصير المحتوم؟!