رؤى

متابعات عربية: هل تُقدم “الفيدرالية” الحل الواقعي.. للأزمة الليبية؟

تعيش الدولة الليبية لحظات فارقة في ظل امتداد الأزمة لسنوات، وانتشار الميليشيات المسلحة، وعدم وجود توافق وطني أو خطاب قادر على “لم الشمل”، منذ سقوط حكم القذافي؛ فضلًا عن الافتقار إلى وجود مؤسسات فاعلة وقوية قادرة على تحجيم الأزمة، التي تتسع مع الوقت، في ظل مجتمع قبلي بامتياز.

وكحل لهذا الأزمة، تصاعدت من جديد الأصوات التي تنادي بعودة الفيدرالية إلى ليبيا، والرجوع إلى دستور 1951، الفيدرالي؛ وذلك اعتمادا على مجموعة دوافع، منها صعوبة إجراء الانتخابات في ظل وجود حكومتين، والتداخل بين الداخلي والخارجي في الأزمة، إضافة إلى مبادرة القاهرة للسلام، التي ساهمت في إلقاء الضوء مجددا على فكرة عودة النظام الفيدرالي إلى البلاد.

عوامل إشكالية

الدعوة إلى “تفكيك مركزية الحكم” في العاصمة طرابلس، والمناداة بعودة الفيدرالية كحل للأزمة الليبيةً، تعتمد على عدد من العوامل الإشكالية، المتجذرة على الساحة هناك.. أهمها ما يلي: فشل المفاوضات حول تسوية الأزمة؛ فتجارب عشر سنوات من المفاوضات والاجتماعات والمؤتمرات، كافية لأن تُثبت أن لا أحد من الأطراف الليبية المتصارعة، يريد انتخابات تُفضي إلى حصول طرف على شرعية رئاسية أو برلمانية انتخابية، أيضا يبدو أن لا أحد يُريد نظامًا سواء كان رئاسيا أو برلمانيا، بل ما يُريده كل طرف هو تشريعات تحفظ له بقاءه في الحكم، ونصيب من “كعكة” الموارد التي تتمتع بها ليبيا.

هذا فضلًا عن فشل المفاوضات حول مواد الدستور؛ إذ بعد سنوات طويلة من التفاوض والمؤتمرات الدولية، صار من شبه المؤكد أن الأطراف الليبية المنخرطة في التفاوض بشأن “القاعدة الدستورية” التي يمكن أن تجرى على أساسها الانتخابات، لن تتمكن من تجاوز عتبة النظام السياسي، ومن يحق له الترشح لمنصب الرئيس، في ظل خارطة الصراع والانقسام الحاصل على الساحة.

هناك أيضا فشل محاولات تفكيك الميليشات المسلحة؛ ففي ظل هشاشة النظام الأمني، وانقسام أجهزة الدولة، تعد قضية الميليشيات المسلحة في عموم ليبيا من المشكلات التي تعوق الحلول السلمية هناك. ويكفي أن نلاحظ أن عدد الميليشيات في المنطقة الغربية، وتحديدا في طرابلس ومصراتة، يصل إلى نحو من خمسين ميليشيا، ويصل عدد أفرادها ما بين مئة وعشرين إلى مئتي ألف مقاتل، بحسب تقرير للأمم المتحدة نشر في مارس من العام الماضي 2021.

هناك كذلك فشل محاولات السيطرة على انتشار السلاح؛ حيث تُعد قضية فوضى السلاح في ليبيا من المشكلات التي تعوق إمكانية التوصل إلى تسوية للأزمة. صحيح أنه لا توجد إحصائيات رسمية عن حجم انتشار السلاح في هذا البلد، إلا أن الأمم المتحدة قد أحصت ما لا يقل عن عشرين مليون قطعة سلاح، خلال السنوات القليلة الماضية.

ويبدو أن عددًا من الدوافع تقف وراء هذه الدعوات إلى اللامركزية في الحكم، أو تحديدا “الفدرلة” في ليبيا.. لعل أهمها ما يلي:

من هذه الدوافع، صعوبة إجراء الانتخابات مع وجود حكومتين؛ ففي محاولة الخروج من أزمة الانسداد الدستوري، اقترح بعض النواب الليبيين “إجراء انتخابات وطنية في ظل وجود حكومتين”؛ وأكد البعض الآخر على ذلك، بشرط العودة إلى دستور 1951، ففي حوار معه بجريدة “إندبندنت عربية” في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي، حول إمكانية إجراء كل من باشأغا والدبيبة للانتخابات، في مناطق نفوذيهما، لتفادي الصراعات السياسية والأمنية التي تتخبط فيها البلاد، قال عضو البرلمان جبريل وحيدة “إنه في حال المرور إلى هذا الحل، لا يوجد أمامنا غير اللجوء إلى دستور 1951، الفيدرالي باعتبار أن هناك عدم ثقة في المركزية التي أوصلت البلد إلى ما هي عليه منذ خمسين سنة إلى الآن”.

وهو ما يعني صعوبة هذا الإجراء، خاصة في حال رفض النتائج من بعض الأطراف، إذا ما فاز طرف منافس بالانتخابات.

من هذه الدوافع أيضا، التداخل بين ما هو داخلي وما هو خارجي في الأزمة الليبية؛ إذ يبدو مثل هذا التداخل بوضوح ففي وقت سابق، كان للأطراف الدولية الفاعلة في المشهد الليبي وكلاء في الداخل، إلا أن تعقيدات الأزمة وطول أمدها مَكّن بعض الأطراف الدولية، بمساعدة أطراف داخلية، من امتلاك قوات عسكرية على الأرض الليبية، ولم تعد تحتاج إلى وكلاء محليين.

ثم هناك المبادرة المصرية وملامح الحل الفيدرالي؛ حيث كان المجتمع الدولي، خصوصًا الغربي، يرفض في السابق أي توجهات لإقامة دولة فيدرالية في ليبيا، خشية أن تؤدي إلى بعثرة الثروة النفطية؛ إلا أن الموقف قد تغير منذ إعلان “مبادرة القاهرة” للسلام، التي أعادت الحديث عن الشكل الفيدرالي للدولة الليبية، القائم على الأقاليم التاريخية الثلاثة، برقة وفزان وطرابلس، كحل محتمل يمكن أن يضع نهاية للأزمة الليبية، ويُرضي جميع أطراف الصراع، خصوصًا بعدما أثبتت التجارب صعوبة قيام دولة مركزية.

وكان للمبادرة المصرية، التي أعلنت في 6 يونيو 2020، دور كبير في إلقاء الضوء مجددًا على فكرة عودة النظام الفيدرالي إلى ليبيا، لحل الخلافات المزمنة حول تقاسم وتوزيع الثروة والسلطة، وتوسيع صلاحيات الحكم المحلي لحل مشكلة النظام المركزي في الحكم، الذي جعل من العاصمة طرابلس مركزًا دائمًا للصراع.

من المفارقات أن الفيدرالية ليست غريبة عن العالم العربي، حيث تأخذ بها دساتير العراق والسودان والصومال والإمارات؛ وقد أثبتت التجارب العربية، أن النموذج الاتحادي الإماراتي هو الأنجح على مستوى العالم العربي؛ وأن النماذج الأخرى إما أنها هشة (السودان)، وإما أنها فاشلة (الصومال)، وإما أنها غير مفعلة وارتبطت بتفاقم أزمة الاندماج الوطني (العراق).

وبالنسبة إلى ليبيا، التي اختبرت تجربة فيدرالية بعيد استقلالها لأكثر من عشر سنوات، فقد تعالت المطالب وتصاعدت الأصوات، بعد سقوط حكم القذافي، بالعودة إلى النظام الفيدرالي كحل للأزمة التي تعانيها البلاد طوال سنوات؛ من خلال “تقسيمها” فيدراليًا إلى ثلاثة أقاليم كبرى، تتمتع بحكم محلي في ظل دولة اتحادية.

وتبدو الفيدرالية كحل واقعي للأزمة الليبية، في ظل التهميش السياسي والاقتصادي، الذي عانى منه إقليمي برقة وفزان طوال حكم القذافي؛ هذا فضلا عن تلاقي الفيدرالية مع مصالح الأقليات العرقية، من أمازيغ وطوارق وتبو، خاصة وأن دعاة الفيدرالية في ليبيا يقدمون النموذج الاتحادي الإماراتي، كـ”نموذج” عربي ناجح.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock