عاموس هرئيل – محلل عسكري- نُشر في هآرتس” بتاريخ 3/7/2023.
“أصوات”: إذا تجاوز القارئ العربي -عند قراءة المقال أدناه- عن المصطلحات الإسرائيلية المخالفة لحقيقة الاحتلال الاستيطاني العنصري لفلسطين التاريخية، مثل وصف الفدائيين الفلسطينيين بالمخربين، ومقاومتهم الوطنية لعدوان الشرطة والجيش وقطعان المستوطنين علي قراهم ومخيماتهم ومنازلهم وأراضيهم بالإرهاب؛ فإنه يستطيع أن يقرأ مجموعة من الاعترافات الاسرائيلية الصريحة، بأن ميزان القوي التاريخي يتغير تدريجيا لصالح الفلسطينيين أصحاب الحق وذلك كالتالي:
– قادة جيش الاحتلال يعرفون أكثر من غيرهم، أن كل عملية يقومون بها في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، هي عملية تعطيل أو إحباط مؤقت لنشاط المقاومة الفلسطينية، وأنه علي عكس وعود حكومة نتنياهو المتطرفة، لرأي عام متطرف يهيمن علي الجمهور الإسرائيلي؛ فإنهم لن يكسبوا معركة ضد مخيم جنين الصغير الذي اقتحموه عشرات المرات وباءوا بالفشل، كما فشلوا من في اربع اعتداءات عسكرية كبري علي غزة منذ ٢٠٠٨.
– إن فشل السلطة الفلسطينية في العمل -كما تريد إسرائيل- كقوة قمع للمقاومة؛ قد وسّع هامش الحركة أمام المقاومين في جنين وغيرها، لمزيد من الهجمات الموجعة لإسرائيل خاصة خلال هذا العام.
– إن مرور ٣٠ سنة علي اتفاقيات أوسلو العاجزة، لم يفعل شيئا سوي زيادة تصميم الاجيال الجديدة من الشباب الفلسطيني علي العودة للمقاومة المسلحة، بعد أن ثبت أنها كانت خطة أمريكية إسرائيلية لقضم أراضي الضفة الغربية؛ فلم يتبق من مساحة فلسطين التاريخية -لم تسرقه دولة الاحتلال- سوي أقل من ١٥٪.
– إن المقاومة الفلسطينية في الضفة العربية وليس فقط في غزة، قد طورت إمكانياتها القتالية واستطاعت تفجير مدرعات إسرائيلية بعبوات ناسفة أكثر تقدما، كما وصلت إلى أياديها قذائف تستطيع أن تطال بها الخط الأخضر (فلسطين ما قبل ٤٨).
– أن التفوق التقليدي للجيش الإسرائيلي علي العرب، يتضاءل في ساحة صراعه الأساسية، عندما يتعلق الأمر بالقتال في المخيمات والمدن الصغيرة، وتذهب مزاياه النسبية لمقاومة بدأت تتعلم درس الانشقاق المرير؛ فبدأت تنسيق جهودها في عمليات تنسيق تتجاوز التنظيمات والتقسيمات الأيدلوجية كما هو الحال في تشكيلي المقاومة الراهنتين في جنين الصامدة.. جنين التي باتت رمزا لحركة التحرر الوطني الفلسطيني متجاوزة بشهدائها وبتضحياتها كل الاطر القديمة للعمل الفلسطيني.
المقال:
بحسب الردود المتحمسة التي تصدر عن وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف، فإن الحملة العسكرية التي بدأت ليلة أمس الاثنين في جنين، ستكون خطوة كسر الموازين. كان من الأفضل لأعضاء الائتلاف تعديل توقعاتهم قليلا. فالقيادة العليا للجيش تتحدث عن عملية محدودة من حيث الزمن والأهداف. الهدف منها هو دفع جهود “الإرهاب” الفلسطيني، الذي تصاعد منذ سنة ونصف في جنين، عدة خطوات إلى الوراء. ولا يوجد لدى المستويات المهنية في الجيش أي أوهام بشأن تحقيق تغيير جوهري في الواقع الأمني. الهدف هو توجيه ضربة تصعّب على التنظيمات التي تعمل من داخل المخيم، الاستمرار في إلحاق الضرر بالإسرائيليين، لوقت معين.
بقية المعطيات الأساسية في الصورة العامة – الدافع العالي لدى الشباب الفلسطيني المسلح إلى مواجهة إسرائيل، وعدم وجود القدرة لدى السلطة الفلسطينية على السيطرة عليهم، واستمرار سياسة حكومة نتنياهو العدائية جداً في الضفة، إلى جانب الجهود القصوى لتوسيع مساحة المستوطنات والبؤر الاستيطانية – كل هذا سيستمر حتى بعد خروج قوات الجيش من جنين. والخروج سيكون أسرع بكثير مما تعتقد جماعة اليمين.
منذ البداية، لم يكن الجيش يريد عملية واسعة في شمال الضفة الغربية. لقد فضّلوا في هيئة الأركان القيام بالخطوات نفسها: الاستمرار في عمليات الاعتقال داخل مخيم اللاجئين، وأحيانا في مدينة جنين نفسها، ونابلس أيضا، مرة كل بضعة أيام. لكن الضغط كان يزداد من طرف المستوطنين وممثليهم في الكنيست. في الأشهر الأخيرة حدث ارتفاع تدريجي في عدد الأحداث على المحاور في الضفة، بدءا من إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، ووصولا إلى عمليات إطلاق النار. منذ بداية العام، قتل الفلسطينيون 28 إسرائيليا. وفي نهاية شهر حزيران/يونيو، جرت العملية الأصعب، قُتل 4 مواطنين في عملية إطلاق نار داخل محطة وقود على مدخل مستوطنة عيلي.
هذه الأحداث عززت الضغوط على الحكومة للقيام بشيء ما. حقيقة أن الحديث يدور حول حكومة يمين متطرف، وعد الشركاء فيها بتغيير الوضع الأمني من الأساس عندما كانوا في المعارضة، دفعتهم إلى مصيدة، إذ كان عليهم العمل بطريقة غير عادية لتحقيق وعودهم. الرجل الأهم هنا كان رئيس المجلس الإقليمي في شومرون، يوسي داغان، الذي أدار حملة فعالة داخل “الليكود”، بهدف المصادقة على الحملة. وخلال هذا الوقت، تراكمت الأسباب أكثر فأكثر. وبدوره، حذّر “الشاباك” من تحسين نوعي في العبوات الناسفة المصنّعة في جنين، والفلسطينيون نشروا فيديو حاولوا فيه إطلاق قذيفتين من جنين إلى داخل الخط الأخضر. وكان هناك تخوف من استعمال طائرات مسيّرة مع متفجرات.
وعلى الرغم من هذا كله، فإن ما يخطط له الجيش لا يتماشى مع الفانتازيا الخاصة بداغان وآخرين. وعندما ينتهي أعضاء الائتلاف من التذلل لبنيامين نتنياهو، بسبب قراره الخروج إلى حملة، سيكتشفون أن الحملة انتهت ولم يتغير الكثير.
التغيير الأساسي الذي حدث كان في حجم القوات، فهو أكبر مما هو سائد في الضفة، وفي قرار استهلال العملية بضربة جوية ضد غرفة عمليات للفصائل الفلسطينية داخل مخيم اللاجئين. ولكن هنا أيضا، يجب وضع الأمور في سياقها. الحديث يدور عن بيت سرّي واحد قُتل فيه ثلاثة نشطاء. هذه ليست ضربة قوية على مقر قيادة، كما يحدث عادة في الحملات على قطاع غزة.
سيطرت القوات على منازل في محيط المخيم، وتعمل على تحويلها إلى مواقع، ولكن ليس بهدف احتلالها. العمل داخل منطقة سكنية مكتظة يتطلب تبادُل إطلاق نار من مسافات قصيرة نسبياً، وهو ما يقلص التفوق التكتيكي للجيش، ويرفع خطر وقوع خسائر في الجانب الإسرائيلي.
كجزء من المحاولة للدفاع عن القوات، يترك الجيش خلفه دماراً كبيرا داخل المخيم. وبالأساس، قامت الجرافات المدرعة بحفر الطرقات في العمق داخل شوارع مخيم اللاجئين، بهدف الكشف عن عبوات ناسفة زُرعت عميقا في الأرض، ومعدة للاستخدام.
إحدى المصاعب التي يواجهها الجيش تنبع من خبرة الجنود المحدودة في القتال بهذا النمط.
في العام ونصف العام الأخيرين، كان هناك الكثير من الاقتحامات داخل مناطق سكنية كثيفة في المخيم، لكنها لا تصل إلى مستوى الخبرة ذاتها التي جمعها الجيش خلال القتال في مخيمات اللاجئين في الضفة بصورة دائمة خلال الانتفاضة الثانية.
التخوف من توحيد الساحات
جزء من الحاجة إلى إنهاء الحملة بسرعة نسبيا، هو التخوف من التورط في ساحات أُخرى. منذ بداية العام، يزداد الحديث في منظومة الأمن عن خطر “توحيد الساحات”، حيث يمكن لحادثة في القدس، أو في الضفة، أن تنعكس في إطلاق قذائف من قطاع غزة، أو سورية، أو لبنان.
تتطلع إيران إلى توحيد الساحات ضد إسرائيل. وتشعر بأن مكانتها التي تحسنت تخلق فرصة من أجل هذه الخطوة. من المهم أنه حتى عندما نركز على جنين، أن نرى التوجهات الأكبر والأكثر خطورة.
إسرائيل لم توقف في هذه المرحلة دخول العمال الفلسطينيين من الضفة وقطاع غزة للعمل في أراضيها، على الرغم من التصعيد في جنين. هناك تخوف حقيقي من عمليات انتقامية في حال ارتفع عدد “القتلى الفلسطينيين” خلال المعارك في جنين، إما من خلال إطلاق القذائف، وإما من خلال عمليات ينفّذها “مخربون” منفردون داخل الخط الأخضر.
