في الطريق إلى القاهرة انشغل الفتى رفعت بالتفكير بما يجب عليه فعله، بعد الانضمام للنادي الأهلي العظيم صاحب الشعبية الأكبر، الزاخر بالنجوم والبطولات الفائز ببطولة الدوري منذ انطلاقها عام 1948، إلى عام انتقال رفعت إليه، نعني عام 1952، وهو العام الذي شهد قيام ثورة يوليو المباركة.
ارتباط اللاعب الموهوب بمدينته العتيقة لم يكن محل شك.. ولعه بالبحر وشاطئ رأس البر، وصحبة الأصدقاء الذين لم يفارقهم منذ وعى، أسرته التي تعتمد عليه كل الاعتماد في توفير الدخل المادي اللازم لمتطلبات المعيشة، حرفته التي برع فيها، وأبدع وصار من كبارها رغم صغر سنه.. حبه لنادي دمياط وملاعب المدينة التي شهدت تألقه وتجليات موهبته الفذة.. حتى صار نجما وملكا متوجا على عرش قلوب “الدمايطة”.. تساءل رفعت هل سيستطيع أن يجد له مكانا وسط التشكيلة الأساسية لفريق مثل الأهلي يضم أفضل لاعبي مصر؟
منذ وصوله إلى الجزيرة شارك نجمنا في تدريبات الفريق بكل جدية، وبدأ مدرب الفريق لبيب محمود في إشراكه في المباريات الودية؛ لكنه كان يُفاجأ في كل مرة أنه خارج التشكيل الأساسي في المباريات الرسمية.. ما أصابه بالضيق والغضب.
لاحظ عبد المنعم شطارة الذي كان يلعب في مركز الظهير الأيسر حالة الإحباط التي كان الفناجيلي يعاني منها؛ فذهب إليه وصارحه بأن فرصة مشاركته أساسيا شبه معدومة، وأن عليه التفكير في نادٍ آخر.
لا يعلم أحد على وجه اليقين دوافع شطارة فيما فعل وقال.. وإن أرجع البعض ذلك إلى الغيرة والخوف من أن يستولي الشاب الموهوب على مكان شطارة في الفريق؛ خاصة أن رفعت لعب في عدة مراكز في الدفاع والوسط وأجاد فيها جميعها.
كانت النصيحة التي أسداها له هذا الزميل هي الانتقال للعب في فريق اتحاد السويس الذي صعد للممتاز مؤخرا؛ ولن يعوق هذا الانتقال عائق إذا غيّر اللاعب محل إقامته ليكون مدينة السويس، وفق ما هو متبع في لوائح اتحاد الكرة.
بالفعل انتقل الفناجيلي لاتحاد السويس وتألق مع الفريق الذي كان الحصان الأسود في هذا الموسم الذي أنهاه خامسا بعد الأهلي والزمالك والإسماعيلي والاتحاد السكندري.. وكانت أول أهداف نجمنا في هذا الموسم في شباك النادي المصري في المباراة التي انتهت بفوز اتحاد السويس.. وكان لقاء الأهلي واتحاد السويس في هذا الموسم حدثا مهما تحدثت عنه مصر كلها، إذ استطاع الفتى الدمياطي منع نجم الأهلي الذهبي في ذلك الوقت، سيد الضظوي من التهديف، وقضى على خطورته الهجومية تماما أثناء اللقاء.. ما جعل مدرب الأهلي وأعضاء الجهاز الفني وعبده البقال يشعرون بالندم الشديد على ترك الفناجيلي يرحل عن الأهلي.
لأسباب كثيرة.. لم يطل المقام بالفناجيلي في السويس؛ ما اضطره للانتقال إلى المصري البورسعيدي.. لكنه لم يجد أن هذا النادي قادر على تلبية طموحاته؛ فقرر إنهاء تواجده مع الفريق والعودة إلى مدينته الحبيبية.. بعد مرور عام ونصف تقريبا على بدأ هذه الرحلة التي لم تلق من النجاح ما كان يرجوه الفتى.
كانت تلك الفترة من أصعب الفترات التي عاشها نجمنا الموهوب؛ حتى أنه فكّر كثيرا في الانصراف عن كرة القدم، والعودة للاهتمام بحرفته التي كان فنه فيها، لا يقل عن موهبته الكروية.
فور علمه بعودة الفناجيلي إلى دمياط، قرر كابتن الأهلي فؤاد صدقي، التواصل معه وإقناعه بالعودة إلى الأهلي.. حضر صدقي بنفسه إلى دمياط، ولم يغادرها إلا ورفعت بصحبته.
بالطبع كان الفناجيلي يشعر بالمرارة مما حدث له؛ لكن حبه للنادي الأهلي جعله لا يتردد في العودة.. ويفاجأ رفعت أن النادي المصري، قد تقدم بشكوى في حقه لمغادرته النادي دون الحصول على استغناء؛ وبعد التحقيق من الجهة المختصة باتحاد كرة القدم، يصدر القرار بإيقاف الفناجيلي لمدة عام.. ليكون موسم 1954، هو موسمه الأول مع النادي الأهلي؛ لتبدأ فعليا رحلته مع التألق والتتويج على مدى ستة عشر عاما؛ مثّل خلالها النادي الأهلي في مختلف البطولات، وكان نجما فوق العادة، وقائدا للفريق في أصعب الظروف والمواقف.. لقبته خلالها الجماهير العاشقة بألقاب لم تمنحها لغيره، منها المهندس، والمعلم، والساحر، بالإضافة إلى المدفعجي، لقبه الأشهر الذي اكتسبه بسبب تسديداته الصاروخية التي لا تُصد ولا تُرد.