مختارات

القضية الفلسطينية.. وضرورة نقل القيادة لجيل جديد

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عروبة 22

حسين عبد الغني

فشل مزمن؛ ممتد لأكثر من ١٥ سنة وصراع داخلي مرير منذ توقيع اتفاق أوسلو قبل ٣٠ عامًا لا يمكن فيه الاكتفاء بتفسيرات البعض من نوع أنّ قيادات الفصائل الفلسطينية قد أصابتها البلادة السياسية وتسيطر عليها حالة عدم الاكتراث السياسي؛ فحقيقة الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك، وهي تشير إلى أنّ القيادات كبيرة العمر المسيطرة على القرار السياسي في المنظمات الفلسطينية خاصة “فتح” و”حماس” ليس لديها أدنى استعداد لتغيير الوضع الانقسامي القائم، إلا إذا كان يعني فقط الحصول على ما للطرف الثاني وإضافته إلى ما لديه حاليًا، إما أن يتنازل طرف منهما عمّا عنده لصالح إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية أو الوصول لاستراتيجية تحرّر وطني واحدة في مواجهة دولة الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري البغيض، فذلك غير مطروح.

بعبارة أخرى، فإنّ هذه الأجيال القيادية القديمة تراكم لديها من المصالح والمكاسب والموارد والعلاقات الإقليمية والدولية ما يجعلها ترفض أيّ محاولة لتغيير الأمر الواقع الفلسطيني وتقاوم كلّ محاولة لبناء الحركة الوطنية الفلسطينية على أسس جديدة تستجيب للتغيّرات الهائلة التي حدثت في القضية الفلسطينية منذ أوسلو وحتى الآن .

وفي السياق الفلسطيني ليس لهذا الاستنتاج من معنى سوى أنّ الثورة الفلسطينية التي يوجد توافق عام على أنها بدأت مع إطلاق أول رصاصة في ديسمبر 1965 قد وصلت إلى نهايتها، وأنها بعد أكثر من خمسة عقود على استلامها قيادة الشعب الفلسطيني فقدت قوة دفعها الذاتي واضطربت بوصلتها وصارت غير قادرة على قيادة السفينة الفلسطينية التي استقلّتها أجيال جديدة أكثر حيوية وكفاءة.

ماذا يعني سدّ الطريق أمام تغيير الوضع القائم الذي سهّل على الاحتلال ومستوطنيه افتراس مزيد من الأراضي والاعتداء على مزيد من الأرواح؟؛ يعني أنّ المهمة التاريخية المطروحة في العقد الثاني من القرن الـ٢١ على الفلسطينيين لم تعد إعادة ترميم الحركة الوطنية الموجودة منذ منتصف ستينات القرن الماضي وحسب، بل بناء حركة وطنية فلسطينية جديدة تستفيد من كل منجز مؤسّسي له رمزية سياسية وتاريخية كبيرة ووضعية قانونية دولية، مثل منظمة التحرير، لكنها تتجاوز كل الركام القديم الذي بات يهدّد الوجود الفلسطيني.

3 أدلة معاصرة تشرحها السطور القادمة للدلالة على أنّ الحاجة إلى حركة وطنية فلسطينية جديدة بقيادات ومعايير جديدة باتت هي الحل، بعد أن فرغ ما في جعبة القيادات القديمة من حلول:

الانتفاضة الفلسطينية
الانتفاضة الفلسطينية

الأول: قيادات تسجيل المواقف

يقدّم الاجتماع الأخير في العلمين نموذجًا على أنّ القيادات الفلسطينية القديمة باتت جزءًا من المشكلة وليست جزءًا من الحلّ؛ إذ قام كل طرف من الطرفين الرئيسيين في “فتح” و”حماس” بطرح مطالب تعجيزية على الطرف الثاني وهو يعلم مسبقًا أنه لا يمكنه قبولها، ويعلم أكثر أنه ليس لديه القدرة على فرض هذه المطالب عليه؛ وبالتالي يصبح الهدف الحقيقي هو أن يبقى الوضع الفلسطيني القائم على ما هو عليه “مزدوجًا برأسين يشلّان حركة جسده”.

الرئيس الفلسطيني طالب “حماس” بإنهاء سيطرتها على غزة والاعتراف بأوسلو بما تتضمّنه من اعتراف باسرائيل، والقبول بمقاومة سلمية لاحتلال لا يستخدم هو ومستوطنيه غير القتل، في مقابل وعد بإجراء انتخابات عامة سرعان ما سحبه باليد الأخرى عندما قال إنّ “إجراءها ليس في يده وإنما مرهون بضغط أمريكي على إسرائيل كي تقبل باجرائها في القدس أيضًا”.

رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” من جهته طالب أبو مازن بقرارات تعجيزية مثل إعلان إلغاء اتفاقيات أوسلو، وهو يعلم أنه لا يستطيع ذلك بسبب معارضة النظام العربي الرسمي الذي لن يسمح للسلطة الفلسطينية بذلك، ومع علم “حماس” أيضًا أن لا حاجة لإلغاء “أوسلو” بقرار فلسطيني في ظلّ تنصّل إسرائيل من كل التزاماتها فيه، أي أنه ميت فعليًا، وكلّ المطلوب من السلطة في حدود توازن القوى الحالي تجاهل الاتفاق وإلغاء التنسيق الأمني.

“حماس” طالبت أيضًا بانتخابات عامة وإعادة بناء منظمة التحرير، وهي تعلم أنه رغم صحة ذلك ديمقراطيًا إلا أنّ “فتح” لن تُجري حاليًا انتخابات عامة أو تُدخل “حماس” و”الجهاد” للمنظمة وهي تشعر أنّ شعبيتها كسلطة في أدنى مستوى لها عند الفلسطينيين.

فضّل الطرفان تسجيل المواقف وتوجيه الرسائل المُرضية لحلفائهما في العالم والإقليم لضمان تدفّق الدعم المالي والسياسي على أن يتوصّلا لحلول جيّدة كانت في أيديهم، كأن تقبل “فتح” باعتماد حق الشعب الفلسطيني في المقاومة الشاملة بما فيها رد وردع الاعتداءات المسلّحة لجيش الاحتلال ومستوطنيه بالسلاح بدلًا من إصراره على قصرها على المقاومة السلمية في وجه آلة قتل متوحشة.

كان بإمكان الطرفين أن يقبلا باقتراح الجبهة الشعبية وآخرين باعتماد آلية قيادية مؤقتة تتمثل في اجتماع دوري أربع أو ست مرّات في العام للأمناء العامين لكل الفصائل لقيادة العمل الوطني، خاصة وأنهم جميعًا يعرفون أنّ هناك استحالةً سياسيةً في عقد انتخابات عامة خلال الظرف الراهن.

ضيّعوا الممكن من أجل المستحيل عمدًا، ولتذهب تضحيات وتطلعات شعبهم سدى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock