مختارات

الغرب وإيران وبينهما طالبان

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن صحيفة عمان

حسين عبد الغني

 

تؤكد الخبرة التاريخية للمنطقة في علاقاتها مع العالم أو في علاقات دولها مع بعضها البعض مجموعة من المنطلقات هي:

١- المؤثر الرئيسي على مصائر هذه المنطقة وترسيم حدود دولها في القرون الثلاثة الأخيرة هو الغرب.

الغرب الذي مثلته وقادته بعد نهاية الاستعمار القديم قوة واحدة هي الولايات المتحدة.

عندما نتحدث عن الغرب في الشرق الأوسط فنحن نتحدث أيضا عن إسرائيل كمكون عضوي من مكونات هذا الغرب بحكم أنها الكيان الوظيفي والأداة الاستراتيجية الرئيسة للغرب في المنطقة للحفاظ على مصالحه الهائلة فيها من أول إمدادات النفط وحتى إحكام الطوق على أهم طرق وممرات تربط العالم بأسره.

٢- لا يُخفى الغرب انزعاجه الشديد من التوجه العام الحالي لمعظم حكومات المنطقة نحو «تصفير-المشكلات» Zero Conflict

في المنطقة والحد من الاستقطاب الإقليمي الذي كلف المنطقة حروبًا إقليمية وحروبا داخلية وانهيارًا سياسيًا أو اقتصاديًا للدولة الوطنية يشمل ٥ دول عربية على الأقل.

يهدد هذا التوجه العربي -التركي- الإيراني السلمي الراهن ما أنجزته القوى الدولية من عملية إشعال النزاعات داخل الدول العربية أو بينها وبين دول الجوار الجغرافي الطبيعي لها مثل تركيا وإيران.. والذي كفل تأمين المصالح الغربية تأمينا تاما وخسرت فيه المنطقة خسارة تامة.

٣- تقول حقائق السياسة أن الغرب ينظر إلى إيران على أنها الخصم الرئيسي له ولإسرائيل.. منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية ١٩٧٩ وتقول هذه الحقائق أيضًا إن استعادة إيران هي الجائزة الكبرى التي لم يكف الغرب يوما عن السعي للحصول عليها.

ولكن بسبب البداية العنيفة المبكرة للعلاقة بين إيران والولايات المتحدة بعد ٧٩ مع أزمة احتجاز رهائن السفارة الأمريكية في طهران لم تعد فكرة استمالة الحكام الجدد من علماء الدين فكرة مطروحة.

الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩

كما أدى الفشل الذريع لعملية إنقاذ هؤلاء الرهائن عسكريا ١٩٨٠ وتطوير إيران لاحقًا لبرنامج نووي إلى استبعاد الخيار العسكري المباشر لاستعادة إيران.

بدلا من ذلك تمت تجربة سلاحين أساسيين لكسر ما يسميه الغرب التهديد الإيراني، السلاح الأول هو تشجيع المعارضين للنظام ودعم بذور الاستياء لدى فئات اجتماعية أو ثقافية داخلية وذلك فيما يسمى بمساعي تفكيك النظام من الداخل وإحلال نظام بديل أقرب للغرب.

تعرض الداخل الإيراني خصوصا منذ ٢٠٠٩ لهبات دورية ولكنها في كل الأحوال أخفقت في تحقيق هدف تفكيك النظام أو في جعل استبدال النظام القائم مطلبا شعبيا مجمع عليه من الأمة الإيرانية.

السلاح الثاني هو سلاح مزدوج يتضمن السلاح المفضل للغرب وهو سلاح العقوبات الاقتصادية من جهة وسلاح العزلة السياسية والسعي لتحويل نظام ما أو دولة ما إلى دولة منبوذة من جهة ثانية.

ورغم قسوة العقوبات المالية والاقتصادية والنفطية الأمريكية والغربية وتأثر أحوال الإيرانيين المعيشية بشكل سلبي لا يمكن إنكاره بسببها إلا أنها أيضا كانت ذات تأثير غير حاسم على مصير ونهج طهران السياسي وأسهمت عملية التصنيع المحلي وانفتاح السوق العراقي للمنتجات الإيرانية والعلاقات الاقتصادية مع الصين وروسيا في جعل سلاح العقوبات أبعد ما يكون عن أن يصبح سلاحا مميتا.

سلاح العزلة نجح إقليميا بشكل نسبي ولكن لوقت محدود عندما تمكن الغرب لسنوات من إيجاد معادلة تزعم أن الصراع في المنطقة ليس عربيا-إسرائيليا وإنما عربي-إسرائيلي في مواجهة إيران.

لكن هذه المعادلة بالذات هي التي تكسرت نصالها وهوت بعد اتفاق التطبيع الإيراني-السعودي في مارس الماضي وبعد تبلور مؤشرات قوية على عودة العلاقات المصرية-الإيرانية بعد ٤٥ عاما من القطيعة. هذان المؤشران لعلاقات إيرانية في اتجاه التطبيع والحوار مع ما يمكن وصفه بأكبر قوتين عربيتين هو على وجه الخصوص ما يقتضي التحرك نحو سلاح آخر هو سلاح تحريك بذور نزاع حدودي يستنزف إيران ويضعف تموضعها الاستراتيجي الراهن.

السعودية وإيران
اتفاق السعودية وإيران

– هنا يأتي دور طالبان وأفغانستان: لا بدّ من الاعتراف بأن إثارة نزاع حدودي بين أفغانستان تحت قيادة حركة طالبان وبين إيران ليس صعبا على الإطلاق، ليس فقط بمنظور الخلافات التاريخية القديمة، إن أفغانستان قبل أن يحكمها أبناؤها كانت أجزاء منها تحت حكم إيراني، أو الخلافات في التاريخ القريب عندما قامت حركة طالبان في فترة حكمها الأول بقتل دبلوماسيين إيرانيين وقتل أعداد من عرقية الهزارة الشيعية، هناك أيضًا الخلافات حول المياه الواردة من نهر هلمند الذي ينبع في أفغانستان ويصب جزء منه في إيران.

لكن المكون الأكبر الذي يمكن تحريكه لإثارة النزاع هو المكون الأيديولوجي المذهبي بين السنية الجهادية لطالبان في مواجهة الشيعية السياسية لإيران وهنا تتداخل عوامل نشأة طالبان بقوة مع العامل الأيديولوجي. فطالبان نشأت آنذاك بدعم واضح من باكستان والولايات المتحدة للحفاظ على أكبر إنجاز حققه الغرب وهو إلحاق هزيمة مذلة بالاتحاد السوفييتي في أفغانستان.. وهو إنجاز كان على وشك الضياع عندما انخرط قادة المجاهدين المدعومين من واشنطن في الصراع على السلطة بعد خروج السوفييت فتم دعم وتسليح هذه الحركة من الطلاب الدينيين حتى هيمنت على أفغانستان. إلا أن رفض حكومة طالبان تسليم أسامة بن لادن بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ للأمريكيين تسبب في احتلال واشنطن أفغانستان وطرد طالبان من السلطة لمدة عشرين سنة تقريبا. عادت بعدها الحركة إلى حكم كابول بعد اتفاق مثير للتساؤلات بين أمريكا والحركة عام ٢٠٢١.

– كثير من المحللين لم يستطع أن يقتنع بأن الأمريكيين يعلنون دون سبب استسلامهم وتجرع هزيمة مذلة كهزيمتهم في فيتنام فقط في مقابل تعهد الحركة بأنها لن تسمح للقاعدة باستخدام أراضيها في شن هجمات إرهابية والتزامها بمحاربة تنظيم داعش.

– كما لم يستطع كثيرون الاقتناع بالمبررات التي ساقتها إدارة بايدن لهذا الانسحاب المفاجئ من أفغانستان خاصة لما تركته طائعة لترسانة من أحدث الأسلحة في العالم الذي يحول طالبان فعليا من مجرد حركة إلى واحد من أخطر الجيوش في وسط آسيا. أسلحة قدرها الرئيس السابق ترامب بـ٨٥ مليار دولار.

– وعندما حدث اشتباك حدودي إيراني/ طالباني وسقط قتلى وجرحى الشهر الماضي وضع كثير من المحللين قضية التخلي المريب عن السلاح الأمريكي ونشأة طالبان الأولى برعاية غربية تحت مجهر الشك من جديد خاصة من ناحية هل يمكن الإفادة من الخلافات التاريخية والمذهبية وخلافات المياه في تفجير نزاع جديد بالمنطقة تكون إيران طرفا فيه، تكون مهمته بالتحديد قطع الطريق على جهد دول الإقليم في «تصفير» المشكلات وحل النزاعات القائمة.

– عند وقوع الحادث الحدودي مؤخرا تحاشى الإيرانيون التصعيد وتجاهلوا حماسا زائدا لدى بعض كوادر طالبان وصل بهم للقول إنهم مستعدون لغزو إيران ومحاربة الإيرانيين بحماس يفوق محاربة الأمريكيين. وهو خيار عاقل استراتيجيا ينبغي أن تحافظ طهران عليه وأن تدفع الأطراف الإقليمية ذات التأثير على طالبان قادتها إلى نفس الاتجاه السليم في ضبط النفس وحل قضية مياه نهر هلمند بالطرق الودية.

– وبالتالي تجنب الانخراط في لعبة الأمم التي طالما وظفت فيها حركات الإسلام السياسي من أيام الإمبراطورية البريطانية في الشرق الأوسط والهند وغيرها وحتى الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock