رؤى

كتاب “أزمة المياه المصرية.. حدة الصراع وآليات المواجهة”.. عرض وتحليل

أزمة المياه مشكلة عالمية معروفة جيدًا، فهناك حاليًا 26 دولة تحت حد الفقر المائي، ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد إلى 66 دولة عام 2025، وحينها سيواجه نقص المياه 80 دولة أخرى، وهو ما يهدد بنشوب صراعات ممتدة حول موارد المياه، حيث يعاني أكثر من 40% من سكان العالم من نقص الحاجات الأساسية للإنسان، والأمر يزداد سوءًا مع مرور الزمن.

هذا ما يفتتح به أحمد مصطفى علي كتابه “أزمة المياه المصرية..حدة الصراع وآليات المواجهة” الصادر منذ عدة سنوات عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ضمن سلسلة إصدارات خاصة، وفيه يَخْلُص الكاتب إلى أن المياه هي أكبر الأزمات العالمية إثارة للقلق، خاصة وأنه في يومنا هذا، هناك شخص واحد من بين كل ستة أشخاص يعاني من عدم حصوله على كميات كافية من المياه العذبة الآمنة، وأن هذا العدد سيتضاعف أكثر من مرة ونصف مع حلول العام 2050، كما أن مصادر الوقود التقليدية من بترول وفحم وغاز طبيعي سوف تنقضي بمقدار 80%، والغابات القائمة على المطر سوف تنخفض بنسبة 45%.

ماهية الماء

الكاتب يرى هنا كذلك أن هناك دولًا تواجه أخطارًا مضاعفة كوطننا العربي، الذي تجاوزت فيه 19 دولة عربية مرحلة الفقر المائي، وبات يواجه العديد من بلدانه مرحلة الشح والندرة المائية، ومن بينها مصر وقطاع غزة، مشيرًا إلى أن التقرير العلمي لمنتدى البيئة العربية يشير إلى أنه بحلول العام 2025، ستقع جميع الدول العربية تحت مظلة الشح المائي باستثناء السودان والعراق، خاصة مع وقوع المنطقة العربية جغرافيًا ضمن المناطق الجافة، وشبه الجافة من الكرة الأرضية.

أحمد مصطفى علي، الذي يهدي كتابه هذا إلى والده، ويُصدّره بأبيات من قصيدة النيل لأمير الشعراء أحمد شوقي، يقول في سياق حديثه عن ماهية الماء وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، إن الماء هو أهم الموارد الطبيعية المتجددة على كوكب ألأرض، وهو مورد يرتبط بالحياة وبمقوماتها الرئيسية، مضيفًا أنه بالنظر إلى الأرض من الفضاء يمكننا رؤية كيف أنها عبارة عن محيط أزرق، حيث 70% منها ماء، ذاكرًا أن مجمل كمية المياه العذبة على كوكب الأرض هي 1% فقط من إجمالي المياه الموجودة في هذا الكوكب، وهي المكونة للأنهار والبحيرات العذبة، غير أن المؤلم هو أن جزء كبير من هذه النسبة القليلة يتواجد في أحواض جوفية عميقة جدا، لا يتسنى استخراجها إلا بتكاليف تكاد تكون مستحيلة.

عنصر محوري

يذكر الكاتب كذلك هنا أن الأنهار هي أهم مكونات المياه العذبة، ويوجد منها في العالم حوالي ألفيْ نهر في القارات الخمس، أما عدد الأنهار التي يهتم بها القانون الدولي فهي حوالي 215 نهرا فقط، معددا أنواع الأنهار الدولية وهي الأنهار الوطنية، الأنهار الحدية أو المتاخمة، الأنهار المتتابعة أو المتعاقبة، مؤكدًا أن الماء ضمن أهم المحركات الأساسية لكل عمليات التنمية، وهو عنصر محوري في التنمية بمختلف أبعادها الإنسانية والمستدامة، ذاكرا الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للمياه إذ أن الماء مصدر حيوي من مصادر الثراء ومحرك للحياة، ومع مرور الوقت وعامل الندرة تحول الماء إلى سلعة اقتصادية، بل أهم السلع على الإطلاق، مؤكدًا كذلك أن الماء بمثابة نقود حقيقية بمعناها المجرد، وقد صار معروفًا علميًّا مصطلح بنوك المياه، وتزداد -يقول الكاتب- مشكلة حدوث الصراع والأزمات والكوارث مع تنامي إشكالية استغلال الماء وتحويله لمال، خاصة في ظل تنامي الفقر المائي والفقر المالي خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا.

أحمد مصطفى علي الذي يختلف مع هيرودوت حين قال إن مصر هبة النيل، متفقًا مع قول د. عبد الرحمن إسماعيل الصالحي الخبير في الشئون الأفريقية، وهو أن مصر هبة الله للعالم أجمع، يكتب هنا فيقول إن هذه المشكلة ستزداد خطورة مع الحقائق العلمية المؤكدة لاستمرار انخفاض المياه، وتوسع الندرة المائية العالمية، واستمرار آثارها الخاصة المسايرة للتغيرات المناخية، ومنها اتساع ظاهرة الجفاف والتصحر وقلة الأمطار، وصولًا إلى حد تهديد الأمن القومي للدول المضطرة لمواجهة أعبائها المائية، كما يكتب عن علاقة الماء بالصناعة والتجارة.. عن السياحة المائية ذاكرًا أن السياحة الطبيعية تعد ضمن أهم أنواع الجذب السياحي، وأهم أنشطة السياحة المدرة للدخل القومي، راصدًا الأبعاد الاجتماعية للمياه ومنها المساهمة في القضاء على البطالة، والحد من الفقر ومحاولة تحقيق الرفاهية، ودعم الهويات المشتركة والتقارب بين المواطنين والشعوب بفعل روابط المياه.

قضية وجود

يقول الكاتب كذلك إن الماء قضية وجود للدرجة التي يمكن من خلالها فهم عوامل بناء الحضارات القديمة وانهيارها، بل ووجود دول في ما مضى وتلاشيها، وصولًا إلى صراعات المستعمر الحديث منذ قرن مضى، التي ركزت جهدها في البحث عن أنشطة الماء لاستخلاص زراعات القطن لمصانعه، مضيفًا أن الماء كان سببًا لعدم الاستقرار الاجتماعي، ما يعرف بالسلام الاجتماعي وتحقيقه للولاء والانتماء والتعايش، وهو أمر وثيق الصلة بكون الماء يمكن ترجمته لنمو اقتصادي أو فقر، وقد ارتبطت الحضارات العظمى بحماية المياه وحسن استغلالها، خاصة وأن الماء هو المقوم الرئيسي للنهضة والبناء.

ويشير الكاتب هنا إلى الصراع المائي الشرق أوسطي، وإلى المشروع الإسرائيلي حول مياه النيل، وكيف نتعامل مع أزمة المياه، مقدمًا قراءة في مواقف الدول المتصارعة على النهر، ذاكرًا ما نشرته المجلة الأمريكية للعلوم من أنه على المجتمع الدولي أن يحد من احتمالات وقوع أزمة مالية عالمية، إذا ما تصدى لهذا التحدي من منظور اجتماعي، وليس لزامًا ابتكار تقنيات جديدة، إنما يجب وبكل بساطة التسريع من اعتماد الأساليب التقنية المتاحة من أجل حفظ المياه، وزيادة كميتها، وإلا فإن العطش قد يصيب جزءًا كبيرًا من العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock