مختارات

صفقة شرق أوسطية بعيدة المنال… قراءة في مسار التطبيع السعودي-الإسرائيلي إن حصل

نقلًا عن جريدة النهار

بعد الجهود التركية للوساطة والتفاوض منذ بداية الحرب الروسية-الأوكرانية، وكذلك المبادرات الصينية والإفريقية وأخرى أميركية-لاتينية وسواها، احتضنت مدينة جدّة #السعودية اجتماعاً دولياً، يومي السبت والأحد الموافقين في الخامس والسادس من آب/أغسطس الجاري، يكتسب أهمية كبرى خصوصًا بالنسبة إلى كييف وحلفائها الغربيين، على الرغم من الغياب الروسي الذي يُقلق موسكو من محاولات الاستفراد بها وتعميم النموذج الغربي على الدول الأخرى التي بقيت تحمل العصا من المنتصف تحت عنوان “الحياد الإيجابي”.

غير أن اللافت أن مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان زار المملكة العربية السعودية، للمرة الثالثة في غضون شهرين، رفقة القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية فيكتوريا نيولاند للمشاركة هذه المرة في المؤتمر حول أوكرانيا، لكنهما لربما حملا في جعبتيهما تفاصيل إضافية حول صفقة “شرق أوسطية” تشمل #التطبيع بين إسرائيل والسعودية وإيجاد حلول للقضية الفلسطينية مقابل ضمانات أميركية تبقى بدورها موضع شدّ وجذب وانقسام، خصوصًا أنها تحتاج إلى موافقة الكونغرس الأميركي، في حين أن أعضاءه منقسمون حيال العلاقات مع إسرائيل والسعودية.

وفي محاولة لإجراء تحليل لتفاصيل هذه الصفقة لجهة أهميتها وصعوبتها وتعقيداتها وتأثيراتها على المنطقة يمكن رصد ثلاث قراءات/ احتمالات:

– الأولى، خرجت إلى الصحافة الأميركية مؤخرًا وتحديدًا من الصحافي الأميركي في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان الذي التقى الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، بحيث يبحث جوزف بايدن بعمق في صفقة كبرى في منطقة الشرق الأوسط تقوم على اتفاق أمني مشترك بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية يتضمن تطبيع العلاقات السعودية- الإسرائيلية شريطة أن تقدّم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين تحافظ على إمكانية حلّ الدولتين.

فيما برزت تسريبات أميركية (غير مؤكدة) تشير إلى اشتراط السعودية على واشنطن ثلاثة مطالب أبرزها: الحصول على معاهدة أمنية من شأنها أن تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن الممكلة في حال تعرضها لهجوم أمني وعسكري، بالإضافة إلى الحصول على برنامج نووي مدني تشرف عليه أميركا، فضلاً عن شراء أسلحة أميركية أكثر تطورًا وتقدمًا على غرار نظام “ثاد” Terminal High Altitude Area Defense (THAAD).

في المقابل، من بين الأشياء التي تريدها الولايات المتحدة من السعوديين إنهاء القتال في اليمن، وتقديم حزمة مساعدات سعودية كبيرة للمؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية، وفرض قيود كبيرة على العلاقات المتنامية بين السعودية والصين.

وبين هذا وذاك، وبموجب الصفقة، على إسرائيل أن تقدّم تنازلات ذات مغزى للفلسطينيين، وحينذاك سيكون تحالف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحاكم أمام خيارين اثنين: إما ضمّ الضفة الغربية أو الحصول على سلام مع المملكة خصوصًا، والعالم الإسلامي بأسره عمومًا، لكن لا يمكنه الحصول على كليهما!

تخلص القراءة الأولى إلى أن الصفقة أو الاتفاقية التي ستتطلب جهدًا وعملاً كبيرَيْن وتستلزم موافقة مجلس الشيوخ من شأنها أن تغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.

– الثانية، تنطلق من رفضها للشروط المقرونة بأي سلام سعودي-إسرائيلي برعاية أميركية التي تتضمن عقد اتفاق دفاعي مع المملكة يقضي بدفاع أميركا عنها في حال تعرضها لهجوم كما هي الحال مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، خصوصًا أن مثل هذا الاتفاق من شأنه تقويض خطاب بايدن الذي يؤكد أن العالم يشهد صراعًا لنشر الديموقراطية، فضلاً عما سيشكله ذلك من انتصار للدعاية الصينية والروسية على حدّ سواء.

كما تبرز تخوفات من أن يؤدي اتفاق مماثل إلى حرب باردة جديدة قد تكون أكثر تعقيدًا وخطورة من أي مواجهة شهدها العالم على الاطلاق.

وتبرز تحذيرات من مغبة مساعدة السعودية على تطوير تكنولوجيا نووية، على الرغم من الحديث عن كونها لأغراض سلمية تلافيًا لما سبق وحصل مع البرامج النووية في كل من الهند وإيران التي تم إطلاقها في البداية تحت المبررات نفسها.

– الثالثة، تنطلق من التوقيت الذي يخلق فيه الوضع الداخلي الإسرائيلي نقاشًا حادًّا داخل الولايات المتحدة الأميركية بشأن مراجعة العلاقات بين البلدين، يتوجب على إدارة بايدن التركيز على الأهداف التي يمكن أن تتحقق في السياسة الخارجية من بينها التطبيع بين السعودية وإسرائيل الذي قد يحفّز دولاً مسلمة غير عربية مثل إندونيسيا لانتهاج الخطوة ذاتها، كما أن التطبيع، وفق هذه القراءة، من شأنه أن يدفع باتجاه خطوات إيجابية في الملف الفلسطيني؛ إلا أن ذلك يصطدم بتخوّف نتنياهو ومواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف الرافض للتراجع عن سياسة التوسع الاستيطاني.

وعليه، يتوجب على واشنطن العمل على وضع الإطار لاتفاق سعودي-إسرائيلي حتى ولو لم يكن بالإمكان إبرامه في عهد نتنياهو.

في المحصلة، يبدو واضحًا أن مسار التطبيع السعودي-الإسرائيلي سيكون طويلاً وشاقًا ويتطلب تهيئة الظروف المواتية لإتمامه، خصوصًا في ظل وجود الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الذي يعتبر الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل والذي يصطدم بمطالب وشروط المملكة العربية السعودية المتمسكة بالمبادرة العربية التي أعقبت القمة العربية التي عقدت في بيروت في العام 2002 والمتمثلة بحلّ الدولتين على حدود 1967 ووقف المسار الاستيطاني والحفاظ على القدس الشرقية عاصمة أبدية لفلسطين، ناهيك عما تمثله المملكة من رمزية ثقافية ودينية وحضارية وسياسية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالمين العربي والإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock